أن تنشر جرائد أروبية، تنتمي لمجتمع ملؤه الحقد على الإسلام، صورا مسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام، فذلك أمر طبيعي.
أن يصرح بابا الصليبيين بما يسيء للإسلام ولنبي الإسلام، فذلك أمر متوقَع إذا استحضرنا عداوة النصارى التاريخية للمسلمين.
وأن يشن الإعلام العالمي حملة تهدف لتشويه الإسلام ووصفه بالإرهاب والدموية والبربرية أمر أيضا لا غرابة فيه ولا إشكال يعتريه، إذا علمنا أن الذي يمسك بهذا الإعلام هم رؤوس الصهونية والماسونية والصليبية.
لكن أن يتجرأ اليساريون المغاربة وفي هذا الوقت بالذات على كتاب الله عز وجل فيطعنون في أحكامه وآياته وكونه أساس التشريع عند المسلمين، فهذه هي الطامة العظمى والمصيبة الكبرى وأم البلايا.
إن مما لم يكن يخطر لنا على بال وقد كنا نعتبره من قبيل المحال أن يطال هجوم الاشتراكين العلمانيين المغاربة مصداقية القرآن فيزعم كبيرهم الذي علمهم الشر أن القران مزيد فيه ومنقوص منه!!
ذلك هو ما جادت به قريحة “المفكر الكبير!” و”الفيلسوف النحرير!” محمد عابد الجابري في شهر القرآن من خلال مقالته المشئومة التي نشرها في جريد “الاتحاد” الإماراتية في الثاني من أكتوبر الماضي والمعنونة ب “ما قيل إنه “رُفع” أو”سقط” من القرآن!” والتي زعم فيها أن القرآن وقع به بعض التحريف، وأن علماء الإسلام السنة اعترفوا بذلك.
“كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً” الكهف.
لقد شكل أعداء الإسلام من الغرب خلال عصر الاستعمار ثلة من أدعياء “الثقافة” و”الفكر” و”التحرر” و”التنوير” ليقوموا نيابة عنهم بالهجوم على الإسلام، وإثارة الشكوك حوله، ولقد وفر الغرب لعملائه الثقافيين في العالم الإسلامي ما يمكن أن يحيطهم بهالة زائفة تخدع الكثيرين عن حقيقتهم ويعطيهم بعض الألقاب المزورة مثل “المفكر” و”المبدع” و”الكاتب الكبير”، و”عميد المفكرين”، و”عميد الأدب العربي”.. كما يعطيهم الشهادات والجوائز، ويوفر لهم الشهرة والنجومية وقد قيل: “السَّرْج المُذهَّب لا يجعلُ الحمار حصاناً”.
لقد اختار الجابري الوقت المناسب للخروج بمثل هذه الآراء الشاذة ونفث هذه السموم المعادية للإسلام، مستغلاً الظروف الحالية التي يتعرض فيها الإسلام للاتهامات الباطلة من كل أعدائه .
فما الذي يرمي إليه هذا الرجل بتصريحاته هذه؟
هل يريد أن يحصل على جائزة “نوبل”؟
ولماذا في هذا الوقت بالذات؟
ولماذا لم تنشر باطله هذا جريدة مغربية؟
وأين هو رد فعل الجهات المعنية؟ والسلطات الشرعية؟ وعلماء المغرب؟
لن أكلف نفسي الرد على مهاترات الجابري ولا تفنيد مجازفاته وافتراءاته، يقينا مني أن مثل هذا الموضوع مما يكفي عرضه عن رده، وإن ما جاء في كلامه ليُعَد نقضا لما أجمع عليه المسلمون من أن القرآن محفوظ لا يتطرق إليه النقص ولا الزيادة لقوله تعالى: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” الحجر.
وقوله: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ” فصلت.
عن نافع مولى بن عمر قال: “خطب الحجاج فقال: إن ابن الزبير يبدل كلام الله تعالى، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: كذب الحجاج، إن ابن الزبير لا يبدل كلام الله ولا يستطيع ذلك” رواه البيهقي في “الأسماء والصفات” برقم 528
قال القرطبي :(باب ما جاء من الحجة في الرد على من طعن في القرآن، وخالف مصحف عثمان بالزيادة والنقصان، لا خلاف بين الأمة ولا بين أئمة أهل السنة أن القرآن اسم لكلام الله تعالى الذي جاء به محمد، معجزة له على نحو ما تقدم، وأنه محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف، معلومة على الاضطرار سوره وآياته، مبرأة من الزيادة والنقصان حروفه وكلماته، فلا يحتاج في تعريفه بَحدًّ ولا في حصره بعد، فمن ادعى زيادة عليه أو نقصانا منه، فقد أبطل الإجماع، وبهت الناس، ورد ما جاء به الرسول من القرآن المنزل عليه، ورد قوله تعالى: “قُُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً” وأبطل آية رسوله عليه السلام، لأنه إذ ذاك يصير القرآن مقدورا عليه حين شيب بالباطل، ولما قدر عليه لم يكن حجة ولا آية، وخَرَجَ عن أن يكون معجزا، فالقائل أن القرآن فيه زيادة ونقصان راد لكتاب الله ولما جاء به الرسول..) الجامع لأحكام القرآن 1/88
روى القرطبي بسنده عن الحسين بن فهم قال: سمعت يحيى بن أكثم يقول: كان للمأمون -وهو أمير إذ ذاك- مجلس نظر، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب الرائحة، قال: فتكلم فأحسن الكلام والعبارة، قال: فلما تقوض المجلس دعاه المأمون فقال له: إسرائيلي؟ قال نعم، قال له: أسلم حتى أفعل بك وأصنع، ووعده، فقال: ديني ودين آبائي! وانصرف، قال: فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما، قال: فتكلم على الفقه فأحسن الكلام، فلما تقوض المجلس دعاه المأمون وقال: ألست صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى، قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنت تراني حسن الخط، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني، وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة فاشتريت مني، وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الوراقين فتصفحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي.
قال يحيى بن أكثم: فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله عز وجل، قال قلت: في أي موضع؟ قال: في قول الله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل: “بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ” المائدة، فجعل حفظه إليهم فضاع، وقال عز وجل: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” فحفظه الله عز وجل علينا فلم يضِع ) الجامع 5/369.
وإننا لنهتبلها فرصة نسأل من خلالها علماء المغرب وبالذات أعضاء المجلس العلمي الأعلى:
ما حكم من زعم أن القران الكريم محرف؟
وهل ما صدر من الجابري تتسع له الحريات الفردية من تفكير وتعبير أم الأمر بخلاف ذلك؟
لقد تصديتم مشكورين دون أن تبينوا الحكم الشرعي لمن أباح للمغاربة اقتناء السكن بالطريقة الربوية، وتجنى على المغرب المسلم وجعل حكم أهله هو نفس حكم الأقليات المسلمة في الدول الغربية، فماذا أنتم فاعلون أمام هذا السيل اليساري من الهجوم على أقدس مقدسات المسلمين ألا وهو القران الكريم؟
إننا ننتظر منكم أن تقفوا الموقف اللائق بمكانتكم وبالمسؤولية الملقاة على عاتقكم، فلتكونوا سددكم الله أهلا لهذه المسؤولية ولتكونوا حراسا للعقيدة وحماة للشريعة، متمثلين قول النبي عليه الصلاة والسلام: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين” البيهقي.
أما أنتم أيها العلمانيون اللادينيون فلتعلموا أن المسلمين مهما فرطوا وتساهلوا فلن يصل بهم الأمر إلى تصديق ترهاتكم وإن الضلال والانحراف الذي تلبسونه لبوس الفلسفة والعلم لن يمس حرفا من كتاب الله عز وجل فإن كتاب الله لا يستطيع أحد أن يحرفه ولا أن يثبت تحريفه، قال تعالى: “بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُو زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ” الأنبياء.
وما صنيع الجابري وأمثاله إلا كقول الشاعر:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى *** وصوَّت إنسان فكِدت أطير
وكقول الآخر:
كناطح صخرة يوما ليوهنها *** فلم يَضِرها وأوهى قرنَه الوعلُ.