آيات تفهم على غير وجهها (سورة النمل) إبراهيم الصغير

قوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ}10.
كلمة «جَانٌّ» نوع من الحيات، لا من الجن كما قد يتوهم البعض.
قال الطبري: (فلما رآها تهتز كأنها جان) يقول: كأنها حية عظيمة، والجان: جنس من الحيات معروف.
وفي تفسير البغوي: {كأنها جان} وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها.
قال القرطبي: أي وألق عصاك فألقاها من يده فصارت حية تهتز كأنها جان، وهي الحية الخفيفة الصغيرة الجسم. وقال الكلبي: لا صغيرة ولا كبيرة. وقيل: إنها قلبت له أولا حية صغيرة فلما أنس منها قلبت حية كبيرة. وقيل: انقلبت مرة حية صغيرة، ومرة حية تسعى وهي الأنثى، ومرة ثعبانا وهو الذكر الكبير من الحيات.
قال ابن عاشور: والجان: ذكر الحيات، وهو شديد الاهتزاز وجمعه جنان (وأما الجان بمعنى واحد الجن فاسم جمعه جن). والتشبيه في سرعة الاضطراب لأن الحيات خفيفة التحرك.
قال الزمخشري: و«الجانّ» الحيات لأنها تجن أنفسها أي تسترها، وقالت فرقة: الجان صغار الحيات وعصا موسى صارت حية ثعبانا وهو العظيم فإنها شبهت بـ«الجانّ» في سرعة الاضطراب، لأن الصغار أكثر حركة من الكبار، وعلى كل قول فإن الله خلق في العصا حياة وغير أوصافها وأعراضها فصارت حية.

قوله تعالى:{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}12.
كلمة «بَيْضَاء» تفهم على غير وجهها.
قال الطبري: وقوله (تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) ذكر أن موسى عليه السلام كان رجلا آدم، فأدخل يده في جيبه، ثم أخرجها بيضاء من غير سوء، من غير برص، مثل الثلج، ثم ردّها، فخرجت كما كانت على لونه.
قال بن كثير، وقوله: {تخرج بيضاء من غير سوء} أي: من غير برص ولا أذى، ومن غير شين. قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، والسدي، وغيرهم.
وقال الحسن البصري: أخرجها -والله- كأنها مصباح، فعلم موسى أنه قد لقي ربه عز وجل، ولهذا قال تعالى: {لنريك من آياتنا الكبرى}.
وعند أبي السعود: وقوله تعالى {بَيْضَاء} حالٌ من الضمير فيه، وقوله تعالى: {مِنْ غَيْرِ سُوء} متعلقٌ بمحذوف هو حال من الضمير في بيضاء أي كائنةً من غير عيب وقبح، كنّي به عن البرص كما كنى بالسوءة عن العورة، لما أن الطباع تعافه وتنفر عنه، روي أنه عليه الصلاةُ والسلام كان آدمَ فأخرج يده من مُدرّعته بيضاءَ لها شُعاعٌ كشعاع الشمس تُغشّي البصر.
قال الشعراوي: وقوله تعالى: {تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء} أي: وأخرجها تخرج بيضاء ناصعة مُنوِّرة، ومعلوم أن موسى عليه السلام كان آدمَ اللون يعني: أسمر، فحين يروْنَ لونه تغيّر إلى البياض، فربما قالوا: إن ذلك مرضٌ كالبرص مثلاً. لذلك أزال الله هذا الظنَّ بقوله: {مِنْ غَيْرِ سواء}.

قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}82.
كلمة «تُكَلِّمُهُمْ» تفهم على غير وجهها.
قال الماوردي: وفي{تُكَلِّمُهُمْ} قراءتان: الشاذة منهما: {تَسِمهُم} بفتح التاء، وفي تأويلها وجهان: أحدهما: تسمهم في وجوههم بالبياض في وجه المؤمن وبالسواد في وجه الكافر، حتى يتنادى الناس في أسواقهم يا مؤمن يا كافر، وقد روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَخْرُجُ الدَّابَّهُ فَتَسِم الناسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِم). الثاني: معناه تجرحهم وهذا مختص بالكافر والمنافق، وجرحه إظهار كفره ونفاقه ومنه جرح الشهود بالتفسيق، ويشبه أن يكون قول ابن عباس.
والقراءة الثانية: وعليها الجمهور {تُكَلِّمُهُمْ} بضم التاء وكسر اللام من الكلام، وحكى قتادة أنها في بعض القراءة: {تُنَبِّئُهُمْ} وحكى يحيى بن سلام أنها في بعض القراءة: {تُحَدِّثُهُمْ}. وفي كلامها على هذا التأويل قولان: أحدهما: أن كلامها ظهور الآيات منها من غير نطق ولا لفظ. والقول الثاني: أنه كلام منطوق به.
قال الزمخشري: وقرئ: تكلمهم، من الكلم وهو الجرح. والمراد به: الوسم بالعصا والخاتم. ويجوز أن يكون تكلمهم من الكلم أيضا، على معنى التكثير. يقال: فلان مكلم، أي مجرّح. ويجوز أن يستدل بالتخفيف على أنّ المراد بالتكليم: التجريح…
قال ابن الجوزي: قوله تعالى: تُكَلِّمُهُمْ قرأ الأكثرون بتشديد اللام، فهو من الكلام.
وَأخرج ابن جرير عَن ابْن عَبَّاس {تكلمهم} قَالَ: كَلَامهَا تنبئهم {أَن النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يوقنون}.
وعقب الشعراوي في خواطره على هذه الآية قائلا: وانظر إلى هذه الإهانة وهذا التوبيخ: أنتم لم تسمعوا كلام أمثالكم من البشر، ولم تفهموا مَنْ يخاطبكم بلغتكم، فاسمعوا الآن من الأدنى، وافهموا عنها، وفسِّروا قولها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *