الفصل بين الجنسين في المدارس.. مسؤولية الإسلاميين؟ ذ. عبدالكريم القلالي

مع خفوت مطالب المسلمين بتنزيل شريعة رب العالمين، عميت واجبات الشريعة على كثيرين، فاستبهمت وصارت من غرائب المتدينين؛ فاختلط على الخاصة بله العامة حكم الاختلاط بين الرجال والنساء.
وغير خاف ما سيسببه مطلب الفصل بين الجنسين في المدارس لدى اللادينين والعلمانيين من لغط وامتعاض كعادتهم في مواجهة العفة ونشر الفاحشة.
وبعد أن كان الاختلاط سبة وشتيمة يعير بها الرجل والمرأة على حد سواء، صار الاختلاط اليوم تحضرا ومدنية؛ يرمى القائل بمنعه بشتى التهم والشتائم من اللادينين والعلمانيين الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
وبعض المتأسلمين يخجلون من الحديث عن ضرر الاختلاط وذكره؛ فضلا عن الجهر بالمطالبة بتحقيقه، وإذا كان العلمانيون لا يجدون حرجا في الدفاع عن باطلهم ولا يملون في دسائسهم ومكرهم بقيم الدين الحنيف؛ فإن الأحق والأجدر بالثبات والاستمساك والاستبسال هو صاحب الحق، ومن هذا المنطلق يأتي الحديث عن ضرورة الفصل بين الجنسين في المدارس؛ فالفصل هو الأصل من الناحية الشرعية والتاريخية والعلمية والطبية والنفسية، والاختلاط دخيل على المجتمعات الإسلامية وغريب عنها؛ وهو إرث المحتل ويجب أن نتخلص منه؛ لأنه من معيقات التحصيل العلمي السليم.

واقع الاختلاط في مدارسنا
يبتدئ الاختلاط في المدارس المغربية منذ السنة الأولى إلى آخر مرحلة دراسية يجلس المتعلمون مع بعضهم البعض، أحيانا في مقعد ومتكئ مشترك، وبعض الذين في قلوبهم إيمان يفصلون بينهم بما تيسر داخل الفصل؛ فيجعلون الذكور في جهة من القسم والإناث في الجهة الأخرى، وآخرون يتعمدون الاختلاط ويجلسونهم جنبا إلى جنبا ويفرضون ذلك عليهم؛ سيما الصغار.
وليس يخفى ما يترتب على الاختلاط من مضار وأضرار جسيمة، تؤثر على المتعلمين إن على المستوى الأخلاقي أو العلمي؛ فكم من تلميذ أعينه داخل القسم جاحظة نحو تلميذة تكاد تكون عارية بجنبه؛ فأنى له أن يركز على التحصيل وعوامل الإثارة تجذبه من كل جانب، والأمر نفسه يقال عن التلميذة التي تضع خدودها على أيديها متكئة على الطاولة شاخصة ببصرها ومتجولة به نحو معجبيها عن اليمين وعن الشمال قعيد، ولكل حركة رقيب عتيد، وفي غفلة من الأستاذ قد تجري بين الأطراف غراميات بالإشارة ولم لا المراسلة!
وليقس ما لم يقل من العجائب والغرائب في هذا المجال!

آثار الفصل بين الجنسين
ولما يشكله الاختلاط من أثر وخطورة من مختلف الجوانب فإنه يستدعي حلولا لهذه المعضلة، والحل الأمثل لذلك؛ هو: الفصل بين الجنسين وتجاوز الاختلاط؛ سيما وأن الأمر في كثير من المدارس سهل وميسور، ولا يتطلب سوى عملية تنظيمية في بداية تنزيل هذا الفصل.
والوزارة الوصية على القطاع إن كانت صادقة في نواياها الإصلاحية التي استنزفت الكثير الكثير من الموارد؛ فعليها أن لا تغفل هذا الجانب الذي سيؤثر إيجابا على التحصيل الأمر الذي ينتج تلاميذ متفوقين دراسيا، وهذا ملاحظ في المدارس الدينية؛ كمدارس التعليم العتيق بالمغرب على سبيل المثال؛ فخريجوها من الرجال والنساء على درجة عالية من التحصيل واهتمامهم بالدراسة متميز، ومشاكل التحرش التي تئن منها المدارس المختلطة تكاد تكون مفقودة.
ويمكن الاستفادة من تجارب بعض الدول التي نهجت هذا المسلك في الفصل بين الجنسين؛ فكان لذلك الفصل آثار حميدة ونتائج إيجابية؛ جعلت القائمين على ذلك يخططون لتعميم التجربة، ولم يحصل هذا في البلدان الإسلامية فحسب؛ بل وفي البلدان الغربية التي يتغنى بها اللادينيون ليل نهار، وفي الآن ذاته يرفضون هذا الفصل لا لشيء، سوى لكون الفصل بين الجنسين مرجعيته إسلامية، وهو موجود لدى بعض الديانات الأخرى أيضا. ومن حق الرجل والمرأة أن ينعما بحريتهما الشخصية بعيدين عن الاختلاط.
وإذا كان اللادينيون تقوم قائمتهم لدعاوى الفصل، فلست أدري لم تخفت أصوات بعضهم عند الفصل بين الذكور والإناث في المرافق الصحية التي يقرونها على مضض؛ إنهم ولا شك يعلمون أن الاختلاط له ضرر وأثر؛ فلم يقررون ضرره هناك وينكرون أثره هنالك (إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ).
ولو لم تكن هناك خطورة وإحساس بأن التلاميذ يتأثرون بالاختلاط لما فصلوا بينهم فيما أشرنا إليه، ويمكن الجزم بالقول: إن اللادينين والعلمانيين يودون لو أن لا فصل حتى في تلك المرافق.

حكمة الفصل بين الجنسين
ولما كان للاختلاط كل هذا الضرر أوجبت الشريعة الفصل والحجاب بين الرجال والنساء، قال العليم الخبير بمصالح النفوس: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب 53): (ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن)، “فلا يقل أحد غير ما قال الله. لا يقل أحد إن الاختلاط، وإزالة الحجب، والترخص في الحديث، واللقاء والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب، وأعف للضمائر، وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة، وعلى إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك.. إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف المهازيل الجهال المحجوبين.
لا يقل أحد شيئا من هذا والله يقول: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).. يقول هذا عن نساء النبي الطاهرات، أمهات المؤمنين، وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لا تتطاول إليهن وإليهم الأعناق، وحين يقول الله قولا، ويقول خلق من خلقه قولا، فالقول لله -سبحانه- وكل قول آخر هراء، لا يردده إلا من يجرؤ على القول بأن العبيد الفانين أعلم بالنفس البشرية من الخالق الباقي الذي خلق هؤلاء العبيد!
والواقع العملي الملموس يهتف بصدق الله، وكذب المدعين غير ما يقوله الله. والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما نقول. وهي في البلاد التي بلغ الاختلاط الحر فيها أقصاه أظهر في هذا وأقطع من كل دليل”.
وإذا كان اللادينيون أغرموا بتقليد الغرب حذو القذة بالقذة؛ فدونهم الدراسات التي تنشر وعدد من المدارس التي بدأت تطبيق الفصل بين الجنسين في المدارس، ومسيروا تلك المدارس يعترفون بالتحسن في النتائج بعد عملية الفصل.
والأمل اليوم معقود على حكومة الإسلاميين لتنزيل هذا الأمر على أرض الواقع؛ فينعم أبناء المسلمين بمدارس بلا اختلاط، والرغبة أكيدة في تنزيل هذا المطلب لعوامل:
أولا: المرجعية الإسلامية للحكومة الحالية.
ثانيا: الآثار الإيجابية لهذا الفصل وما سيحققه من نتائج ملموسة في مجال التحصيل.
ثالثا: مناقضة الاختلاط لسياسات التعليم وأهدافه في التربية على القيم الإسلامية.

أقوال علماء المالكية في حكم الاختلاط بين الجنسين..
ومسؤولية الدولة في الالتزام بالمذهب:

ولست أدري ماذا يفيد التغني بكوننا دولة مرجعيتها ومصدر تشريعها الإسلام، دون أن نطبق أحكام هذا الدين في مختلف مناحي الحياة، وإذا كانت الدولة لا تذكِّر المغاربة بالمذهب المالكي إلا داخل المساجد فإن الأحرى بها تنزيله في مختلف شؤونهم اليومية، وهذا رأي علماء المالكية وفقهائهم في مسألة الاختلاط:
قال ابن أبي زيد القيرواني: (وَلْتُجِبْ إذَا دُعِيت إلَى وَلِيمَةِ الْمُعْرِسِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَهْوٌ مَشْهُورٌ وَلا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ)(1 ).
قال النفراوي (ت:1126هـ) في شرحه “الفواكه الدواني”: (وَلا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ) أَيْ مَشْهُورٌ ظَاهِرٌ، كَاخْتِلاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ)(2 ).
وذكر الصاوي (ت:1241هـ) من مبطلات الوصية: (أَنْ يُوصِيَ بِإِقَامَةِ مَوْلِدٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ اخْتِلاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالنَّظَرِ لِلْمُحَرَّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرِ)(3 ).
وفي مختصر خليل: (ت:1299هـ): (وَيَنْبَغِي) لِلْقَاضِي (أَنْ يُفْرِدَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ (يَوْمًا) مُعَيَّنًا مِنْ الْأُسْبُوعِ (أَوْ وَقْتًا) مُعَيَّنًا مِنْ الْيَوْمِ (لِـ) قَضَاءٍ بَيْنَ (النِّسَاءِ) سَتْرًا لَهُنَّ وَحِفْظًا مِنْ اخْتِلاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ فِي مَجْلِسِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُنَّ خَاصَّةً أَوْ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ، وَهَذَا فِي نِسَاءٍ يَخْرُجْنَ وَلا يُخْشَى مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهِنَّ الْفِتْنَةُ بِهِنَّ، وَأَمَّا الْمُخَدَّرَاتُ وَاَللاّتِي يُخْشَى مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهِنَّ الْفِتْنَةُ بِهِنَّ فَيُوَكِّلْنَ مِنْ يُخَاصِمُ عَنْهُنَّ أَوْ يَبْعَثُ لَهُنَّ فِي مَنَازِلِهِنَّ ثِقَةً مَأْمُونًا.
[وقال] ابْنُ عَرَفَةَ (ت:803هـ) وسَحْنُونٌ (مغربي ت: 240هـ): يَعْزِلُ النِّسَاءَ عَلَى حِدَةٍ وَالرِّجَالَ عَلَى حِدَةٍ.
وقال أَشْهَبُ (ت:204هـ) أَرَى أَنْ يَبْدَأَ بِالنِّسَاءِ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ بِالرِّجَالِ؛ فَذَلِكَ لَهُ عَلَى اجْتِهَادِهِ صَحِيحٌ؛ إمَّا لِكَثْرَةِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ أَوْ لِكَثْرَتِهِنَّ عَلَى الرِّجَالِ، وَلا يُقَدِّمُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ مُخْتَلِطِينَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا مَعْلُومًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَلَ.
وقال ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ (ت: 268هـ) أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْرِدَ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا)( 4).
—————————–
(1) الرسالة مع شرح النفراوي 2/322.
(2) 2/322.
(3) حاشية الصاوي على الشرح الصغير 4/585، حاشية الدسوقي 4/427.
(4) 8/306.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *