تنويها بالقابضين على الجمر أحمد اللويزة

إنها فتن كقطع الليل المظلم، تموج كموج البحر، ويتبع أولها آخرُها، وتعرض على القلوب كالحصير عودا عودا..، فتن تحجب الرؤيا عن الحق بالكامل، فلا يكاد يراه إلا القليل ممن وفقه الله، وما أصعبه في هذا الزمان الذي استرسلت فيه، فلا ترى بابا إلا وهي واقفة عليه، فهي في الأهل والأولاد، وفي المال والجاه، في الشارع والمدرسة، في الوظيفة والتجارة، وفي كل مكان، فلم تسلم منها حتى بيوت الله المطهرة فأين المفر لمن أراد الله والدار الآخرة.

فليس غريبا أن تجد القليل من يصبر نفسه على الحق ويوطنها على الاستقامة، فما السبيل إلى ذلك وتلك الفتن أينما وليت وجهك تجدها قبلك، تريد أن تحول بينك وبين مراد الله منك في قوله جل شأنه “فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ”، فلا عجب أن ترى كثيرا من المسلمين اليوم يريدون أن يستقيموا كما أرادوا لا كما أراد الله سبحانه، إلا قليلا ممَّن استطاع أن يقبض على الجمر ويستمرئ حرارته حتى تنطفئ شعلته في يده ويكون من الفائزين.

وقليل ما هم
قليل هم الذين استعانوا بالله فاختاروا الاستقامة في زمن الاعوجاج، وآثروا الالتزام في وقت الاستهتار، وتراهم يكابدون لكي يعبدوا ربهم حتى يأتيهم اليقين، ويسألون ربهم الثبات بالليل والنهار، وتتفطر قلوبهم لما يرونه من تحلل الكثير من دينهم، وبعضهم اكتفى بمظاهر أغلبها لا صلة لها بالإسلام، وأكثرها بدع ما أنزل الله بها من سلطان، فالناس اليوم بين بدعة مقيتة أو معصية مميتة إلا قليلا منهم، ثم هم يرجون نصر الله ولكن “وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ”.
قليل هم اليوم من يسأل عن الحلال فيأتيه وعن الحرام فيلغيه، في الوقت الذي استوى فيه الأمران عند الكثرة الكاثرة.
قليل هم الذين يسألون عن البدعة فيتركونها وعن السنة فيعملونها، في حين أن الشيطان لبَّس على الكثير فانغمس في البدع والشطحات وهو يحسب أنه يحسن صنعا.

صبرا أيها الغرباء فالموعود الجنة
فتنويها بالقابضين على جمر الطاعة ممن اختلطت حلاوة إيمانهم بِحَرِّ الجمْر في أيديهم، فأنستهم حلاوةُ الإيمان حرَّ الجمر، وتنويها بالصابرين على الطاعة وهم يرون أهل النفاق يستهزئون بالملتزمين والملتحين والمنقبات في الإعلام بأنواعه، والأماكن العامة على اختلافها، فالحرب قائمة ضدهم محليا وإقليميا ودوليا في شرق الدنيا وغربها.
ورغم هذا الكيد الظاهر فأنتم على العهد ماضون، وللغربة مختارون، فسيروا مرددين.

غرباء رضيناها شعارا للحياة *** غرباء لغير الله لن نحن الجباه

فتحية لمن ترك الحرام وإن كثر، رغبة في الحلال وإن قل.
وتحية لمن التزم العفة واتخذها شعارا وتصدى لمثيرات الغرائز وقد انحنى لها الأغلب استسلاما.
تحية لمن تحلى بالصدق في معاملاته وقد خان الكثير استكثارا.
تحية لمن اختار الفقر والجوع حتى لا يأكل الربا وقد طوقت به كثير من الأعناق تحت ذرائع شتى.
تحية لمن آثرت الستر والعفاف والطهر على الانحلال والتهتك والعهر.
تحية لمن ترفع رأسها شامخة أمة لله بحق، وقد أصبح بنات جنسها إماء للموضة والأزياء الفاضحة.
وتحية خاصة لكل شاب ليست له صبوة، وقد تصابى الشيوخ في هذا الزمن الظالم أهله.
فصبرا ولا تغتروا “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً”، و “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ” و”القابض على دينه كالقابض على الجمر” و”طوبى للغرباء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *