وصلت في الأيام الأخيرة، أخبار عن معارك جديدة وخطيرة في ناحية التواتيين، ولحسن الحظ لم تؤثر تلك الأخبار عن الرأي العام بشكل كبير، ولم تلفت انتباهه وجنينا نحن فقط الثمار المرة، لقصور طريقة أسلوب اختراقنا الصحراء.
كانت هذه الأخبار غير مؤكدة بما يكفي، إلى أن نشرت جريدة le temps معلومات جيدة.. على الشكل التالي:
القبطان فالكونيتـى قائد ملحق مركز تيميمون، بعدما علم من مستطلعين له، بوجود نوع من التمرد عند بعض القبائل الخاضعة لإدارته، قرر القيام بجولة شرطية فيها.
فتوجه لدلدول مع مفرزة مكونة من اصبايحي صحراوي وكوم القبطان بين، في نفس الوقت خرج القبطان جاكيز، كومندار الرماة الصحراويين من تيميمون للبحث عن مراعي للإبل.
في 28 غشت تلقي الكابتان جاك، إخطارا من القبطان فالكونيتـي، بأنه يتصارع بصلاح مِطارفا، مع عدد كبير من البرابر، جيدوا التسليح، طالبا نجدته، استجابة للنداء وصل في 30 غشت أمام صلاح مطارفا أول دعم، البرابر المسلحون ببنادق جيدة كانوا متخندقين بإحكام في قصبات، يصوبون رميهم على رؤوس جنودنا، فقتل ليوطنا ديبارديا، وجرح ليوطنا لفاليط، جروحا بليغة وقتل ضابطا صف وجنديان، وجرح أربعة آخرون.
الكولون الصغير بعدما انهزم، رجع لدلدول، منتظرا وصول التعزيزات التي طلبها على استعجال من تيميمون.
بعد وصول التعزيزات المطلوبة في 5 شتنبر عادت القوات بقيادة القبطان فالكونيتـي لأسوار صلاح مطارفا حيث تجددت الاشتباكات على الفور فقدنا فيها القبطان جاكيز قتيلا مع عدد من الرماة، وأصيب ضابط الصف هالي بجروح بليغة.
عاد الكولون مرة أخرى لتيميمون دون خوف من البرابر؛
كما يتضح من خلال العرض الموجز الذي قدمناه لهذه الحوادث، التي نرى أنها ليست حوادث ظرفية ناتجة عن حملة استكشافية، وإنما هي عملية بوليسية عادية، نقوم بها في ناحية كورارا منذ مدة طويلة، ضمن مجال تحركنا.
الوضع غير الحرج بالنسبة لنا، يبين السمة الصبيانية الحقة المختفية، وراء ذلك العمل الذي قام به البرابر الذين لا يتوفرون على أية قوة لقطع الطريق على قواتنا، وهم الآن يتوجهون كما قيل نحو تيميمون.
أعطيت الأوامر بالقيام بتعزيزات تحت إمرة قائد الفوج كيكاندون، ليتم إرسالها من لقليعة لتيميمون، وقد أعطت القيادة العليا العسكرية الأوامر لمعاقبة البرابر بعنف، وعدم ترك قصور كورارا وتوات، يشعرون بأن قواتنا انهزمت، وستنسحب.
إذا كنا لا نرغب في تعريض نتائج النجاحات التي حققها جنودنا للخطر، في عين صالح وادْرامشا، وما إلى ذلك، فمن الملح أن نؤسس بسرعة من الآن بتوات حاميات، يمكن أن تشكل قواعد ثابتة، وصلبة للعمليات وعلى استعداد لأي احتمالات.
من هذه المعلومات يتبين بوضوح أن هذه العملية المؤسفة لم تكن نتيجة سلوك مغامر لضابط شاب.
يقع ساحل مطرفة على بعد 80كلم جنوب تيميمون، في كورارة، القبطان فلكونتـي رئيس ملحقة تيميمون مسؤول من الآن عن إقرار النظام في كورارة، لم يخرج عن دوره، بل كان يؤدي واجبه بصرامة، متطلعا لقطع الطريق على المفسدين والمشوشين الذين اجتاحوا منطقته، أما القبطان جاكي فقد جاء ليساعد رفيقه بما معه من قوات كانت تحت إمرته في كورارة.
ولو أنهم لم يقوموا بما قاموا به، على الطريقة التي كلفت حياة القبطان جاكي، لكانوا قد فشلوا ببساطة في المهمة التي تم إسنادها لهم بشكل كبير، لذلك فهم لا يتحملون مسؤولية ما جرى، ولا ينبغي أيضا القول بعدم مسؤوليتهم، حتى لا نترك الغموض يلف المسألة، لأنه كان بالإمكان تفادي تلك الأحداث المؤسفة التي وقعت في كورارة، لو كان هناك مزيدا من التبصر، وليس فقط النية الحسنة.
إذا كانت زمرة من البرابر قد تمكنت من الصعود لتوات، من أجل الانخراط في مهاجمة حاميتنا دون خوف على مهاجمة مؤخرتها، في سهل كورارة، فلأننا لم نترك أية حامية فرنسية على خط التراجع، وكان من المكن أن تكون موجودة.
يجب ألا ننسى بأننا في نشرتنا الأخيرة، أخبرنا بأن الجنرال سيرفيير قائد فيلق الجزائر، كان قد انتهز الفرصة، صحبة مفرزة من الكوم، للقيام بجولة في الجنوب، لتفقد تديكلت، فتجرأ وعبر اتوات مستفيدا من التأثير الكبير الذي أحدثته انتصاراتنا الأخيرة على الأهالي، وعاد دون أن تطلق عليه رصاصة واحدة وهو في أدرار، حيث توجد قصور مهمة بالناحية.
الجنرال قطع كل اتوات وكل كورارا، من تاوريرت في ركان لغاية تيميمون، دون أن يفقد لا رجلا ولا جملا، ولم تطلق عليه طلقة واحدة، وقد شاهد في رحلته هذه بتوات واحات النخيل البديعة على طول 300 كلم..
كان من السهل العثور على عناصر حامية صغيرة منيعة في قصبة أدرار، مأخوذة من قوات مركز تيميمون وحصن ماك ماهون والقليعة، وأيضا بفضل مركز الحراسة المتقدم نحو الغرب، كان الرحل البرابر يتقدمون للرعي في نواحي أدرار، لكنهم لم يعودوا يجرؤون على ممارسة نهبهم للسهول الخاضعة لسلطتنا؛ حيث يتركون خلفهم حامية فرنسية.
بالإضافة لذلك، كان علينا أن نظهر لهم بأننا نحمي السكان الذين يريدون الخضوع لسلطتنا، والتخلي عن قصورهم بأدرار، وينتقلوا لمضارب نخصصها لسكناهم تحت سيادتنا، وعليه فما كان يجب أن يفعل قد تم فعله.
مما جعل البرابرة سعداء للغاية، إذ وفر لهم ذلك المسعى سببا ودريعة للسير لأدرار، ومعاقبة المراكز التي استقبلت المرتدين، إرضاء لدينهم وجشعهم، ودوافعهم اللامبالية، المماثلة لتلك التي كانت عند الصليبيين القدامى، الذين ذهبوا لإنقاذ قبر المسيح و”الفوز” في الشرق.
بيد أنه عندما كان البرابر يصلون أمام أدرار، ويرى سكانها أن هؤلاء الرحل يمتلكون أسلحة جيدة، فإنهم يصرحون لهم بأنهم لم يخضعوا للكلاب المسيحيين إلا بالقوة، ولو كان بجانبهم رفقاء جيدون مثلهم، مسلحون على شاكلة ما يرونه، لكانوا قد أبادوا أولئك الكفار، ولإثبات صدقهم عرضوا على البرابرة مرافقتهم في رحلة تمشيطية لكورارة، كي يطاردوا ويقتلوا ما بها من كفار، وقد مكثوا طوال شهر بالمنطقة، ينهبون الكراريين الذين قبلوا بالعيش تحت نير الرومي الشائن والسيء الذكر.
في اليوم التالي لمرور الجنرال سيرفيير والقبطان بَيِنْ انتهى غزو اتوات، ولم يبق إلا تأكيده حاليا، وإعادة تنظيمه.
مهما كانت أسباب هذا التسويف، نريد فقط أن نفكر في النتيجة، المؤسفة، ووضعية الغد التي يجب أن تكون أفضل، بالطبع يجب احتلال اتوات، وكلما كان ذلك مبكرا كان أحسن، لأن كل يوم يمر يبعدنا عن النصر الذي حققناه في تيدكيلت، مما يزيد في الاعتقاد بأن البرابر هم الأقوى في النهاية، وعليه لا ينبغي أن يزداد هذا الاعتقاد انتشارا بين الشعوب الجاهلة، البعيدة عن رغبتنا، فيمتصونا فقط، وهذا يعني أن الأمر يتعلق أكثر بكثير من التصرف من أجل الحياة، أكثر مما يتعلق بتحريك الة عسكرية كبيرة، لن تقوم بمزيد من العمل وسوف ترعب البرلمان، عند اطلاعه على النفقات المطلوبة لذلك، وتخلق أعداء للعمل ومن ثمة تأخير له.
القوة مطلوبة، لأنها المولدة الضرورية لجميع المواقف في البلدان البربرية، لكنها تكون فعالة فقط إذا تم قياسها بالهدف، إذا قمنا بإنجاز عملنا من خلال موافقته لتلك السياسة التي تكون دائما أقل تكلفة وتنفيذها من خلال توزيع ذكي للأموال المرصودة لها، مما يعني أن الحل الحقيقي، هو ترك شؤون الأهالي لصالح مواصلة احتلال اتوات، ومنحهم الدعم الحربي اللازم المتناسب لاستخدامهم حسب تقديراتهم.
علاوة على ذلك الإتجاه -الذي يجب أن يرجح ويسبق كل تنمية مستقبلية لمهمتنا الصحراوية-يجب أن ينفذ الاحتلال من قبل رجال مرنين يفهمون الظروف المحلية المختلفة، لنستفيد من العمليات الفرنسية في مختلف الظروف الملحة، هذه الضرورة الملحة تبين أن الصحراء أكبر من أن تكون دولة، لاستحالة ذلك، ما لم تكن هناك اكتشافات معدنية غير متوقعة، تدفع تكاليف احتلال صارم وإدارة غنية…
الصحراء أقل بكثير من مجال للاستغلال، وأكبر معيق للإمبراطورية الواجب إزالته، لذلك علينا احتلالها، لكن كممر فقط.
وقد بدأت الأعمال بالفعل، مما سيقلل من عراقيل هذه العقبة للحد الأدنى.
التلغراف موجود في لقليعة، ومن جنوب السودان يتقدم نحو أرَوَان، وسينساب على التَّوِّ من لقليعة لعين صالَح، واحتمالا لغاية والين، ووفقا لحساب التكلفة يتوجب مليون ونصف لمد السلك نحو دفريي، إكلي توات، عين صالح، وركلة، وبدون شك، فإنه إذا ما أُنشِأ الخط، سيترك نقل الأعمدة علاجا لإدارة الأهالي التي ستستخدم المواد المحلية، حيثما وجدت، مقابل مبلغ يقل بثلاث مرات عما حددته الدراسة.
يعتبر التلغراف الصحراوي هذا عملا ذو أهمية بالغة، خاصة عندما نتخيل التأثير المعنوي الذي يحدثه التواصل بين باريس وتمبكتو عبر هذا الخط الصحراوي.
إذا كانت هذه الحجج التفصيلية وحدها تثبت أن الطريق الحديدية، يجب أن تنحدر بسرعة نحو الجنوب عبر واد الززفانة، واتوات، وهي الطريق الوحيدة لاختراق الصحراء، كما بيناه في مقالات سابقة، فإنه يجب أن يكون لدى سياسيينا اهتمام واسع وعام وكاف، بمستقبل عملنا الأفريقي، يؤدي بهم لدعم، إقامة الخط الحديدي الصحراوي، وعدم التخلي عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(البحث نشره، روبير دوكيز في: إفريقيا الفرنسية 1900/ص:324-327).