فتوحات وانتصارات بشَّر بها النبي

 

من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته إخباره عن فتوحات وانتصارات للمسلمين لم تحدث بعد، ثم وقعت بعد وفاته كما أخبر بها صلوات الله وسلامه عليه، مثل: فتح الحِيرة، وفتح مصر ودخولها في الإسلام، وكذلك فتح اليمن والشام والعراق، وانتصار المسلمين على فارس والروم وهما أعظم وأكبر قوتين في العالم حينئذ..

وهذه البشريات والوعود النبوية كانت غريبة في توقيتها، إذ بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بإعلان بعضها وهو في مكة، وقريش تحاربه وتحاول القضاء عليه وعلى دعوته، وكان المسلمون حينئذ في حالة ضعف شديد.

فعن خبَّاب بن الأرت رضي الله عنه قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: كان الرجل فيمن قبلكم، يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) رواه البخاري.

قال ابن بطال: “وفيه: علامات النبوة وذلك خروج ما قال صلى الله عليه وسلم من تمام الدين، وانتشار الأمر وإنجاز الله ما وعد نبيه صلى الله عليه وسلم من ذلك”.

وأخبر وبشَّر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ببعض هذه الفتوحات والانتصارات في غزوة الأحزاب أثناء حفرهم للخندق، وأعداؤه حوله يحاصرونه من كل جانب.

ولذلك كان المنافقون يعلقون ساخرين على تبشير النبي صلى الله عليه وسلم ووعده لأصحابه بأنهم سيُنْصَرون على فارس والروم قائلين لهم: يُخبركم نبيكم أنه يُبْصِر قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تقضوا حاجتكم؟! ومع ذلك وقع ما أخبر وبشر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من فتوحات وانتصارات.

فتح الحِيرة :

الحيرة مدينة قديمة قرب الكوفة في العراق. وفي السنة التاسعة للهجرة النبوية وبعد غزوة تبوك، بشَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بفتح الحيرة، فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مُثِّلتْ ليَ الحيرةُ كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحُونها) رواه الطبراني وصححه الألباني. (مُثِّلتْ لي الحيرة) أي: رُفِعت له صلى الله عليه وسلم فرآها يقظة أو مناما، ووصفها وبشَّر أمته بفتحها. وقد كان تصور انتصار المسلمين وفتحهم للحيرة بالعراق أمراً أبعد من الخيال عند البعض، ومع ذلك وقع ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من فتح الحيرة، ففي السنة الثانية عشرة للهجرة النبوية ـ في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ـ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعام، وقع ما أخبر وبشَّر به أصحابه من فتح الحيرة.

فتح مصر ودخولها في الإسلام :

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتح مصر، ودعا إلى الإحسان إلى أهلها إكراماً لهاجر أم إسماعيل، فقد كانت من أرض مصر، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستفتحون مصر، وهى أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما -أو قال: ذمة وصهرا-، فإذا رأيتَ رجلين يختصمان فيها في موضع لبنة فاخرج منها، قال: فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها) رواه مسلم.

قال النووي: “قال العلماء: القيراط جزء من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما، وكان أهل مصر يكثرون من استعماله والتكلم به، وأما الذمة فهي الحرمة والحق، وهي هنا بمعنى الذمام، وأما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصهر فلكون مارية أم إبراهيم ـ ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ منهم، وفيه: معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، منها إخباره بأن الأمة تكون لهم قوة وشوكة بعده بحيث يقهرون العجم والجبابرة، ومنها أنهم يفتحون مصر، ومنها تنازع الرجلين في موضع اللبنة، ووقع كل ذلك ولله الحمد”.

وقد تحقق فتح مصر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه في العام السادس عشر من الهجرة النبوية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *