1) هل يمكنكم أن تضعونا في الصورة بخصوص القانون الجديد الخاص بالبنوك التشاركية؛ وما هو الجديد بالنسبة للمتتبع والمهتم والمواطن العادي؟
بسم الله الرحمن الرحيم؛ كما هو معلوم المغرب عرف ما يسمى بالتمويلات البديلة منذ سنة 2007 لكنها كانت بدون أساس قانون، وإنما تمت على أساس مذكرة من بنك المغرب، وعرفت تعثرا واضحا ولم تلق انتشارا كبيرا نظرا لعدة صعوبات.
الآن في شهر 2012 أعلن على موقع الأمانة العامة للحكومة مسودة قانون وليس قانونا. مسودة للنقاش وذلك من أجل إتاحة الفرصة أمام الجمهور لمناقشتها وهذه المسودة مراجعة للقانون البنكي بصفة عامة، وضمن هذه المراجعة أدخل قسم كامل وهو القسم الثالث من 21 فصلا يتحدث عن البنوك التشاركية.
الإضافات التي احتوت عليها هذه المسودة؛ أولا أنها سميت البنوك التشاركية بدلا من التمويلات البديلة، ثانيا أضافت إليها عنصرا جديدا وهو عنصر المضاربة لأنها كانت تنص على المشاركة والإيجار المنتهي بالتمليك والمرابحة، والعنصر الجديد هو المضاربة.
والعنصر الأخر الجديد هو أن المادة 57 من هذه المسودة سمحت للجنة المالية للشريعة بإضافة تمويلات أخرى إذا رأت أنها ستكون مفيدة. الإضافة الأخرى هو أنها نصت أن هذه المنتوجات يجب أن تكون مطابقة للشريعة؛ وهذا شيء جديد جدا؛ ليس في هذا القانون وإنما في القوانين المغربية كلها؛ لأنها أول مرة يتم التنصيص على هذه المرجعية؛ في حين أنه في مدونة الأسرة النص على أنه إذا كان هناك قاض لم يجد أحكاما في المدونة يرجع إلى الفقه المالكي، أما الآن فقد اتسع المشروع كثيرا.
الجديد كذلك أن اللجنة المالية للشريعة تؤسس من طرف المجلس العلمي الأعلى وسيكون فيها العلماء المختصون والعالمون بالفقه والشريعة الإسلامية، وبنك المغرب يقدم لها كل ما هو ضروري في المجال الإداري، والمسألة الأخرى الجديدة وهي أن البنوك في الشرق العربي الإسلامي هناك لجنة للمراقبة الشرعية، هذه اللجنة تراقب أو تتابع مدى تطابق ما تقوم به البنوك مع الشريعة الإسلامية، لكن هذه البنوك في الشرق العربي الإسلامي غالبا هي التي تعين هذه اللجنة، فتكون اللجنة من الناحية الوظيفية من ناحية الأجرة بمتابة الموظفين عند البنك وهناك الكثير من المراقبين يقولون إن هذا لا يتوافق مع استقلالية المجمع لأن اللجنة عبارة عن موظفين لدى البنك.
2) ذكرت التوصية الشهيرة لبنك المغرب والمتعلقة بالإيجار والمرابحة والمشاركة باعتبارها تمويلات بديلة، هل القانون الجديد امتداد لتلك التوصية؟
تسمى مذكرة أو دورية، القانون الجديد مستقل تماما والدورية صدرت عن البنك وهذه المسودة مسودة قانون التي ستعمم على مجلس النواب، وستصدر باعتبارها قانونا ستخضع لتعديل مجلس النواب، ساهمت فيه الحكومة ولا شك أن المجلس العلمي الأعلى قد اطلع عليه وأبدى فيه رأيه أو سيبدي فيه رأيه، ثم إنه ستكون هناك لجنة للمراقبة، هذه اللجنة لم تكن في التمويلات البديلة.
ثم إن القانون لما يصدر من مجلس النواب، فهو يخضع للمراقبة والمتابعة من طرف مجلس النواب، فيمكنه أن يطرح حوله الأسئلة الشفوية والأسئلة الكتابية، أن يضع لجانا للتقصي والتتبع إلى غير ذلك، إذن فنحن الآن أمام مؤسسة جديدة، سوف تحظى بنقاش كبير علمي وقانوني ومراقبة ومتابعة؛ إذن هذا شيء جديد.
ثم إن المشرع المغربي استفاد من التجارب السابقة، وهذا شيء مهم لأن الاستفادة من التجارب السابقة وإخضاع المسودة للنقاش، الذي استمر حوالي أربعة أشهر، وبعدما استجمعت الأمانة العامة كل الآراء، أرجعت إلى وزارة المالية التي قامت بإعادة صياغة مشروع القانون من جديد بناء على ما توصلت إليه من ملاحظات وتوصيات ومقترحات، وهذا مهم جدا.
والجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي عقدت يوما دراسيا شارك فيه 42 متخصصا من الفقهاء ومن البنكيين ومن الاقتصاديين ومن الباحثين، وأصدرت مذكرة تضمنت مختلف الآراء، كمساهمة في إغناء هذا القانون.
3) بالنسبة للجنة المطابقة، يتساءل البعض عن تركيبتها وكيفية اختيار أعضائها ومدى استقلالية قراراتها، ما تعليقكم؟
هذا الجانب، جانب المراقبة والمطابقة والمتابعة، مشروع القانون المغربي متفوق فيها جدا، سواء من حيث الإسم أو من حيث الطريقة، فمن حيث الإسم فقد ذهب إلى المقصد وليس إلى الشكل، لأنه في البنوك السابقة يسمى لجنة المراقبة، ولكن وظيفتها في الحقيقة ليست المراقبة، فهي الآن تقوم بالمطابقة، تبحث في مدى مطابقة العمليات التي تقوم بها الأبناك الإسلامية مع الشريعة، المشرع المغربي وهذا هو الإبداع سماها باسمها الحقيقي: لجنة المطابقة الشرعية، أو اللجنة الشرعية للمالية وتقوم بأعمال المطابقة، وهذا مهم جدا لأن الإسم له مدلول، والمصطلح لابد أن يراعى فيه المطلوب.
ثانيا هي هيئة مستقلة لأنها تابعة لهيئة وطنية، وليست تابعة للبنك، لا لبنك المغرب ولا للبنك المعني بالأمر ولا لغيره، لأن هناك تجارب بعض البلدان، فمثلا في ماليزيا هي تابعة للبنك المركزي، في بعض التجارب الأخرى هي تابعة للبنك الذي يعينها، في المغرب هي تابعة للمجلس العلمي الأعلى، وهذا ما يضمن لها استقلاليتها.
وهي لا تأخذ أجورها وتعويضاتها من البنك الفلاني أو العلاني، مما يبعد شبهة الخضوع لهذا البنك، فأجور وتعويضات العلماء والفقهاء المعينين فيها، تؤخذ من بنك المغرب وهو هيئة وطنية مستقلة، وتعيينها يتم من طرف المجلس العلمي الأعلى.
اللجنة الثانية هي لجنة التدقيق الداخلي، فهي لجنة شرعية لكنها مكونة من موظفين تابعين للبنك، ولكن مهمتهم ليست المطابقة ولكن التدقيق، وهذا عمل يومي فاللجنة الشرعية للمالية تقوم بأعمال المطابقة بصفة عامة وإجمالية، ولجنة التدقيق الداخلي تقوم بالتدقيق اليومي الميداني، وهذا في الحقيقة إبداع يحسب للقانون المغربي الجديد، ثم إن هذه الهيئة، بإمكانها اقتراح تمويلات وصيغ وعقود أخرى، انطلاقا من الفقه الإسلامي، ثم عندها اختصاص آخر، وهو أنها تقدم تقريرا سنويا، حول أعمال هذه البنوك، ومدى مطابقة أعمالها أو مخالفتها للشريعة، مما يضع أمام هذه البنوك تقريرا علميا، يمكنها من الاستفادة منه في السنة الموالية.
4) كون هذه البنوك وهذه المعاملات إسلامية، هل يعني أنها لا تتعامل مع المنظومة الربوية، من المؤسسات والهيئات المالية والقوانين المنظمة والمؤطرة لها، بصفة نهائية؟
مشروع القانون يشترط أن أعمالها تكون مطابقة للشريعة تماما.
5) سواء في معاملاتها الداخلية أو الخارجية؟
بصفة عامة هو لا يخصص، فيقول أن أعمالها ومنتوجاتها ومعاملاتها ينبغي أن تكون مطابقة للشريعة، إذن المشرع حسم في هذا الأمر، لأن هناك زبناء وهناك متعاملون ومستثمرون، يريدون أن يتعاملوا وفق أحكام الشريعة الإسلامية، والمشرع المغربي أعطاهم هذه الفرصة، بعد أن حرموا منها قانونيا، لذلك فهو كان واضحا جدا، في هذا المجال.
6) هل لمستم أو تلمسون أي معارضة من السياسيين أو من اللوبيات الاقتصادية المستفيدة من هذه الوضعية حاليا؟
لا لم يعد هناك أي معارضة، لأنه إذا لاحظتم في الانتخابات التشريعية في 25 نونبر 2011، معظم الأحزاب سواء التي في المعارضة أو الأغلبية نصت في برامجها، على تأسيس البنوك الإسلامية، ربما هذا كان من باب التنافس ولكنه تنافس محمود على كل حال، وحتى في التصور العام ووسائل الإعلام رأينا كيف أن التغطية لهذا الموضوع لا يوجد فيها ما يدل على أن هناك معارضة، الجميع اليوم مقتنع بأن هاته المنتوجات وهذه العقود ينبغي أن تعطاها الفرصة خصوصا وأن هناك اليوم تسابق ليس من البلدان الإسلامية فقط، بل حتى الدول الغربية، على التعامل بهذه المنتوجات، والتنافس على جلب رؤوس الأموال العربية والإسلامية التي تتعامل بهذه المنتوجات، وكذلك التسابق على المواطنين الذين لا يلجون عالم الأبناك.
اليوم في المغرب أكثر من 52 في المائة من المغاربة، لا يتعاملون مع الأبناك، وجزء كبير من هذه النسبة لا يتعاملون مع الأبناك لأسباب دينية، لذلك فأموالهم هي خارج الدورة الاقتصادية والمالية، لذلك الكل مقتنع بأننا نعمل بنصف طاقتنا المالية، وان النصف الآخر معطل لذلك اقتنع الجميع الآن بأنه ينبغي استقطاب، هذه النسبة الأخرى المتعطلة، وإدخالها إلى الدورة الاقتصادية والمالية، وفق رؤية واقتناع أصحابها، إذن فالجميع ليس في المغرب فقط بل عالميا مقتنعون بأنه ينبغي أن تعطى الفرصة للتمويلات التي تنطلق من الشريعة الإسلامية.
7) في الختام هل سيكون لهذه البنوك انعكاس إيجابي على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
نأمل ذلك، ونقول أن القانون ينبغي أن يمر في البرلمان بغرفتيه في أحسن الظروف، وأن يتمكن البرلمان بإغنائه بكل المقترحات الممكنة والمفيدة، وربما هذا القانون سوف يحظى بالإجماع، خاصة أنه سبقه قانون التسنيد، وقد صودق عليه بالإجماع، وهو يستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية صراحة، لذلك نعتقد أن هذا القانون سيمر في البرلمان بالإجماع، وإذا طبق تطبيقا سليما من طرف الأبناك، لاشك أنه سوف يسهم في تعبئة المدخرات التي لا تتعامل الآن مع الأبناك، وإدماجها في الدورة الاقتصادية، وهذا من شأنه أن يحدث استثمارات جديدة، ويحدث مناصب شغل جديدة، وبالنتيجة نساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق منظور سليم.