الحداثة بين تعدد الزوجات وتعدد الخليلات   د.رشيد بنكيران

 

من الموضوعات التي تبين كره الحداثيين المغاربة للشريعة الإسلامية وشدة عدائهم لها موضوع تعدد الزوجات، فهم يضخمون الحديث عنه رغم قلة وجوده في المجتمع المغربي إلى درجة الندرة الشديدة، ولكن غرض الحداثيين هو اصطناع ظلم على المرأة المتزوج عليها، والسبب في نظرهم هو شرائع الإسلام غير العادلة ومنها تعدد الزوجات.

ولنا مع هذا الكلام وقفة تحليلية نقدية:

 حينما تسمع لأطروحة الحداثيين فيما يخص العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة تجدها تدعو إلى التعدد إلى أبعد حدود وفي أبشع صوره، ذلك:

أن غير المقبول لدى الحادثيين هو تفرد الرجل بميزة معينة عن المرأة وفقا لمفهومهم الظاهري الجامد للمساواة، فهم يرفضون تعدد الزوجات لا من حيث الموضوع وإنما فقط كيف يخص به الرجل دون المرأة، بمعنى لو تساوت المرأة مع الرجل في ذلك وعددت الأزواج كما يعدد الرجل لانتهى المشكل لديهم وأصبح التعدد أخلاقيا مقبولا، ولكن لما كان تعدد الأزواج أمرا متعذرا على المرأة ولا يمكن تطبيقه لخصوصياتها البيولوجية وخشية اختلاط النسل، لم يبق للحداثيين من الحلول سوى منعه عن الرجل تحقيقا للمساواة مع المرأة.

ومن الأدلة التي تشهد لصحة ما نسبناه للحداثيين أن من مبادئ الحداثة التي تدعو إليها جهارا ونهارا هو أن الإنسان -رجلا أو امرأة- حر في جسده يفعل به ما يحلو ويشاء، وله أن يمارس الجنس مع من شاء، فقط يُشترط لتلك الممارسة الرضا بين الطرفين لا غير ولا دخل لأحد فيما يفعلانه، فللرجل أن يعدد ما شاء من الخليلات ولا حسيب، وللمرأة أن تعدد ما شاءت من الأخلاء ولا نكير، فتعدد العلاقات الجنسية من حيث المبدأ لا اعتراض للحداثيين عليه، بل هي السوق الرائجة والمحببة لديهم وفق تصورهم، ولكن إذا تعلق الأمر بالعلاقة الجنسية في إطار الزواج الشرعي وببيت الزوجية المحكم فهنا يحضر الإسلام بظلاله على الواقع، وينطلق الحداثيون يتباكون عن ظلم وهمي على شريعة تعدد الزوجات.

هذه الشريعة (أي تعدد الزوجات)، لو تأملنها بعين العقل وصوت الحكمة لعلمنا أنها من محاسن تشريعات الإسلام، فقد عالجت ظاهرة اجتماعية صعبة ذات تشعبات دقيقة وعميقة ومتنوعة بأقل المفاسد الممكنة مع تحقيق أكثر المصالح الراجحة، فالإسلام دين واقعي، ويعلم أنه ليس هناك مصالح خالصة ولا مفاسد خالصة في الوجود، وإنما العبرة عند التعارض بأقوى الجهتين، فيقدم ما فيه مصلحة أعظم للإنسان ولمجتمعه مع ارتكاب ما فيه مفسدة أدنى حيث لا مفر.

ووجه محاسن تشريع تعدد الزوجات هو أن الإسلام نظر إلى فطرة الرجل من حيث تعلقه بالجنس فوجده أكثر تعلقا بالجنس من المرأة، وهذه حقيقة أغلبية يعلمها جميع الناس ولا يماري فيها إلا من سفه نفسه؛

ونظر إلى الرجل من حيث قدرته الجسدية والمادية فوجد أنه وإن كان -فطرة- حُبِّب إليه النساء فلا يجوز له أن يعدد أكثر من أربع زوجات، والقليل القليل من يصل إلى هذا العدد، وألزمه بالعدل والقدرة على النفقة وإلا فلا يجوز له.

ونظر إلى المرأة من حيث حاجتها إلى الرجل فوجد أن التعدد الزوجات لا يصادم أصل حاجتها الطبيعية للرجل، فالتعدد أو الاشتراك مع زوجة أخرى في نفس الرجل أو زوجات يحقق لها القدر الكبير من تلك الحاجة: الجماع، الاستقرار النفسي، الأمومة، النفقة المستقرة، مع نقص يسير وهو وجود ضرة أو ضرات كما يسميها المغاربة، وهي مفسدة أو نقص لا يمكن حقيقة أن ننكره، ودفّعُ هذا النقص اليسير لا يمكن أن يكون إلا بما هو أشد منه، إما بالعنوسة القاتلة والحرمان من الأمومة، وإما بالارتماء في حبال تعدد الأخلاء والعيش في حالة نفسية غير مستقرة وحياة غير مطمئنة.

 

وأخيرا، أظن أن أي إنسان عاقل وواقعي إذا قارن بين المصالح التي يجلبها تعدد الزوجات أمام المفاسد التي تترتب عنه لن يتردد في الاعتراف بمحاسن تشريع تعدد الزوجات.

قد يقول قائل إن تعدد الزوجات يترتب عنه مشاكل داخل الأسرة بين الزوجات أو الأولاد، وأنا أقول إن ذلك قد يقع وقد لا يقع، وعلى غلبة الظن بوقوعه ووجوده فإن طبيعة الحياة  اليومية للزوجين تكون فيها مشاكل ومنغصات ولو دون تعدد الزوجات.

وكما قلت لا يمكن إنكار بعض المفاسد المترتبة على تعدد الزوجات، ولكن تلك المفاسد أمام المصالح المترتبة عنه لا تساوي شيئا، ومعظم المفاسد الموجودة فيه سببها ليس تعدد الزوجات، وإنما هي خارجة عنه، شأنه شأن حوادث السير، فالكل يعلم حرب الطرق وما تفضي إليه حوادث السير من قتلى في اليوم الواحد، ولكن لا يعقل أن نلغي وسائل النقل بسبب تلك الحوادث، فلا يقول بهذا عاقل.

وعليه، فتعدد الزوجات هو حل محترم ومسؤول ونظيف وواقعي شرعه الإسلام عند الحاجة إليه ولمن يرغب فيه، وما تقدمه الحداثة كبديل عنه؛ تعدد الخليلات والأخلاء دون حصر ولا قيد لا يعدو أن يكون سلوكا غير مسؤول ولا واقعي ولا نظيف، وأول من سيتضرر به المرأة نفسها، فرب امرأة مطلوبة اليوم لحسنها وصغر سنها يتجاهلها الجميع غدا عند كبرها وذهاب حسنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *