الولاّعة التي أخذتها العزة بالخلاعة عبد المغيث موحد

جاء محمد عليه الصلاة والسلام إلى هذا العالم يحمل رسالة الإسلام العصماء، والبيئة آنذاك تموج جنباتها بالإثم والعدوان.. بيئة شعارها مع المرأة منذ الاستهلال الأول، ما أخبرنا به ربنا تعالى عنهم: “وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ”، فإن هي أنجاها الله بفضله من جور الوأد عاشت لتكون دمية سفاح أو آلة غناء أو أَمَة سهر وقهر تتنازع جسدها الأهواء الطامسة، وتتهارش على أنوثتها الذئاب المتربصة، فلا أبوة كانت تقيها حر البغي ولا أمومة كانت تشفع لها عند ولاغ النبيذ، وهم يلقون أقلامهم أيهم يفوز برهان استهلاكها.
فجاء إسلامنا العظيم ليؤسس ميزان المفاضلة على التقوى، وليبني في النفوس صرح الامتياز بعيدا عن الزعم الذي يرى أن كل رجل باعتبار الذكورة هو أفضل من أي امرأة باعتبار الأنوثة، وقد ساق القرآن سيف القصة المسلول، وصارم المثال البتار ليهد قواعد هذا الحيف الجاهلي السافر، وما قصة امرأة فرعون ببعيدة عن أفهام أمة القرآن، امرأة كمل دينها ووعدها الله ببيت في الجنة، وبعل حشر فنادى، فتخطفته يد الردى نكال الآخرة والأولى.
والإسلام باعتبار عالمية رسالته، وكونية شريعته، لم يكن ليسمح ولا ليرضى، لما كانت تروج له النصرانية، وقد لحقها ما لحقها من الزيف والتحريف من كون لعنة الخطيئة الأولى أصابت آدم من امرأته، وأن حواء نظير ما فعلت ستعيش حبيسة سلطان الرجل، يتوارث بنات رحمها لعنة الخطيئة خلفا عن سلف، ولذلك أسس إسلامنا عراه على ضرب هذه المنظومة الجائرة التي تحف أحد أطرافها اللعنات، وينوء بحمل شرورها طرف دون الآخر، لينقل بالفضل والعدل المرأة والرجل في تآلف فاضل إلى سباق عادل مبناه على قوله تعالى: “وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى”، وقوام السعادة فيه على قوله تعالى: “وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى”، ومدار الشقاوة فيه على قوله تعالى: “فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى”، وميزان قسطاسه المستقيم مناط سويته على قوله تعالى: “مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ”.
وبعد هذه التركة المباركة، والمحجة البيضاء، وسبيل الحق الساطع النور، وعلى حين من الدهر قامت قيامة “ولاّعة” تتكلم باسم الخلاعة، زعمت أنها لن ترضى أن تعيش على أرض الجمهورية الخامسة بلاد العدل والمساواة والحرية، امرأة يستعبد هامتها النقاب وينال من أنوثتها الحجاب، ولأنه ليس بعد الكفر ذنب يعظم، ولأنه ليس هناك أفقع من اللون الأسود، ولأنه إذا ظهر السبب بطل العجب، فإننا لن نلوم هذه الولاعة ذات الأصول المجرية والعرق اليهودي، ثم أليس من البلاهة والسخافة أن ينتظر المسلمون ومعهم أخية الدين سليلة بيت الحياء، من سعادة الرئيس أن يحمد فيها صنعة الكفاف، وأن تقر عينه بلباس العفاف وهو من هو، رقم في سلسلة أرقام متصل حبل مكرها الطويل ببدايته الأولى، والرسالة في مهد أيامها حيث كاد أسلافه الحاقدون لامرأة مسلمة محجبة، فكشفوا سوأتها نكاية بلباس التقوى، فصاحت: وامحمداه!! فسجل التاريخ الإسلامي أول شهيد حجاب..
ونحن إذ نعدل عن لوم هذه الولاعة الصقيعية لا نتغافل عن البواعث الكامنة وراء أكمة هذا التهجم، إذ لا يجوز شرعا التولي أمام زحفها الحائف، سيما وهي تقوم على نظرية إيقاد العداوة ضد دلالة رموزنا الدينية، رموز استهتر بقدسيتها وفرضيتها ابتداء عيدان ثقاب محلية الصنع، هي اليوم تروم بناء علاقتنا مع الآخر بتوجيه قسري على السماحة المفرطة، في الوقت الذي يختار هذا الآخر أن يخاطبنا بمنطق دك الأرض، وخسفها من تحت أقدامنا، وتبغي طرح اليقظة التي ملؤها الحذر خارج سياق المواجهة ليتسنى لها الاسترسال في بناء قواعد الأمان وأصول الثقة الزائدة التي جربها أجدادنا قديما، فنالتهم خناجر الغدر، وتغذت على أعراضهم وقصعة خيراتهم جشاعة الرجل الأبيض وساديته.
ولذلك تجدهم قبل المواطنين الفرنسيين قد سارعوا إلى مباركة “الرؤية السديدة” لسعادة الرئيس، بل ساقوا لذلك الأدلة المتفلتة من مناطها، وقعقعوا وفرقعوا بكلام من قبيل أن فرنسا دولة علمانية لها خصوصيتها التي بنتها أجيال الثورة، فحري بمن يريد أن يعيش في ظل مبادئها العظيمة أن يركن إلى قوانينها والتزاماتها، وأن النقاب ليس شعيرة إسلامية، وإنما هو عادة قبلية أفغانية! وأطنبوا في المداهنة الحربائية، والمروق الفلسفي الذي سلقونا بلسانه الحدادي.
فإذا كان هذا حال بني الجلدة الذين جحدوا الحق عن حجة وبينة، ولم يقفوا عند حدود جحوده، إنما ساهم كثيرهم في الصد عنه والنيل من بره، واعتراض سبيل كره، باسم نصرته والدفاع عن سماحته واعتداله، فإننا لا نملك إلا أن نرفع قرص الملامة عن هذه الولاعة في دائرة الكفر وعقيدة البراء، اعتقادا منا أن الإسلام ربما عذر القاصرين عن إدراك نقاوة الحق، وإبصار محجته البيضاء، إذا حال بينهم حائل، وتعاظمت أمامهم ظلمات الشبهات، بينما تعطلت آلية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستمرئت الخوارم بالرسمي والثانوي، وتداعت صحف الخط العربي على قصعة شعائر الإسلام، فماذا تراني فاعلا وأنا الأعجمي سليل عقيدة التثليث إذا فتحت تلفازي على القنوات العربية الناضحة بمشاهد العري والسفور، وضرب الطبل والنفخ في المزمور المليئة بسهرات الفجور والأفلام المحلية المتهتكة؟
وماذا تراني فاعلا وأنا العدو الغريب، إذا أنا زرت بلاد الإسلام فوجدت شوارعها الكبرى قد تحولت إلى شواطئ لاصطياف الذئاب، تملأها العاريات المائلات المميلات، وتحف جوانبها الحانات والملاهي وتصطف بين تعاريجها ذوات الأرداف ينصبن شباك الغواية للقريب والغريب؟
وبين هذا وذاك أرمق في شارع مالك والشافعي منقبة تمشي متحوطة أقصى اليمين في غربة غريبة يلمزها اللامزون، ويتغامز من مرورها الغامزون، فماذا تراني فاعلا وأنا العدو الغريب؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *