ولي يخدم زواره! هل يتقاضى أجره؟ -2- الدكتور محمد وراضي

منطقنا كخصوم للظلاميين يحملنا على المطالبة بأدلة نقلية، وبأخرى عقلية، وبأخرى تجريبية لمعرفة من يقف وراء تكليف المقدسين المزورين باستقبال الزوار، والاستماع إلى شكاواهم وتوسلاتهم التي تجد لديهم الآذان الصاغية! بحيث تقضى الحوائج وتلبى الرغبات؟
هل لدينا نصوص قرآنية نفهم منها كيف أن الأقطاب هم من يتصفون بصفات، ما عرفنا أن نبيا من أنبياء الله كان يتصف بها؟ ونفهم منها كيف أن بناء الأضرحة ورفع القباب عليها مندوب إليه؟ وأن من رفعت عليهم تلك القباب يتحملون مسؤولية قضاء مآرب قصادهم مهما يكن حجم هذه المآرب؟ وأنهم غير محتاجين إلى الأجور التي يمكنهم التوصل بها كأطباء من جهة، وكمتمرسين في حل مشاكل الناس من جهة ثانية؟
فإذا لم نجد في الذكر الحكيم ما يقنعنا بوجود مسمى الأقطاب كما وصفهم لنا التجاني. فهل وصفت لنا سنة الرسول هؤلاء الذين تعلو درجتهم درجة كل الأنبياء والرسل؟ خاصة وأن التصريح ببشرية نبينا ورد في أكثر من آية! فإذا بنا نجد أنفسنا أمام المغالاة في غير الأنبياء، ممن يتسمون بالأولياء الصالحين الذين لا يتوقف تدخلهم في الوجود وهم أحياء! ولا يتوقف تدخلهم فيه وهم أموات!
بينما الرسول الأكرم لم يتدخل في شؤون الأرض، ولا في شؤون العالم الأخروي وهو حي! بل اكتفى بكونه “مُبَشّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً”! كما أنه لا يتدخل في شؤونهما وقد التحق بالرفيق الأعلى.
غير أن الظلاميين المخبولين يقدمون لنا أقطابا يتصرفون في العالمين كليهما أحياء أو أمواتا كانوا؟ إنما أين نجد في الكتاب والسنة حججا دامغة على ما يدعون؟ أين نجده أيها السادة القيمون على تدبير الشأن الديني وعلى رأسكم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية؟
فإن لم يكن الله هو الذي عين المقبورين المقدسين في وظائفهم المتميزة ولا كان الرسول هو الذي فعل بهم ذلك. فهل يكون قطب الأقطاب وخاتم الأولياء هو الذي أسند إليهم وظيفة خدمة قصادهم في الحياة وفي الممات؟
إن كان العلماء ورثة الأنبياء، وكان أجرهم على الله تعالى ما داموا هداة مرشدين مقتدين بالمختار، فهل يستمرون في الحصول على نفس الأجر، وكأن عملهم في قبورهم امتداد لعملهم قبيل الوفاة إلى حد وضعهم في حفرة لا تختلف عن الحفر التي يوضع بها كل المؤمنين؟
فهل يقبل القبوريون منا الحديث عن مزورين يخدمون زوارهم بالمجان؟
واحد من أمرين: إما الإجابة بالنفي، وإما الإجابة بالإثبات.
فإن وقع اختيارهم على الأولى، فهمنا السر في التقدم بالقرابين إلى المقدسين حيثما وجدت أضرحتهم مشرفة، بيضاء قبتها أو خضراء؟
أما إن وقع اختيارهم على الإجابة الثانية، طالبناهم بإلغاء تقديم القرابين لمن أغناهم ربهم عن قبولها لكونها نوعا من الرشوة؟ ونبي الهدى والرحمة يقول: “لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما”؟
فتكون اللعنة هنا شتما وعقابا إلهيين ممثلين في طرد الملعونين من رحمته عز وجل، وفي الوقت نفسه إبعادهم من الخير.. ومن أبعدوا من الخير لا شك أنهم ممن أخزاهم ربهم لآثام أقدموا على اقترافها مستصغرين أوامر الدين ومبادئه وتعاليمه.. خاصة وأن الرشوة هي ما يعطى لإبطال حق، أو إحقاق باطل!
فالراشي مشخصا عندنا في السياق هو الزائر الذي قصد الهالك لقضاء غرض أو أغراض بعينها! إنه ملعون من الله عز وجل على لسان مجتباه! بل إنه ملعون مرتين: مرة لاعتقاده أن بمقدور المزور جلب المنافع ودفع المضار! ومرة لأن اعتقاده هذا شرك منه واضح بالله جلت قدرته!
والمرتشي الذي هو صاحب الضريح ملعون حتما لسببين اثنين: إن كان من الطرقيين الذين يرنون وهم أحياء إلى أن يبنى ضريحهم وترفع عليه قبة، ويقبل الناس عليه بالزيارة طالبين متوسلين! وأعرف شخصيا من ترك وصية شفوية لمريد له كي يتم دفنه في منزل له غير بعيد عن المنزل الذي يسكنه.. لكن الظروف على عهد الاستعمار، حالت دون ما كان قد أوصى به! ثم إنه ملعون لتمسكه بالقبورية التي تجسد الشرك، وتبعد المؤمنين عن التوحيد الحق!
وكيف لا يتم لعن الرائش الذي هو شريك في جريمة الرشوة؟ إنه هو من يأخذها من الراشي كي يسلمها إلى المرتشي! والرائشون أعدادهم بعدد المرتشين عبر التراب الوطني! إنهم سدنة الأضرحة الغارقون في توجيه المخدوعين إلى الشرك به سبحانه. كل همهم هو انتظار الفتوح والهدايا والأعطيات والقرابين، “يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله”!
فلا الراشون حصدوا من وراء زيارتهم للمرتشين غير اللعنة! ولا المرتشي -كما وصفنا حاله- يحصد غيرها! وما بالنا بمن ينتظرون الولائم والهبات! مع ادعائهم بأن ما يصل إلى أيديهم أو إلى بطونهم إنما هو من بركة أجدادهم الذين يسعدون في قبورهم كلما تضاعف عدد زوارهم الذين يتواصلون معهم بلغة لا يعرفها غير القبوريين! بل ويدعي بعض المخبولين -من باب الدعاية والترويج لظلاميات المزور- كيف أنه قابل بنفسه أكثر من زائر! إنه يخرج من قبره، ويتحدث إليه، ويسأله عن حاجته ويقضيها له! وكأن هؤلاء بادعائهم هذا الخرافي، يسايرون مشايخ ضلاليين فيما يزعمونه من كونهم يقابلون المختار في اليقظة! بل ويذهبون إلى أكثر من ذلك حيث يدعون بأنه شيخهم الذي رتب لهم من الأوراد ما هو عام وما هو خاص!
إن المزور إذن لا يتوصل بأجرته. كانت مادية كالأبقار والأغنام والدجاج ومبالغ من الدراهم! أو كانت معنوية كثواب يخصهم به ربهم ما داموا في خدمة الزوار المتهافتين على أضرحتهم تهافت الذباب على الطعام، وحتى إن وجهت إليه أجرته بواسطة الرائش، فالأكيد أنه لم يتوصل بها، فيصح هنا أن الرائش لص، استولى على الأمانات التي لا حق له في الاستيلاء عليها! وإلا كيف يمكن لعامل ما أن يعمل، ثم يأتي من يستولي على أجرته؟
إنها عقلية ضبابية من المفروض أن يحاول دعاة العقلانية والتقدمية إزالة الضبابية عنها وصقلها حتى ندعي فعلا بأننا من أبناء عصر ينبغي أن يختفي فيه الوهم والخرافة إلى الأبد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *