نصيحة غالية من مفضول إلى فاضل عبد المغيث موحد

لو نهى الإسلام أهل التكليف عن فت البعر لقام معارضوه بدعوة الناس إلى فته؛ وقالوا ما نهاكم عن فته إلا وفي فته السلامة من كل شر والغنيمة من كل بر، ولو دعا الإسلام وحاشاه الناس إلى العري والخنا والربا والسرقة وسائر المقذورات لقام صناديد الإباء والعناد؛ وحاشاهم بدعوة الناس إلى كل فضيلة؛ وصارت صنعة الستر والتعدد والتعفف مطالب لهم يذودون عن حياضها بالجنان واللسان والأركان؛ لا لما أودعه الله فيها من جمالية وموافقة للفطر السليمة وجدوى نفع ومردودية؛ بل لأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وحاشاها دعت إلى نقيضها وجاءت بضدها.

وإننا لنعلم علم اليقين أنه ولو -على بعد واستحالة- قامت نحلة البوذية وملة الكونفشيوسية بدعوة الناس وفق ما جاء به الإسلام لما سمعت لهؤلاء الذين يكادون اليوم يكونون علينا لبدا نفسا منفوسة؛ ولا صدعا مركوزا.
وليس الطرح هنا من باب الرجم بالغيب فها هي الراهبات في أديرتهن وكنائسهن وفي الشوارع الفسيحة والضيقة يرفلن في خمرهن، فهل سمعت يوما علمانيا أو حداثيا أو لادينيا أقام الدنيا وأقعدها باسم حقوق المرأة وحرب النساء والمواثيق الدولية، واتهم ذلك اللباس ذي المرجعية الدينية بأنه سجن يحول بين هذه النسوة المتبتلات الحصورات بغير حق وبين الحياة المدنية القشيبة.
بل ها هي أحكام الإعدام ترتفع نسبها في ولاية تكساس الأمريكية فهل عارضها معارض أو كتب عنها كاتب، ما دام النطق بها وتطبيقها لا يستند إلى مرجعية إسلامية!
إن القضية قضية دين وليس أي دين إنما هي قضية دين الإسلام ذلك الدين القيم الذي ارتضاه الله للناس أجمعين، وجعل سبيله منسوبا إليه نسبة تلغي ما ماعاداه وتنعثه بالزبد الذي ذهب وسيذهب جفاءا، ولسنا مؤاخذين أو مأخوذا بناصيتنا اليوم إذا أراد الغرب كفرا وعنادا أن يعيش متحررا يفعل بدينه كيف شاء وما شاء، سيما ونحن أهل عقيدة نؤمن أن هذا الغرب بتركيبته البشرية يوم سيلقى ربه سيحاسبه الحساب الذي اقتضاه عدله سبحانه وتعالى، وبالمقابل نبقي نحن المسلمون ملومين مأخوذا بنواصينا متى ما لم يبق صنيعهم هذا غريبا كل الغربة علينا؛ ومحاسبين حسابا عسيرا متى ما أصابنا غزوهم الفكري المدخون؛ وأردانا انبهارنا بما عندهم من إخلاد إلى ماديات مدنيتهم؛ وحملنا فصامهم إلى رفض التلقي من عند الله ورسوله؛ وصار عندنا بما يشبه العقيدة ما يفعله الغرب العلماني والشرق الملحد وحيا منزلا لابد من إتباعه؛ والسير بتعبد ركوع وسجود وراء ركبه الماجن.
إننا لا نملك إلا أن نردد أن القضية قضية دين وقضية انتساب إلى دين عظيم وأن هناك فئة من الناس لا ترقب فيه وفي المنتسبين إليه إلا ولا ذمة؛ هذه الفئة التي وقف يوما قائد الجمهورية الفرنسية الخامسة الجنرال دغول ليحدث رواد مدرسته الاستعمارية ويقول تخبيرا عن تركته النفيسة فينا:
“لقد هيأنا في المستعمرات نخبة من الرجال مشربين بمبادئنا المتصلة بحقوق الإنسان والحرية؛ متعطشين أيما عطش للحلول محلنا في جميع المناصب”.
وهاك إشارة تغنيك عن ألف عبارة إشارة إلى أولئك الذين فضلوا اقتحام عقبة الديمقراطيات الحديثة عبر بوابة ما بات يصطلح عليه بالإسلام السياسي؛ والذين يقدمون التنازلات تلو الأخرى بل ويحصل أحيانا أن تدعوهم الضرورة الحداثية إلى الانسلاخ عن ما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ بل وعند منعرجات المواجهة يتعمدون جعل الدين ظهريا مداهنة لأهل الباطل؛ وكأن الإسلام معرة من تشبع بعقيدته وشريعته فكأنما تأبط شرا. ولن أنسى -وأنا المفضول أن أذكر نصحا- السيد الفاضل الأمين العام لحزب العدالة والتنمية خطيب منبر الجمعة سابقا والعضو المجاهد في الإصلاح والتوحيد والتي قال فيها ما معناه: أنه وإذا ما قدر الله أن صار على رأس الحكومة فإنه لا يعنيه من بعيد ولا من قريب العري والسفور وولغ الخمور؛ وقياسا كل ما يترتب عن هذه الموبقات المردية!!
إن الكلمة أخي الأمين شهادة مكتوبة مسؤول عنها بين يدي الله؛ سيما وأنها كلمة مارقة لا الإصلاح يقتضيها؛ ولا التوحيد يقرها؛ ولا العدالة تبغيها؛ ولا التنمية ترومها، وكيف يقول العاقل المنتسب إلى الدين وأزمة بلادنا أزمة أخلاق وقضية الخيرية المنشودة لنا السليبة اليوم قد علق ربنا ميزتها وامتيازها بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل وأيهما الأمثل والأجدر والأنفع في باب الإصلاح والتوحيد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمولته الشريفة النفيسة؛ أم كراسي خاوية على أعمدتها وآبار عطائها معطلة قد نضب ماؤها في معشر أناس يحسبون كل سراب ماء وما هو بماء. ومتى كان أخي النسخ المفضوح كالأصل الممدوح؛ ومتى بلغت النزوات الهائمة مبلغ الهوية الدائمة بدوام الأرض والسموات.
وبعد هذا نذكرك أخي نصحا بمفاد تلك الإشارة إشارة أن التنازلات والقبول بأنصاف الحلول؛ والمساومة في القطعيات؛ والتخلي بانتقاء مدخون عن البعض دون البعض؛ وجعل مسألة الهوية والانتساب من فضائل الثانويات؛ وحصر الدين في خندق الشعيرة إعمالا لمبدأ ما لله لله وما لقيصر لقيصر؛ لا يرضي ولن يرضي رصيدها مع الوعد بالزيادة في هامش الانسلاخ والتنازل أولئك الذين تكلم عنهم دوغول بصدق وأمانة، ثم اعلم أخي أنه وحتى مع عيش ديمقراطياتهم في أبهى صورها وأرقى تجلياتها أي حينما يحتكم الكل إلى صناديق الاقتراع ويقول الشعب كلمته الغالية كلمة أنه يريد أن يسوس أموره بدين الله فستقوم قومة الحداثيين والديمقراطيين كما قامت قومة السيدة “سهير بلحسن” رئيسة الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان عند فوز حزب الفضيلة التونسي بأغلبية لم ترقها؛ والتي بلغت قومتها درك الملاسنة والقذف والسب ورمي شعب بلدها بالجهالة والبلادة والدناءة والحقارة، فلم يغن خطاب هذا الحزب ولم تشفع توجهاته الذائبة في قالب المعاصرة والحداثة عن مثل هكذا قومة.
إن القضية أخي الكريم هي قضية دين لا قضية حزب بل قضية نظرة إلى هذا الدين نظرة استشكال لشريعة تريد بزعمهم أن تحكم واقعا معاصرا؛ وهي التي نزلت قبل أربعة عشر قرنا؛ واقع يختلف أيما اختلاف عن الواقع الذي ولدت في كنفه هذه الشريعة.
وبينما ستبقى قلوبنا المطمئنة بذكر الله تنظر إلى مسألة صلاحية هذه الشريعة لكل زمان ومكان؛ وأن هذا وجه من أوجه إعجازها وسر أودعه الله في جوهرها؛ سيظل هؤلاء يرددون تخرصات وظنونا لا يمكن لأي مؤمن إلا أن يفهم من لازمها أنه طعن في علم الله الأزلي وحكمته وأن علمه -أستغفر الله- لم يحط بمرحلة لاحقة من تاريخ البشرية، مرحلة يحق وجوبا للإنسان أن يستغني ويكف عن تطبيق شريعة الإسلام التي أنزلها ربنا وأمر باتباعها -فرضا وطاعة- إتباعا مطلقا غير مشروط بتحديد زمان أو مكان.
وإن قلوبنا المطمئنة ومتى ما وقفت على قضية من الإله؟ آلله أم سواه من الأنداد؟ فإنها وبإنابة وإخبات ستختار الله؛ وتختار ما يترتب على مرضاة الله سبحانه من عبادته وحده لا شريك له؛ وإتباع شريعته وامتثال شعيرته؛ غير عابئة ولا ملتفتة إلى الذين استكبروا والذين هم اليوم في غمرتهم يجادلون بغير علم؛ ويستنكفون بغير حلم والعاقبة للمتقين الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، وستذكر ما قلته لك وأفوض أمري إلى الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *