بين أحسن تقويم وأسفل سافلين عبد القادر دغوتي

خلق الله له وسخر له كل ما في السماوات والأرض
من مظاهر التكريم الرباني للإنسان أن الخالق الكريم سبحانه خلق له جميع ما في هذا الكون الفسيح لينتفع به ويستفيد منه ويسَر له استثماره واستغلاله لإعمار الأرض، وليستمر وجوده عليها بأمن وطمأنينة وسلام..
فكل ما في هذا الكون مسخر للإنسان، وخُلق لأجل الإنسان.. فأي تكريم وأي تفضيل هذا؟ قال تعالى: “هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا” [لبقرة29].
وقال: “الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار” [إبراهيم32ـ34].
وقال: “وهو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تُسيمون، يُنبتُ لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون. وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون. وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها، وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسُبُلا لعلكم تهتدون، وعلامات وبالنجم هم يهتدون” [النحل10ـ16].
وقال سبحانه: “الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه” [الجاثية:12ـ13].
ومن هنا نفهم بعض الحكمة في جعل آدم آخر المخلوقات. ومن ذلك كما قال ابن القيم رحمه الله:
– تمهيد الدار قبل الساكن.
– أنه الغاية التي خُلق لأجلها ما سواه من السماوات والأرض والشمس والقمر والبر والبحر…
ـ أن سبحانه أراد أن يُظهر شرفه وفضله على سائر المخلوقات فقدمها عليه في الخلق، ولهذا قالت الملائكة: ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقا أكرم عليه منا. فلما خلق آدم وأمرهم بالسجود له ظهر فضله وشرفه عليهم بالعلم والمعرفة، فلما وقع في الذنب ظنت الملائكة أن ذلك الفضل قد نُسخ ولم تطلع على عبودية التوبة الكامنة، فلما تاب إلى ربه وأتى بتلك العبودية علمت الملائكة أن لله في خلقه سرا لا يعلمه سواه” [الفوائد69 ـ70].

أنزل عليه وإليه كتبه:
إن من عظيم عناية الباري بالإنسان أنه سبحانه لم يتركه ضالا تائها حائرا، يهيم على وجهه بلا مرشد ولا دليل.. بل إنه اصطفى من جنسه رجالا، فأوحى إليهم وأنزل عليهم كتبا تشمل أصول الهداية ومعالم الطريق الموصل إلى السعادة في المعاش والمعاد، وأرسلهم بهذه الكتب إلى أقوامهم يُعلمونهم ويرشدونهم ويهدونهم سبل السلام… قال تعالى: “فإما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون” [البقرة38].
وقال تعالى: “الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان” [آل عمران1ـ4]، وقال: “إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور” [المائدة44]، وقال: “هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون” [التوبة33]، وقال: “ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين” [النحل89].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *