إن الكثيرات أخذن حكما قضائيا بدخول الجامعات والمؤسسات الحكومية بالنقاب في أوطانهم الإسلامية فهل بعد هذا الظلم ظلم؟ ومن يضمن لنا في أوطاننا أن نعيش حرية الستر كما تعيش الأخريات حرية العري؟
كثيرة هي الحوادث التي يتخفى فيه المجرمون في أزياء ضباط شرطة .. فهل معنى ذلك أن يتهم هذا الزى أو يلغى أو حتى يستنكره أو يلمز أحد ضده؟ فغالبا ما يقوم المشبوهون والخارجون على القانون بتغيير أنماط أزيائهم أو يخفون وجوههم بلثام .. فتلك هي طبيعة الجريمة .. فلماذا يتهم النقاب الآن بأنه من المحتمل أن يرتديه ويتخفى من خلاله المجرمون؟ ولماذا تلك الفرية الغريبة والمجتمع يعج بالخارجين على القانون والأعراف والقيم والأخلاق من كل صوب وحدب؟
إن المجتمع يعج بالتقاليع والبدع، والأفكار والمهاترات، وهناك ألوان وأشكال شتى من الموضات والملابس، فهناك الوشم، وإطالة وتقصير الشعر، وتغيير الخلقة، والتكبير والتصغير، والعري وإظهار ما يثير الفتنة وما يثير الاشمئزاز.
والرد الجاهز دائما هو الحرية الشخصية وحرية الاعتقاد التي تكون في أغلب الأحيان تعادل حرية الكفر.. فهل دائماً يجوز أن تكون هناك حرية شخصية للكفر والإلحاد ولا يكون هناك حرية شخصية للإيمان؟ فمن شاء فليؤمن ويرتدي الزي الذي أقره الإسلام ووصفه وحدده القرآن الكريم والسنة النبوية. إنها حرية الالتزام بأوامر الله والانتهاء عما نهى، فلماذا دائما يهاجم الحجاب والنقاب؟
إنه يبدو أن انتشار الحجاب والنقاب قد أثار الكثيرين في الآونة الأخيرة، وصارت الفضائيات ووسائل الإعلام مرتعا لأصحاب الأهواء، حتى أن إحدى المتصدرات للفتوى اشمأزت هي الأخرى من المنتقبات لسبب نفسي أو لأسباب يعلمها الله، وتجرأت مع المهاجمين للنيل من هذا الزي المفتري عليه.
وكما قيل سابقا عندما ارتدت بعض الفنانات المعتزلات النقاب بأن هناك من دفع لهن الملايين، والجميع يعلم أن الملايين تدفع لمن تتعرى وليس لمن تتستر. أما الفنانات اللواتي يرتدين الحجاب وعدن إلى التمثيل ويستعرضن أزياء المحجبات للتكسب فيدافعن عن أنفسهن وحالهن هكذا يؤكد على أنه بقدر التخفف من الالتزام بالزي الشرعي وإظهار قدر من المفاتن على درجات متفاوتة يكون هناك سوق للموضة ومصممي الملابس الذين يسعون إلى التكسب من وراء تلك السلع، فبقدر التحرر من الانضباط والزي الشرعي تكون هناك فرص للعرض وأسواق ومباريات في التلوين والتضييق والزخرفة والزركشة ولفت الأنظار ولبس الشهرة.
لماذا لا نعتد بحرية المحجبات والمنتقبات؟
فالذي يهاجم النقاب تارة، والفنانات المحجبات التائبات تارة أخرى، وأستاذة الفقه التي تشمئز من المنتقبات.. هؤلاء جميعا مع من وضد من؟ وبصرف النظر عن الحكم الشرعي الذي أجمع عليه علماء الأمة ما بين فرضية أو فضل النقاب، وما بين فرضية الالتزام بالخمار والزي الشرعي الفضفاض الذي لا يصف ولا يشف ولا يكون لباس شهرة.. إلخ، فإنه يجب أن تحترم الحريات الشخصية للبشر.
ومثلما تعجبت هند بنت عتبة (امرأة أبو سفيان) وهى تبايع الرسول صلى الله عليه وسلم (أو تزني الحرة ؟) فإنني أتعجب وأقول (أو تتعرى الحرة؟) .. ومن حق الرجل المسلم أيضا أن تكون له حريته الشخصية وأن لا تتعدى المرأة على حريته وعلى بصره وتحاصره في عمله وفي حركته العامة.
وقد ذكر الشيخ محمد الراوي حفظه الله في حديث له مؤخراً أن الرافعي رحمه الله قال لو كنت قاضيا لأدنت المرأة المتبرجة التي تعتدي بفتنتها على حرمة الرجل .. فمن يحاكم من ومن يهاجم من؟.
رائدة تعليم المرأة تكشفهم
والهجمة على الإسلام من الداخل والخارج تأتى سريعة ومتلاحقة والتفريط صار مقبولا حتى نرضى بأقل شيء من الإسلام.
فمنذ حوالي خمسين عاما كان الحجاب السائد لدى عموم النساء هو النقاب حتى أن رائدة التعليم في مصر “نبوية موسى” اعتبرت أن مجرد كشفها لوجهها فقط هو سفور، اعتبره البعض، كما ذكرت في مذكراتها، خروجاً على الأعراف والتقاليد السائدة، وذكرت أن بنات وزوجات كثير من المسئولين وبعض الوزراء، والتي كانت تقوم بالتدريس لهن، كن يلتزمن بالنقاب، وكان الزي السائد لنساء الطبقات الشعبية هو ما يسمونه بالبرقع. كان هذا ما اعتاد عليه الناس، فمنذ زمن غير بعيد كان هذا الأمر من المعلوم من الدين، ومن العرف، ومن القيم التي سادت بين الشعوب في معظم البلدان الإسلامية.
ولكن في تدهور سريع وضربات متلاحقة من الداخل والخارج تبدل الحال ولم يعد سفور الوجه بل معظم أجزاء الجسم هو السائد، بدءً من مصر إلى كثير من البلدان العربية والإسلامية. وعندما بدأت الصحوة الإسلامية تنشط في منتصف القرن الماضي وبدأ الحجاب يعود للشارع العربي بشكل واع ومن خلال قراءات شرعية وشروحات في الكتاب والسنة، فكانت عودة الحجاب ليست عرفا ولا تقليدا بل وعيا حقيقيا من قبل الكثيرات اللواتي خضن معارك حتى مع الآباء والأمهات.
بل إن الكثيرات أخذن حكما قضائيا بدخول الجامعات والمؤسسات الحكومية بالنقاب في أوطانهم الإسلامية فهل بعد هذا الظلم ظلم؟ ومن يضمن لنا في أوطاننا أن نعيش حرية الستر كما تعيش الأخريات حرية العري؟
حملات داخلية مشبوهة
وإذا كان مفهوماً أن الحملة الغربية النصرانية علي النقاب هي جزء من حالة المواقف العدائية المسبقة من الإسلام والمسلمين لتبرير سياسات وحروب غربية غير أخلاقية وغير شرعية في العراق وأفغانستان وفلسطين، تزامناً مع تصريحات بابا الفاتيكان “بنديكيت” السادس عشر، والتي حملت عن عمد إساءة واضحة ضد الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، وتزامناً أيضاً مع الحملات الغربية الشرسة التي أقل ما توصف به أنها نازية جديدة ضد الإسلام والمسلمين، فإنه من غير المفهوم أن نجد حملات مسعورة ضد الحجاب والنقاب في بلادنا العربية والإسلامية.
فما هو مبرر رئيس جامعة حلوان المصرية المسلم، الذي يعيش في بلد الأزهر في إصدار قراره بمنع دخول المنتقبات المدينة الجامعية؟
وما هو مبرر السلطات التونسية في حملاتها المعروفة والمستمرة ضد الحجاب خاصة مع بداية العام الدراسي، لدرجة أن يقول الأمين العام للحزب الحاكم في تونس: (إذا قبلنا اليوم الحجاب فقد نقبل غدا أن تحرم المرأة من حقها في العمل والتصويت وأن تمنع من الدراسة وأن تكون فقط أداة للتناسل وللقيام بالأعمال المنزلية، فذلك سيعيق تقدمنا فنتراجع إلى الوراء وننال من أحد المقومات الأساسية التي يقوم عليها استقرار المجتمع وتقدم الشعب ومناعة البلاد!).
وهل يمكننا أن نتصور أن هناك قانوناً تونسياً هو القانون 108، الصادر عام 1981 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، والذي يعتبر الحجاب “زيًّا طائفيًّا”، وليس فريضة دينية، ومن ثَم يحظر ارتداؤه في الجامعات ومعاهد التعليم الثانوية؟
فهل يعقل أن يمنع المحجبات من الدراسة في المعاهد والكليات في دولة عربية، وحرمانهن من الوظائف في المؤسسات العامة، واعتراضهن في الأسواق والساحات العامة، واقتيادهن لمراكز الشرطة حيث يتعرضن للإهانة، ونزع الحجاب بالقوة وكتابة تعهد بعدم ارتداء الحجاب مرة أخرى؟