بسم الله الرحمن الرحيم.
لا شيء يحدث في حياة البشر اعتباطا؛ إنما يجري كل شيء وفق سنة الله التي لا تتخلف ولا تحابي أحدا، ومن سنن الله أن البشر يتحملون مسؤوليتهم في الرقي والانحطاط؛ فأي حدث مرده إلى النفس سواء بالارتقاء والارتفاع إلى أعلى أو بالانتكاس والهبوط إلى أسفل، وقد أنعم الله على أمة الإسلام بالرقي في شتى مجالات الحياة: حضاريا، وأخلاقيا، وعسكريا، وسياسيا، واقتصاديا؛ يوم بنيت على الدين.
وآلت إلى عكس ذلك من التقهقر والتخلف؛ لما غيبت التربية الدينية عن حياتها.
وقد كانت خطوة هذا الدين الأولى في سبيل بعث الأمة وإحيائها هي بناء الأفراد وتربيتهم وإعدادهم؛ لتصاغ الأنفس صياغة ربانية، ومن ثم ينتقل الإعداد من الفرد الى الأمة، فواقع الجماعة لا يتغير إلا بتغير واقع الفرد.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما بعث كانت الأمة العربية والأمم من حولها مصابة بشتى الأمراض خلقية وغيرها؛ حيث الأخلاق الذميمة فاشية في سائر الأقطار، وبلاد العرب نفسها لم تسلم من ذلك؛ فقد كانت البلدان الساحلية العربية إلى بلاد اليمن وحتى العراق كانت كلها خاضعة للفرس، وفي الشمال كان أثر الرومان باديا في أهل الحجاز، وتغلغل اليهود معهم في تلك الأعماق، يوقعون العرب في حبائل الشر والفساد من الربا والفواحش والبغي والعدوان على اللحوم والأبدان.
كان ذلك كذلك وأكثر؛ لغياب أي تربية أو منهج رباني يتبع، وقوَّم النبي صلى الله عليه وسلم كلَّ ذلك في ظرف وجيز -لا يعد في حساب ما يتطلبه التغيير شيئا-، بتركيزه على تصحيح المفاهيم وتوجيه الأفكار، وإعداد الأفراد بتربيتهم التربية السليمة.
وواقع الأمة اليوم شبيه بواقع الانحرافات الأولى؛ إن لم يكن أشد؛ ولا سبيل لتغييره؛ إلا بتصفيه أفكارنا وقيمنا الخلقية مما فيها من عوامل انحراف حتى يصفو الجو لتربية حية وباعثة على الرقي والازدهار.
فالمجتمعات التي تربى تربية سليمة تتفوق في شتى مجالات حياتها؛ كما كان حال الأمة المسلمة الأولى في صدر الإسلام لما تفوقت على مجتمعات الرومان والفرس وغيرها.
ولأهمية التربية في حياة الأمم ركز أعداء الإسلام على غزو الأمة في مناهجها؛ لإخراج جيل فاسد فاقد لكل المقومات، يسهل افتراسه وتفكيكه؛ بأدنى المغريات.
وأي أمة من الأمم لم يُرَبَّ أفرادها تربية دينية سليمة تبقى مجردة من الحصانة وفريسة لأي وباء.
وأعداء الأمة وعملاؤهم حريصون على تغييب التربية الدينية؛ لأنها بمثابة صمام أمان للمجتمعات الإسلامية، وحريصون على توزيع نفاياتهم المؤثرة في عالم التربية، بشتى الوسائل التي تحقق لهم ذلك؛ ليقينهم أن الأمة إذا غيبت عنها التربية الدينية أصبحت غثاء لا وزن له ولا قمية.
وكثير ممن يهتمون ببعث الأمة ينظرون إلى الأعراض المرضية ولا يتأملون الأسباب؛ فالأسباب في الحقيقة تربوية، والأعراض متعددة؛ منها: ما هو سياسي، واقتصادي، واجتماعي.. .
وبداية أي أمل منشود لابد أن ينطلق من تربية الأفراد وإعدادهم، وبقدر ما تسلم عملية البناء والتربية، بقدر ما تتغير سلوكيات الأفراد وعلاقاتهم الاجتماعية؛ فالتربية الدينية عامل أساسي في التغيير الاجتماعي الذي ننشده، بشرط أن تكون نابعة من دين سماوي خالص لم ينله تشويه ولا تحريف، فليست أي تربية قائمة على أي دين يمكن أن تؤتي الثمار وتحقق النتيجة.
ولا شك أن إحياء الأمة من جديد لن يكون إلا في نفس الظروف التي ولدت فيها، فقد كان ذلك الميلاد صادرا عن بناء وتربية مستمدة من وحي القرآن والسنة؛ وانطلقت بذلك مكتسحه العالم بحضارة وتقدم.
فإذا استقرت التربية السليمة في أفراد الأمة، كان ذلك بداية انطلاقة سليمة تختلف اختلافا أصيلا وكليا عن الواقع المتردي اليوم.