نظرة خاطفة في حياة الناس ومعاشهم ستجد لا محالة أمرا خطيرا جدا ومهولا للغاية ..إذ أن الشدائد والمشاكل التي لا حد لها، والتحديات المعاصرة بألوانها المختلفة.. تبقى أهم ما يقف حجر عثرة أمام الإبداع الهادف.. والإنتاج الجيد.. والعطاء الجميل.. وجراء ذلك لا نستغرب سر هذا التخلف الذي أصابنا زهاء قرنين من الزمن..
فعندما تقلب صفحات التاريخ وتشاهد مظاهر الحضارة الإسلامية بمختلف جوانبها والتي انبهر بها الغربيون قبل المسلمين، لابد أن ندرك أن ذلك لم يأت من تنعم المسلمين واستجمامهم.. وإنما ولد من رحم المعاناة، ومن يطالع كتاب: “صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل” لعبد الفتاح أبوغدة يتبين له ذلك جليا.
وقبل ذلك وبعده نجد القران الكريم كثيرا ما يحدثنا عن أحداث ووقائع كيوم القيامة بصيغة الماضي وهي لما تقع بعد، وفي هذا لفتة جميلة قل من يتفطن إليها، فقد تجاوز بنا القرآن زماننا هذا إلى حدث مستقبلي غائب عنا لحكم جليلة من أبرزها الاستعداد التام لهذا اليوم واليقين الذي لا مرية فيه بوقوعه ليتبين لنا عظمة هذا الدين الذي يتجاوز بنا حدود الزمان والمكان لغاية عظمى وكبرى مهما علا الفرد أو تصاغر في المعيار البشري.. ولنسيان الواقع المؤلم كيفما كان جنسه.
نعم للمادة أهميتها ودورها الحيوي في تقلب الأفراد والمجتمعات، ولكن أن تكون هي الأصل والمفصل واليد فهذا أمر مرفوض عند العقلاء، إلا من لا يزال عقله مفخخا بالأفكار الماركسية المادية..
وكما هو معلوم فإن الصحابة هم أفضل من فهم هذا الدين وامتثله حق التمثل، ولم يكن الواحد منهم يجد ما يسد به رمقه ومع ذلك عندما يذكر بلال وعمار وأسامة بن زيد وصهيب وسلمان وأبو هريرة ومصعب بن عمير وغيرهم.. يذكر معهم المجد والبطولة والتفاني وهكذا كل من سار على دربهم ونهج على منوالهم لم يكونوا بمنأى عنهم (فقر،.. ابتلاء،.. معاناة،.. تحديات؛.. فصبر،.. واحتساب؛.. فتمكين،.. وتوفيق،..).
فمن أراد أن يعيش الحياة بمعناها الحقيقي، وأن يتسنم معالي الأمور، فعليه أن يكسر القيود التي جعلته مرهونا لواقعه، ولابد من قذف وإبراز صوارم المناعة والحصانة، والهجوم على الصعاب، بل إصدار الحكم القاسي عليها، لتتعالى النفوس عن طبيعة البهائم، وبالتالي أداء رسالة الاستخلاف في الأرض..
أن تكسر القيود (المشاكل..التحديات.. الصعاب.. الأشواك..) وتجعل منها حطاما لهو شيء صعب في بداية الأمر، وهذا يحتاج مليا إلى اتخاذ القرار بذلك وإعلان النفير ليأتي المدد في النهاية..
ولهذا كانت مطالعة سير العلماء والعظماء من هذا الباب، فلم يكن سطوع نجمهم إلا في دنيا الناس.. فيها عاشوا ولتحدياتها كسروا.. ثم إنك تجد ابن بيئتك وقريتك قد علا شأنه بين الأقران، للجدية في العمل، وتجاوز وكسر القيود، فليس بينك وبينه فرق سوى في اتخاذ القرارات اللازمة.. وحسن طلب الهداية..
ولا يظنن أحد أننا نتحدث من خارج بيئة الناس، كلا وألف كلا فواقعنا واحد، وهموم الحياة المادية تكاد لا يختلف عليها اثنان، فالواقع منه ننطلق وإليه نعود.. وإصلاحه مبتغانا..
صحيح أننا لم نأت بجديد، فما ذكر من المقطوع والمتواتر عن عظمائنا وقادتنا.. ولكن غرضنا التذكير والترغيب.. لاستنهاض الهمم..