القاتل والمقتول ضحيتان.. فمن الجاني؟ إبراهيم بيدون

احتلت مدينة سلا أعلى الترتيب في قائمة المدن الأكثر إجراما نظرا للجرائم المتزايدة بوتيرة أصبحت تبث الخوف على طول اليوم في نفوس المواطنين، فارتفاع حجم الإجرام فيها وخطورته وتنوعه فاق كل التقديرات.
والجريمة التي نحن بصدد الحديث عنها والتي اهتزت لها ساكنة حي سيدي موسى الشعبي تظهر هذا التنوع وتلك الخطورة حيث كان مسرحها مدرسة من مدارس الحي وهي الثانوية الإعدادية الكتبية..
إذ أقدم تلميذان سابقان في المؤسسة (تعرضا للطرد السنة الماضية، أحدهما يبلغ أو يتجاوز الثامنة عشرة والآخر لا زال قاصرا) على اقتحام أسوارها القصيرة -انظر الصورة- وهما في حالة هيجان بعد تعاطيهما للمخدرات -القرقوبي- (هيجان بلغ بأحدهما إلى حد ضرب جسده بسكين قبل أن يقتحم فضاء المؤسسة)، وحاولا استدراج فتاة من داخل فصلها الدراسي، الأمر الذي جعل معلمتها تعترض سبيلهما.
ولما علم الحارس بوجود مشاغبين داخل المؤسسة، توجه صوبهما وقام بمطاردتهما، الأمر الذي جعلهما يواجهانه وهو صاحب البنية الضعيفة، فأمسكا به وألقياه من الطابق العلوي، فأصيب برضوض على مستوى الأضلاع وجروح غائرة بالغة الخطورة في رأسه إثر اصطدامه بالأرض حيث سال الدم من أذنه، واخترقت قطعة من الجمجمة دماغه، مما استدعى الأمر حمله على جناح السرعة للمستشفى قصد تلقيه العلاجات الضرورية.
وبعد مرور أيام أعلن نبأ وفاته متأثرا بجراحه، لترمل زوجته الحامل ويتيتم ابنه وتتعدد ضحايا هاته الجريمة النكراء التي وقعت في مكان ينتظر منه الجميع أن يكون مهد التربية على الأخلاق وتهذيب السلوك، وزرع القيم السامية، قيم الإخاء والتعاون وبذل الخير والمعروف للآخرين، لا مسرحا للجريمة، فينقلب التلميذ في ظل فقدان المؤسسة التعليمية لوظيفتها التربوية إلى مجرم يتعقب ضحيته للنيل منها أمام مرأى ومسمع من أصدقاء دراسته ومعلميه.

فيا ترى أين الخلل؟
مثل هذه الجرائم المتعلقة بقطاع التعليم لا تدع مجالا للحديث عن مردودية التعليم خصوصا بعد إعلان الجهات الوصية عن إفلاس نظام التعليم بالمغرب، لذا فنحن لن نتساءل عن مستوى أو جودة التعليم ومدى انسجامه مع متطلبات السوق وحاجياته، لكننا نتساءل عن هذا التدني والفشل الذريع على المستوى التربوي والذي من المفروض أن يرتكز على تعليم القيم الدينية الإسلامية.
أليس هذا سببه الازدراء والتهميش المقصود والممنهج لمادة التربية الإسلامية التي تم استبدال مواضيع متعددة من مقرراتها بمواد ذات حمولة مادية لا تنسجم مع طبيعة المادة التي من المفروض فيها أن تلعب دور التربية التي لا تنفصل عن التعليم إلا في البلدان العلمانية.
حيث نجد أن نصوص المطالعة القرآنية والنبوية استبدلت بمقتطفات من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ومقتطفات من المواثيق الدولية الأخرى، وأن ساعات التربية الإسلامية تقلصت لصالح ساعات مادة الفلسفة، وأن المعلم اكتفى بتأدية واجب الحضور والسرد وتمرير الدروس. فإذا انضاف هذا كله إلى تخلي الأسر عن متابعة أبنائها ومراقبة سيرهم الدراسي، فطبيعي أن تكون النتيجة:
– ارتفاع معدلات الجريمة المتعلقة بمحيط المؤسسات التعليمية.
– انتشار العلاقات المحرمة بين التلاميذ والتلميذات، والمعلمين والمعلمات.
– تعاطي المخدرات من طرف الذكور والإناث، وشرب الدخان والشيشة، وانتقال هذه العدوى إلى تلاميذ الابتدائيات.
– إقامة التلاميذ للحفلات الراقصة والمختلطة والماجنة، وشرب الخمور (حتى داخل الفصول الدراسية أحيانا).
– ذيوع ثقافة التحرش الجنسي في صفوف التلاميذ، والذي لم تسلم منه حتى العفيفات.
– ترسيم ظاهرة تسكع التلاميذ والتلميذات في محيط المؤسسات، والذي يصاحبه العديد من السلوكات المنحرفة، كالمراودة على فاحشة الزنا، وبيع المخدرات..
– ازدياد جرأة التلميذات في ارتداء الملابس الفاضحة، وحضورهن للفصل الدراسي بالمساحيق على وجوههن، كأنهن يحضرن حفلا أو وليمة.
ناهيك عن الهدر المدرسي، وطول المقررات وتكدسها، واستنساخ لمناهج ومقررات أجنبية لا تجد من يُدَرِّسها ولا من يَدْرُسها…
جريمة إعدادية الكتبية ليست هي الجريمة الأولى؛ بل لها مثيلات في مؤسسات تعليمية أخرى، فقد سبق أن عاشت سلا عددا من جرائم لها علاقة بالمدرسة إما داخلها أو خارج أسوارها، جرائم (1) قتل وسرقة وتحرش جنسي واغتصاب واعتداء على المعلمين والأساتذة، وجل مدارس المغرب صارت تعيش سلوكات منحرفة أبطالها ليسو سوى تلاميذها، وأحيانا المعلمين والأطر التربوية.
إن هؤلاء التلاميذ الذين يقدمون على تلك الجرائم والممارسات المنحرفة، ما هم إلا ضحايا المنظومة التعليمية المعلمنة الفاسدة، وضحايا سياسة التتفيه والتفريغ العلمانية المتبعة في الإعلام الوطني والأجنبي غير المراقب، وضحايا الشارع الذي يعيش تسيبا ينذر بشر مستطير، تسيبا في الأمن، وتسيبا في الأخلاق، وتسيبا في السلوكيات، وتسيبا في العلاقات، وتسيبا في الاقتصاد، وتسيبا في التسلية والترويح، ففي ظل هذا التسيب وهذا الإفلاس التعليمي والتربوي تكاد تنمحي الحدود الفاصلة بين الضحية والجاني فيصبح القاتل والمقتول كلاهما ضحايا فمن الجاني الحقيقي إذن.

القاتل والمقتول ضحيتان! فمن الجاني؟
الجاني في قضيتنا هو ذلك المسؤول التربوي (بكل أطيافه، بدءا من الوزير إلى المربي في الروض) الذي فشل في أن يقوم بمهمته الملقاة على عاتقه.
الجاني هو ذلك المسؤول الذي سمح بفتح متاجر بيع الخمور (وأغرق سلا بخمر ماكرو وكارفور، وسيزيدهم الميزاب النتن لمارجان).
الجاني هو ذلك المسؤول الأمني الذي تواطأ على ترويج المخدرات، وسمح بانتشار السلوكيات المنحرفة في محيط المدارس.
الجاني هو ذلك المفكر والصحفي والحقوقي والعلماني والممثل والمهرج، الذي يدعو المغرب إلى أن ينغمس في الحياة المادية الغربية، ويعمل على علمنة الحياة والمجتمع..
الجاني هو ذلك الأب الذي لا يعرف قيمة المسؤولية في تربية أبنائه، ولا يراقب نشأتهم وسلوكياتهم ومحيطهم الذي يكتسبون منه أخلاقهم، فيمكنهم من التلفاز ومن النت ومن الخروج للشارع بلا مراقبة ولا قيد..
الجاني هي تلك الأم التي تترك ابنتها تخرج للمدرسة كما لو أنها ستزف إلى زوجها.
الجاني هو كل فرد يحارب الرجوع إلى تعاليم الإسلام، وينشر الفاحشة في الذين آمنوا.
الجاني من يسوي بين الطهر والعفاف، ويقتات من أعراض البنات.
الجاني من يرمي المرأة التي ترتدي الحجاب الشرعي بالرجعية ويضيق عليها بالمواقف والكلمات..
الجاني هو ذلك الذي يحتفي بالفسق والفساق ويزدري من يريد النشأة في الطهر والعفة والاستقامة.
الجاني ذلك الديوث الذي لا تأخذه غيرة على عرضه، وتلك المرأة التي لطخت شرف بيتها بالسلوكيات المنحرفة.
فمتى يسترشد المسؤولون التربيون في المغرب بقرارات مؤتمرات علماء المغرب بخصوص التعليم، والتي ضرب عنها صفحا في ظل التبعية شبه المطلقة للغرب؟ (انظر كتاب “مواقف وآراء رابطة علماء المغرب” مذكرات وقرارت حول التعليم الديني الأصيل).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- تمكنت المصالح التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني من معالجة 1016 قضية تتعلق بترويج المخدرات في محيط المؤسسات التعليمية خلال الستة أشهر الأولى من السنة الجارية 2010، قدم بموجبها أمام القضاء 1122 مشتبها به، كما أعلنت المصالح ذاتها عن حجز 35 كلغراما و762 غراما من مخدر الشيرا، و22 كلغراما و393 غراما من مخدر الكيف الممزوج بطابا، و14 كلغراما و501 غراما من مادة المعجون، و1239 قرصا طبيا مخدرا، و97 غراما من مخدر الكوكايين، و18 غرام من الهيروين -حسب إحصائيات رسمية لوزارة الداخلية-
واستطاعت نفس المصالح من توقيف 1239 شخصا من أجل جرائم مختلفة تتنوع بين الضرب والجرح المفضي إلى الموت (شخص واحد)، والسرقات تحت التهديد (41 شخصا)، والسرقة بالعنف (36 شخصا)، والسرقة بالخطف (24 شخصا)، والاختطاف والاغتصاب (9 أشخاص)، والتحريض على الفساد (9 أشخاص).. (التجديد 28-12-2010).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *