معنى القيم في الإسلام وتجلياتها
يطلق لفظ القيم في الاصطلاح العام على مجموع التصورات الفردية والاجتماعية، إزاء الواقع النفسي والمادي والحركي.
وتتكون القيم من ثلاثة مستويات رئيسية وهي:
أ- المكون المعرفي: ومعياره «الاختيار»، أي انتقاء القيمة من أبدال مختلفة بحرية كاملة بحيث ينظر الفرد في عواقب انتقاء كل بديل ويتحمل مسئولية انتقائه بكاملها.
ب- المكوَّن الوجداني: ومعياره «التقدير» الذي ينعكس في التعلق بالقيمة والاعتزاز بها، والشعور بالسعادة لاختيارها، والرغبة في إعلانها على الملأ.
ج- المكوَّن السلوكي: ومعياره «الممارسة والعمل» أو «الفعل» ويشمل الممارسة الفعلية للقيمة، أو الممارسة على نحو يتسق مع القيمة المنتقاة، على أن تتكرر الممارسة بصورة مستمرة في أوضاع مختلفة كلما سنحت الفرصة لذلك.
وفي الاصطلاح الإسلامي نقصد بالقيم أصول المنظومة الاعتقادية والتعبدية والأخلاقية، التي يهتدي بها العقل إلى السداد النوراني، والقلب إلى الإخلاص الإيماني، والجوارح إلى الصلاح الرباني.
وعليه فالأعمال تجليات القيم، وإن اختلفت صورها باختلاف محالها التي ترجع إلى العناصر الجوهرية الثلاثة، الاعتقاد والعبادة والسلوك، التي تلتئم بها حقيقة الإنسان في القرآن.
فالقيم الإسلامية هي وسيلة لبناء الإنسان عبر نسقية تزاوج بين الروح والمادة، فبدون القيم لا يكون للإنسان أهمية و شأن. كما تعتبر القيم الإسلامية أسمى القيم و أكملها وأرقاها لتطوير الإنسان، وعلو شأنه بين أفراد مجتمعه، لأنها مستمدة من نور الوحي المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
أهمية غرس القيم في عالمنا المعاصر
تزداد أهمية غرس القيم والعناية بها في عالم اليوم المتغير المتقلب الذي بدأ يتنكر للقيم ويحارب الفضيلة، وتتضح هذه الأهمية فيما يلي:
1- اتِّسام المجتمعات، ومنها الشعوب العربية والإسلامية حالياً، باهتزاز القيم، واضطراب المعايير الاجتماعية والأخلاقية، مما أصبح يثير الخوف من تهديد أمن البلاد واستقرارها الاجتماعي، مما يدعو إلى ضرورة بناء شخصية الإنسان على الدين، وإلى تعميق العقيدة والشريعة في نفوس أبناء جيل الغد، على وجه يهيئ لهم الانتفاع مما شرعه الله لعباده، ويعصمهم من الزلل، ويحميهم من التعصب، ويبعدهم عن الانحراف وعن التأثر بالأفكار المسمومة.
2- الثورة المعلوماتية الهائلة المتميزة بالتطور التقني، والانفجار المعرفي. وخصوصا أن من يوجهها هم رواد الحضارة المادية النفعية، مما يخشى مع مرور الوقت أن يؤدي إلى الانسلاخ الكامل من الهوية الثقافية والخصوصية الحضارية للأمة الإسلامية.
3- ظهور ثقافة الفردانية لدى كثير من طبقات المجتمع، وغياب حس المسؤولية والوطنية الصادقة في أكثر من موقع، مما هيأ الساحة لأعداء وخصوم القيم الإسلامية إلى أن يفتتوا المعيار الأخلاقي الإسلامي، ويوسعوا الفجوة بين الأجيال، ويكرسوا العلمانية في شتى مفاصل المجتمع، وعلى رأسها التربية والتعليم.
4- ضعف دور الأسرة والمؤسسات التعليمية، أما الأسرة فلعدة أسباب أصبحت غير قادرة على القيام بالأعباء المتزايدة يوماً بعد يوم، مما أدى إلى ضعف القدرة على رعاية الأولاد؛ إما عن قصور أو تقصير، وأما المؤسسات التعلمية فلاضطراب القيم بين المناهج المتناقضة، وضعف عرض القيم في المناهج والبرامج والمقررات التربوية لبعد الفجوة بين النظرية والتطبيق.
ضرورة القيم التربوية الإسلامية لبناء الكمال الإنساني
موضوع القيم التربوية هو بالأساس المجتمع بأفراده وأنظمته ومؤسساته، وقد برزت أهميته التربية في تطوير الشعوب والسير بها وفق الوجهة المحددة من صانعي القرار.
ومن ثم فقد صار لازما إدخال القيم في جميع العمليات التربوية من أجل التوجيه والتسديد، وضبط جميع الاختيارات. فالعلاقة إذن بين القيم والتربية علاقة تبادلية، فبدون تربية يصعب غرس القيم وتنميتها، وبدون القيم تصبح التربية عقيمة غير ذات فائدة.
وتبدأ عملية زرع القيم وتنميتها لدى الفرد منذ أيام حياته الأولى وهو طفل بواسطة الأسرة، ولا تنتهي إلا بانتهاء حياته على وجه هذه البسيطة.
إن موضوع القيم التربوية الإسلامية هو الإنسان، بكل مقوماته الجسمية والعقلية والنفسية والوجدانية، لتحقيق حياة خلق من أجلها، ورسالة كلف بأدائها، ومن ثم فإن قيم التربية في الإسلام تقوم على أساس أن الكمال موجود بالقوة في طبيعة الإنسان. بمعنى أن الإنسان قادر على بلوغ هذا الكمال، إذا ما وجد من الرعاية والعناية، وتصبح الوظيفة الرئيسة للتربية في الإسلام هو الانتقال بهذا الكمال الموجود بالقوة إلى كمال موجود بالفعل، يكتسبه الإنسان من خلال أساليب التربية في مراحل حياته المختلفة.
الأمر الذي يدعوا إلى ضرورة تجلية القيم التربوية الإسلامية من أجل صناعة الإنسان الذي يحقق عن الله الاستخلاف المنشود، وينقد البشرية من مهاوي السقوط في الانحدار والاندثار.