الشباب ممتلئ فتوة ومكتنز حيوية يفيض قوة ويتدفق اندفاعا؛ هذه بعض خصائصفترة الشباب العمرية التي تحتاج إلى العناية والتوجيه حتى لا تزيغ عما يراد منها فيها، وباعتبارهامرحلة يمر منها كل إنسان وهو محاسب عليها لا محالة لكن شبابنا ينسى هذا إلا قليلا، ولاسيما في فصل الصيف الذي ينطلق فيه الناسبلا حدود بدعوى الفراغ والتخلص من أعباء سنة من العمل والضنك وتغيير الروتين اليومي بالترويح على النفس وتحقيق ملذاتها وإعطائها حقها من الفرح والسرور.
في هذه المدة يجد الشاب يده فارغة وجيبه عامرا بما يجود به سخاء الآباء الذين يجدون أنفسهم مضطرين إلى هذا الكرم حتى لا يصاب الأبناء بعقدة وهم في سن المرح، هكذا يتصورن، ومنهم من يفعل ذلك رضوخا لسطوة الأبناء في هذا الزمن الرديء وقديما قيل
إن الفراغ والشباب والجدة—مفسدة للمرءأي مفسدة
وهكذا ينطلق شباب الأمة، رجال الغد المعول عليهم في رفع الغمة،إلى إنزال الضيم بقلوب المسترشدين بنور الوحي، لا يقف أمامهم شيء ولا يمنعهم مانع من الانخراط فيما هو مهيأ لهم من وسائل الإفسادوالإبعاد عن الله وعنزاد التقوى الذي لم يعد يرغب فيه أحد إلا قليلا ممن رحمهم الله، ولأن الشباب قوة وتهور فهم أقدر على كثرة الأسفار واقتحام الزحام في المهرجانات والمواسم وأجرأ على ما فيها من موبقات.
أيها الشباب..عقارب الساعة لا تتوقف في فصل الصيف،والأيام تمر حثيثا،والكتبة لايتوانون في تدوين الأقوال والأفعال، والموت يأتي فجأة والقبر صندوق العمل، وقد جعل الله فترة الشباب أهم مرحلة في عمر الإنسان، لأنها المرحلة التي يقدر فيها الشاب على فعل ما يعجز عن فعله في الطفولة وإن لم تكن مناط تكليف، ولا يقدر عليه فعله في زمن الشيخوخة، وليث الشباب يعود لكن هيهات،فالشباب هو وسط العمر، وأشد ما تكون الشمس قوة إذا كانت في كبد السماء والقمر أضوء في ليلة البدر، ولا تنسى أيها الشاب أن عمرك ستسأل عنه مرتين عند الله؛ مرة حين تسأل عن العمر كله ومرة حين تسأل عن شبابك لوحده كما ورد في الحديث، مما يدل على أهميةهذه الفترة حتى لا تبقى لاهثا وراء سراب شهواتك ووهم لذاتك تريد تحقيق المعجزات بارتكاب الموبقات ولا سيما في فصل الصيف.
عودوالرشدكم يا شباب ولا تظنوا الحياة خلقت عبثا وأنكم وجدتم هملا فالمرح له حدود شرعية والنشاط له ضوابط، وانتماؤكم للإسلام دين المسؤولية والجد حتى في وقت الترويح يجب الوقوف عند حدود الله وعدم تضييع فرائضه وانتهاك حرماته. وإنه”ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون”.
الصيف سينتهي وتبقى الحسرات، وصحائف مسودة، ومعاصي ماثلة بين العينين تنغص الحياة وتكدر صفوها، فالعاقل من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والغافل من أتبع نفسه هواها وأكثر من الأماني، فكثير من الشباب يجعل نفسه إمعة هو مع السواد الأعظم ومع الجمهور التائه، يحشر نفسه مع القطيع،ويرى أنه ليس لوحده،فالجميع على درب الهوى يسير فما العيب فيذلك، وإذا عمت هانت، لاسيما فقوة تأثير المنكر تفوققوة الممانعة لدى كثير من شباب اليوم.
ولأن الخير لايعدم في هذه الأمة فهناك شبابا يمموا وجوههم شطر العمل الصالح وتركوا الهمج وراءهم ظهريا، فتية أمنوا بربهم حقا وصدقا وقالوا قومنا اتخذوا الهوى إلها فما لنا معهم سبيل، من هؤلاء الصفوة من ينتظرون الصيف على أحر من الجمر ليس للتحلق مهرجانات الغنا والخنا والميوعة، وإنما يتحلقون حول كتاب الله حفظا وفهما ومدارسة، يرحلون ليس لحضور موسم اجتمعت فيه مظاهر الردى وإنما لحضور محاضرة علمية وعزلة في بيت من بيوت الله ينشطون لحفظ سنة النبي الكريم وليس لترديد أغاني ماجنة مع مغن لئيم،يفرحون عند حفظ حديث أو سورة وليس لمصافحة مخنث أو مأفون. لكن هؤلاء لا زالوا يعيشون الحرمان بسبب إجراءات الوباء متلهفين لعودة الكتاتيب والمدارس القرآن ودور القرءان وجمعيات حفظ القرآن والعلوم النافعة.
إن هذه الزمرة الخيرة تعاني وتكابد حتى تنجو وتسلم من كيد الشيطان وتنافح حتى لا تكون ضحية إغراءات الحضارة المادية التي تسعى لإشباع الغريزة والمادة على حساب الروح، فهمسة في أذانهم لعل الله ينجيهم بمنه وكرمه من عثرات الطريق وهفوات السبيل التي تعترضهم في هذا الفصل الحار، حرارة يتفسخ لها الكثير من ثوب الوبر وثوب الحياء، ويضعف أمامها كثير من الشباب الملتزم، وكم فقد من أخ كريم سرقته شياطين الإنس على حين غفلة، فلابد إذن من صدق وإخلاص في الاستقامة فهو سبيل الخلاص بإذن الله.
قال تعالى “كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبدنا المخلصين” والشيطان من الواحد أقرب ومن الجماعة أبعد، والذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية،فحذاري رفقاء السوء من الذين يزينون الباطل وعليكم بخلة المتقين فإنها نفع في الدنيا ويوم الدين.ولكل شاب عاقل نقول “الصيف.. فلا تضيع اللبن”.