عمليات كولون دمنات والقلعة من 14 نونبر إلى 4 دجنبر 1912م ذ. إدريس كرم

نواصل نشر مذكرة “منجان” عن اجتياحه لحوز مراكش والناحية:
“العمليات التي تمت بين 15 أكتوبر و10 نونبر نحو موكادور أمنت نواحي مراكش ومنطقة الجنوب والجنوب الغربي، وبقي إتمام المهمة نحو الشرق والشمال الشرقي، وتأمين الاتصالات مع المراكز الموجودة على الحدود الجنوبية الشرقية والشاوية.
الكولون الجديد تحرك يوم 14 نونبر بعد بضعة أيام من الاستراحة فقطـ، وذلك ليلتقي في طريقه مجموعة من مراكز للفتنة بعد يوم من السير من مراكش في بلاد مسفيوة الثائرة منذ 1911، وقد رفضوا رغم حضورنا الخضوع لقائد المخزن المدني لكلاوي الوزير السابق، فكان هذا أول ما اهتم الكولون بتسويته.
ألزم الكولون دمنات بالخضوع لنفس القائد المتذمر منه، وفرض مروره من تلك المدينة، ثم صعد شمالا مخترقا بلاد السيبة في السراغنة حيث الفوضى تهدد الرحامنة وبني مسكين الخاضعين لنا، والتي يجب البرهنة لهم على قوتنا وقدرتنا على التصدي لتلك الاضطرابات سياسيا وعسكريا.
وقد كان الكولون المتحرك لهذا الغرض مكونا من 95 ضابطا و3200 جندي فيهم 1226 أوربيا و575 جزائريا و176 مغربيا و1223 سنغاليا، ومعهم 637 حصانا و700 بغل، وسيعزز في 26 نونبر بالفرقة الثانية كوم مختلطة قادمة من بنكرير مع قافلة تموين.
ملخص العمليات
غادر الكولون مراكش في 14 نونبر على الساعة السابعة صباحا بمرافقة الباشا الحاج التهامي وأنصاره من كلاوة، وقد توقفوا في الساعة 13 و15 دقيقة في بلاد أغمات على ضفة الوادي؛ كانت البلاد خالية؛ مسفيوة السهل تركوا دواويرهم القريبة من مسار الكولون لكن ليس هناك مظهر معادي لقواتنا.
تم إرسال بعض الممثلين نحو الجبال لدعوة الأعيان كي يقابلوا كومندار الناحية.
معركة تاسيرمو في 15 نونبر
لم يلب المسفيويون دعوة كومندار الناحية، فاتخذ “منجان” قرارا بالذهاب لدواويرهم في الجبل لمعرفة حالتهم، وترك المعسكر في حراسة ليوطنا كولونيل “صافي” مع فوج ازواوا ومدفعية 75 وفصيلتي اصبايحي.
وبقية الكولون توجهت يوم 15 على الساعة العاشرة والنصف نحو تاسيرموت الدوار الذي يوجد في قلب مسفيوة على ارتفاع 1200م، هذا المكان الذي سبق أن هزمت فيه ثلاث محلات شريفة على التوالي، وسيكون من التهور تكرار ذلك؛ وعليه ففي الساعة 11 و45 تقدم الأعداء للأمام في حدائق وقصبات مقدمة ممرات الأطلس؛ أطلقت النار على طليعة القوات على يسار مضيق القرية وأنقاض تاسريموت التي تم احتلالها طبعا.
بدأت المدفعية من أجل دعم تحرك طليعة القوات تقنبل على بعد 100م الحدائق والهضاب؛ حيث ظهر الأعداء بكثرة.
في الساعة 13 انتزع الفوج السنغالى المرتفعات، في حين اندفع برطيزة اكلاوة والخيالة نحو اليمين، بينما ضغطت كتيبة بايون من اليسار على طول مجرى مشجر يتواجد به مشاة مسفيوة كامنين من أجل مباغتة الكولون بالالتفاف حوله.
في الساعة 14 اختفى الأعداء من المرتفعات واحتلت كتيبة بوتيلون الاحتياطية مكان المعركة، وإجلاء بساتين الزيتون على الضفة اليمنى للوادي من المعادين، لكن لوحظ أن الأعداء يتجمعون في الشمال، فأمر “منجانط بتغيير اتجاه سير الكولون نحو اليسار، وأمر فوج بايرون على الساعة 14 بالتوجه نحو التجمع، فقطع النهر قاصدا تاسريموت مستخدما الأسلحة البيضاء للسيطرة على مرتفعها.
في الساعة 16 كانت الكتيبة قد أنهت مهمتها ولم يبق أمامها معادين، فتلقت الأمر بالعودة للمعسكر الذي دخلته في الساعة 18، بيد أن الكتيبة السنغالية وهي نازلة من مرتفعات تاسريمت بعد احتلالها، وجدت نفسها في منحدرات وعرة يصعب على الحيوانات اجتيازها والدوران عليها، فكيف وهي نازلة تحت وابل من نيران الأعداء، مما أعاق وصولها للمعسكر قبل الساعة 20 بعد معاناة شديدة استهلكت أثناءها 150 قنبلة و50.000 رصاصة وقتل سنغالي وجرح اثنان من الجزائريين.
عملية 16 نونبر
من أجل إنعاش التهدئة في مسفيوة وتحطيم شعور السكان بواسطة هجوم قوي على الجبال، قرر الكولونيل “منجان” اجتياز بلادهم في الغد يوم 16 عبر ثلاث محاور قسم عليها الكولون المرافق له لتلتقي القوات مساء في ايمنزات.
انطلق الأول في الساعة 7 و30 صباحا ووصل هناك في الساعة 12 زوالا بدون مشاكل.
الثاني كان ثقيلا مر من الجبال حيث التقى ليوطنا “بريتش” من مصلحة الاستعلامات وسار على ضفة واد الملاح وواد إيمنزات حيث عاقب عدة دواوير من مسفيوة: فرقة ايت سيفيلفيلت وايت احمد اللتان أساءتا استقبال الكولون، الذي وصل إيمنزات في الساعة 15 دون أن يلقى مقاومة جدية ولم تكن به خسائر.
الكولون الثالث بقيادة الكولونيل “منجان” تابع التطواف في جبال الجهة الشرقية بعدما غادر الأعداء مرتفعات تاسريموت مارا من وادي كيندج الكثير المحاصيل مواصلا طريقه عبر واد مكوس وتيريري التي توجد بها كثافة سكانية مهمة؛ تم إطلاق النار عليه في الساعة 15 من الدواوير المجاورة لخط سيرهـ فتصدت لها مدفعية فصيلة 65 التي قصفت بعض القصبات، وفي أحد المنحدرات قتل فارس وجرح قناص إفريقي ولم يصل لمركز اللقاء إلا في الساعة 20 بعدما قطع مسافة 42 كلم، استهلك فيها 50 قنبلة و1000 رصاصة.
يوم 17 نونبر قضى الكولون يومه في إيمنزات؛ خضوع مسفيوة أصبح نهائيا وتاما؛ سي المدني لكلاوي الوزير السابق قائد هذه الناحية وأخيه الحاج التهامي لكلاوي اللذين تابعا العمليات استقبلا الممثلين الذين جاؤوا يطلبون الأمان.
التوجه لدمنات
مسؤولو سي المدني لكلاوي كانوا محتاجين للدعم بدمنات، فقام الكولونيل “منجان” بالمرور على المدينة وهو متوجه للسراغنة، أثناء ذلك قام السكان بإصلاح الطرق لمرور الجنود والآليات، وقد بدأ السير يوم 18 ليصلوا دمنات يوم 22 نونبر.
عمليات ضد حركة البربر.. معركة سيدي ادريس
بدأ الحديث عن تكوين حركة في الشمال الشرقي لدمنات، وقد وصلت معلومات عنها يوم 21 نونبر وتأكدت يوم 22 منه ليلا.
تجمع هام من مختلف فرقات ولتانا (ناحية دمنات) وانتيفة والسراغنة ظهر في سوق الخميس على بعد 12 كلم من دمنات معارضين للمدني لكلاوي، وقد وردت برقية من الدار البيضاء يوم 19 نونبر لمراكش تؤكد على أن هناك تجمعا يتحدث عنه في سطات عن عزم بني موسى تادلا للالتحاق بالبرابرة والذهاب لدمنات لقتال لكلاوي.
الآن قد أعلنت الحركة عن عزمها على مهاجمة الكولون الفرنسي؛ الكلونيل قرر التوجه ليعسكر في سوق الجمعة لعنابرة بالسراغنة من أجل الشروع في التخطيط السياسي والعسكري وتنظيم تلك القبائل ومراقبة تحركات العدو.
تحرك الكولون يوم 23 على الساعة 5 و20 عبر طريق تاودانوز، الطريق عبر الجبال معروفة من قبل أحد الأدلاء. في الساعة 6 و30 وصلت طليعة القوات أعلى تاودانوز، واتخذت فيها موقعا لمراقبة مرور القافلة من واد محاسر.
شوهدت الحركة في الأسفل بمنحدرات كونتيتي، القافلة تابعت عبورها مخترقة أشجار زيتون تاودانوز والنزول لسهل اولاد خلوفي، حيث ستكون كولونا مماثلا تحت قيادة ليوطنا كلونيل “جوزيف”، في حين يكون آخرون تجمعا آخر تحت قيادة ليوطنا كولونيل “صافي” سيرابط قبالة الأعداء.
الفوج الجزائري لبايرون احتل بدعم من فوج 75 مرتفع غرب الولي يحيى (تافرنيت)؛ مدفعية 75 فتحت النار على الساعة 8و50 من بعد 400م على تجمع الأعداء اللذين كونوا هدفا جيدا. في 9و20 تشتت الأعداء؛ في 9و45 تحركت القافلة وحراسها نحو سوق الجمعة حيث وصلت دون مشاكل في الساعة 14.
من الساعة 9و45 للساعة 10و5 قصفت مدفعية 75 التجمعات المكونة على بعد 400م؛ في الساعة 10و20 حاول الأعداء الهجوم من أسفل المنحدر للالتفاف على الكولون لكن قصفا عنيفا عليهم جعلهم يتراجعون، بعدها أمر مجموعة “صافي” بالتوجه نحو سوق الجمعة؛ الحركة اختل نظامها وتوبعت من قبل مجموعة صغيرة من قواتنا أسفل الجبل لدفعها كي تأخذ طريقا آخر غير مواز للكولون.
في الساعة 11و15 الوحدات المتقدمة التي اخترقت واد محاسر اتخذت وضع المستعد في انتظار اجتياز باقي الوحدات المتأخرة التي شاركت في صد الأعداء حتى لا يهاجموا المؤخرة، بعد أن يكونوا قد تجمعوا بعيدا في السهل، وفعلا تمت تجمعات لهم، فقامت المدفعية المرافقة للكولون بقصفهم لإبعادهم عن طريقه في الساعة 11و45.
في الساعة 13 اشتبكت مؤخرة الكولون (كوكبة راكبة سنيغالية فرسان) في ممر سيدي ادريس مع الأعداء، حيث دارت معركة عنيفة أدت لتدخل سرية كوفمان وفصيلة مدفعية فوج استعمار فصيلة 75 زواوا بطارية بيير، ثم جعلت الفصيلة الثانية من هذه البطاريات على أهبة الاستعداد في المرتفع شمال المجرى لإجلاء المؤخرة المحاصرة.
الفرسان خاضوا المعركة راجلين لدفع الأعداء الذين احتشدوا حولهم مما جعلهم يستعملون السلاح الأبيض في القتال وجها لوجه مع المغاربة الذين قتل منهم العديد.
في الساعة 14 تراجع الأعداء بصفة نهائية، لكن حركة أخرى استدارت على الجهة اليسرى غير أنها وقعت في مرمى نيران بطريات بايير بسيدي اسعيد.
فصيلة 65 المتواجدة في سوق الجمعة صدت عملية في مؤخرة الكولون تركت فيها 4 جرحى منهم ضابط وجندي أوربي وعنصران من مشاة سنغال واثنين من فرسانهم.
في الساعة 15 دخلت القوات معسكر سوق الجمعة عنابرة، الذخيرة المستعملة 650 قنبلة مدفع و13.000 رصاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *