مليشيات طائفية إجرامية بغطاء قانوني

مثَّل “الحَشد الشعبي” في العراق قوة طائفية شيعية مسلحة، غير نظامية. وهو يقوم بأدوار عسكرية وأمنية، بدعم من حكومة العبادي والفصائل الشيعية العراقية. وقد صوت مجلس النواب العراقي في 26 نوفمبر (2016م) لصالح مشروع قانون دمج “الحشد الشعبي” بالقوات العراقية المسلحة بأغلبية الحاضرين؛ ما أثار لغطا واسعا بشأن دور “الحشد الشعبي” ومستقبل العراق في ظل هذا القانون.
قانون طائفي بامتياز:
وينصُّ القانون على اعتبار “الحشد الشعبي” قوات رديفة ومساندة للقوات المسلحة العراقية الحكومية، بكيان مستقل إداريا وماليا وتنظيميا، وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة. ويخضع منتسبوه للقوانين العسكرية النافذة من جميع النواحي؛ كما يتمتعون بكافة الحقوق والامتيازات التي تكفلها القوانين العسكرية والقوانين الأخرى ذات العلاقة.
يتألف الحشد مِن أكثرِ مِن خمسين فصيلا شيعيا[1]. وتشكل على خلفية فتوى المرجع السيستاني الداعية للقتال تحت مسمى “الجهاد الكفائي”[2]، والتي أيدتها المرجعيات الدينية في النجف. وهو يلقى دعما إيرانيا كبيرا، بالتدريب والخبرات والأسلحة، بل تشير مصادر عدة إلى وجود مقاتلين إيرانيين في صفوفه، كما هو حاصل في الساحة السورية. وتقدر الميزانية التي خصصتها الدولة العراقية لـلحشد للعام 2016م بترليون و160 مليار دينار عراقي.
ويأتي تشكيل “الحشد الشعبي” وإقرار قانون دمجه في القوات المسلحة العراقية في ظل ظروف تشهد تمددا للنزعة الطائفية والتغلغل الإيراني الواضح والصريح في المنطقة تحت غطاء دولي وأممي. ولا يمكن فصل المشهد العراقي عن مشهد اليمن وسوريا وما يجري فيهما من تدمير لمقدرات عموم السنة لصالح الأقليات الشيعية المدعومة إيرانيا.
وقد سبق أن أعطت الأمم المتحدة “الحشد الشعبي” نوع اعتراف دولي ضمني به في خطابها الرسمي، فقد جاء على لسان الممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يان كوبيش” ذكر الحشد، وهو يتحدث عن محاربة تنظيم “داعش”، حيث قال: “إن الهجمات العسكرية لقوات الأمن العراقية، بدعم حاسم من قوات الحشد الشعبي، والمتطوعين من القبائل السنية، والتحالف الدولي، لم تغير الكثير في الوضع على الأرض”[3].
كما أن الإدارة الأمريكية باتت ترعى مثل هذا التوجه دون أي اعتبار لعموم الأمة. ففي 12 مارس 2016م، قام القنصل الأمريكي “ستيف ووكر” بزيارة رسمية لجرحى الحشد بمستشفى الصدر التعليميّ بالبصرة، وأكَّد أمام الصحافة بالمستشفى: أنَّ حكومة بلاده تشيد بما قدَّمه الحشد الشعبي من جُهدٍ إلى جانب الجيش العراقي في تحرير المدن والمناطق العراقية من سيطرة تنظيم “داعش”. وأضاف: بأنَّ الحكومة الأمريكية لا تضع أي فيتو على مشاركة الحشد بتحرير الموصل من “داعش”، وأن الأمر متروك للحكومة العراقيّة.[4].
وفي حين يقوم التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بتوجيه الضربات الجوية على تنظيم “داعش” في العراق تتقدم قوات الجيش العراقي و”الحشد الشعبي” في مناطق السُّنة تحت ستار “التحرير”. فمنذ تشكله في عام 2014م شارك “الحشد الشعبي” في القتال في مناطق عدة لسنة العراق، كالفلوجة، والرمادي، وبيجي، وصلاح الدين، وسامراء، وغيرها. وهو حاضر بقوة اليوم في حصار مدينة الموصل، أكبر حواضر السنة في العراق، منذ 17 أكتوبر (2016م).
وتُتَّهم قوات “الحشد الشعبي” الشيعية بأعمال إجرامية وقتل وتعذيب وتهجير ونهب وإذلال بحق السُّنة. وقد نسب هذه الأعمال معترفا بوقوعها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لميليشيات وصفها بـ”الوقحة” تعمل بمعية “الحشد الشعبي”، دون أن يسميها!
وذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقارير لها تعرض المناطق السُّنية إلى انتهاكات يَرقَى بعضُها إلى جرائِم حَربٍ. وأضافت أنَّ بعضَ المناطق تَعرَّضت إلى هجمات تبدو وكأنها جزءٌ مِن حملةِ تشُّنها المليشيات لتهجير السكان من المناطق السنية والمختلطة[5].
وسبق أن شهد الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “ديفيد بتريوس”، على أفعال الحسد، فقال في تصريح لصحيفة “واشنطن بوست”: إن ميليشيات “الحشد الشعبي” المدعومة من إيران سوف تشكل خطرا على العراق أكثر من تنظيم “داعش” الإرهابي.
وقال: إن هذه المليشيات “تقوم بفظاعات ضد المدنيين السُّنة”؛ مشيراً إلى ضرورة خَلقِ قُوَّاتٍ سُنيَّةٍ منَاوئَةٍ لداعش، ووَقفِ تجاوزاتِ الميليشيات الشيعية بحق المواطنين السُّنة التي تزيد مِن حدَّة التوتر الطائفي في البلاد[6].
وشدد بتريوس على خطورة الميليشيات الشيعية التي تحارب في الصفوف الأولى ضد تنظيم “داعش”، وعبَّر عن تخوفه من قيامها بعمليات تطهير طائفي، وتهجير السنة من مناطقهم[7].
كما سبق أن حذر مسؤولون خليجيون من “الحشد الشعبي” باعتباره منظمة إرهابية لا تقل سوء عن تنظيم “داعش”.
وتشير كثير من الصحف العربية والعالمية والمنظمات الدولية إلى أنَّ “الحشد الشعبي” قام بعمليات نهب وإحراق الممتلكات؛ بعد دخول عدة مدن مِن قِبلِ الجيش العراقي المدعوم جوياً من الولايات المتحدة. وبذلك تظل يد القوات النظامية الرسمية مبرأة مما يرتكبه “الحشد الشعبي”.
وتزخر المواقع الإلكتروني بمقاطع الفيديو والصور التي تشير إلى جرائم الحشد ووحشيته وأعمال العنف التي يرتكبها بشكل طائفي ضد السُّنة. والتوجه نحو ترسيم هذه القوات يهدف إلى تطهيرها وتحصينها قانونيا وتوفير غطاء رسمي لها يمنحها المزيد من الحضور والتأثير. وهو الأمر ذاته الذي تريد الأمم المتحدة أن تلعبه في اليمن بإبقاء قوات الحوثيين في اليمن كجزء من منظومة الجيش والأمن والمليشيات الطائفية المرسمة قانونا.. (مركز التأصيل للدراسات والبحوث)
ـــــــــــــــــــــــــ
[1] موزعين على عدة مكونات، من أهمها: منظمة بدر، والتيار الصدري، وحزب الدعوة، والمجلس الإسلامي الأعلى، وحزب الله العراقي، والمرجعيات الشيعية المختلفة.
[2] فتوى أطلقها المرجع الشيعي الأعلى في العراق، في 10 يونيو 2014م، للتطوع من أجل القتال مع قوات حكومة نوري المالكي ضد من وصفتهم بالإرهابيين والدواعش. يذكر أن السيستاني من مواليد مدينة ارشاد بإيران، في عام 1930م، وأصبح أعلى مرجع ديني شيعي في العراق في عام 1992م.
[3] موقع مركز أنباء الأمم المتحدة على الإنترنت باللغة العربية، في 22/7/2015م:
http://www.un.org/arabic/news/story.asp?NewsID=24095&Kw1=عراق&Kw2=&Kw3=#.VbPp_vmqqko
[4] انظر: ووكر لجرحى الحشد الشعبي: الولايات المتحدة تقدر جهودكم، موقع قناة الحرة، في 12/3/2016م:
http://www.alhurra.com/content/iraq-american-/297923.html
زيارة غير مسبوقة للقنصل الأمريكي بالبصرة لجرحى الحشد، موقع الجزيرة، في 14/3/2016م:
http://www.aljazeera.net/news/arabic/2016/3/14/
[5] العراق: المليشيات تُصعّد من انتهاكات قد يرقى بعضها إلى جرائم الحرب. اطلع عليه بتاريخ 2015-03-04.
[6] بتريوس: الحشد الشعبي أخطر من داعش بالعراق، سكاي نيوز عربية، في 20/3/2015م.
[7] جنرال أمريكي: ميليشيات إيران أخطر من داعش، العربية نت، في 21/3/2015م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *