كثير من نشطاء “الحركة الأمازيغية” المارقة التي بات همها النفخ في رماد الفتنة المنتنة؛ وإحياء النعرات الجاهلية باسم الأصل والأصيل والتراث وحق الأقليات؛ وكذبة تقرير المصير وفضيحة شد الرحال إلى بلاد الهيكل المزعوم؛ ومغازلة الصهيونية بسراب الاشتراك في معاناة العاربة والمستعربة، كثير من هؤلاء يصدق عليهم قول القائل “يأكلون من خيرها وينيبون لغيرها”!!
فقد لا يخفى على كل عدل منصف أن جمهور هؤلاء “الأمازيغ النشطاء” يمتهنون مهنة المحاماة وهي مهنة -بعد فضل الله ومنته- قد أطعمتهم من جوع وآمنتهم من خوف؛ وأسكنتهم المغاني المحروسة بالكلاب المهجنة والمدربة؛ وأركبتهم عربات الدفع الرباعي؛ ونقلت أحلامهم وآفاق تطلعاتهم من محيط (المغرب غير النافع) إلى شريط مغرب الاقتصاد والسياسة والسياحة.
وليس الكلام في هذا السياق من باب المن والمزايدة فالمنان هو الله ولكن الكلام ذكرى لمن ألقى السمع وهو شهيد؛ إذ لا يختلف اثنان عن كون هذا الجمهور الأمازيغي السالف الذكر لم يفكر مرة بل لم يجرأ أن يترافع أمام هيئة قضائية في بساط جغرافية فضاء تامزغا بلهجته الأمازيغية، ولا فكر يوما أن يحرر مقالات مرافعاته بحرفه الفينيقي الذي يريد اليوم أن يفرضه -وقد فرضه- على مناهجنا الدراسية التي تعيش أزمة التداعي؛ فزادها هلاكها وإفسادا بهذا الحرف اللقيط والمتكفل به بمباركة مبدعي الظهير البربري الآثم.
حري بهذا الأمازيغي الحداثي المعاصر؛ الذي أصبح يجيد التعامل مع ربطة العنق؛ أن يشكر لتلك اللغة التي لا يتورع أن يصفها بالخشبية وأن ينسبها إلى مستعمر عربي غاشم، حري به إن كان ذا حياء ومروءة ألا يتطاول على لغة أدخلته وحضارته إلى التاريخ؛ بل ورفعت من كيل وزنه في سوق الإنسانية والكونية، حيث شريعة الغاب يأكل في مدنيتها القوي الضعيف؛ ويبيد جنسه وأصله ويفعل هذا القوي المارد في هذه البيئة العفنة ما يحلو له ويطيب دون رقيب ولا حسيب..
فهو إن شاء ألحد؛ وإن رغب فجر؛ وإن أحب تعرى؛ وإن تمنى شطط.. كل ذلك وأكثر باسم الحرية الشخصية والحداثة والعلمانية والفن والإبداع وبكل اسم غير اسم الإسلام فقط ولا نزيد العروبة ولا القومية إذ نحن قوم بعربيتنا وعروبتنا نعلم أننا كنا على شرٍّ وجاهلية فمنّ الله علينا بهذا الدين العظيم فأعزنا الله به ورفع سهم كينونتنا بين الأمم.
لكننا لم نفصل ظله ولم نحتكر فيئه لنا وعلينا؛ بل أفضنا من خيره على كل راغب في الاحتماء بعدله وتذوق فضله حتى أن أسلافنا رضي الله عنهم أجمعين كانوا يأتون بالناس في أغلال ليدخلوا الجنة؛ فنحن ولا فخر أعلم الناس بالحق وأرحمهم بالخلق.
لكننا وقد أكمل الدهر دورته صرنا عند عصيد وأمثاله من نافخي رماد الفتنة محتلين أجانب! غاصبي أرض وعرض! فيا ليت شعري كيف يسكت الشرفاء والوطنيون الأحرار وصناع الهيكلة والإصلاح الديني عن مثل هذا الهراء والبهتان، وهذا العقد التأسيسي للدولة المغربية شاهد على أن مؤسسها لم يأتي معربدا فوق دبابة، ولم يحل بجغرافية تامزغا قائدا لجيش جرار، بل العقد تقول بنوده أن الرجل جاء أعزلا مجردا عن السهم والسيف والسنام؛ اللهم من ضميمة الانتماء إلى أشرف عثرة وأطهر بيت؛ وعلى هذا وبهذا الامتياز تمت المصاهرة؛ وانعقدت البيعة؛ وحصل الولاء؛ وأطفئت نار المجوسية ولهيبها المعبود؛ وكسرت صنمية الصليب؛ وتداعت جدران الهياكل والمعابد؛ وانتقل الإنسان الذي كان له السبق غير الحضاري في العيش بهذه الأرض التي لا تخلو أن تكون في ملكية الهو وحده لا شريك له؛ إلى توحيد وعبادة رب الأرض ملك الناس وإله الناس.
فأين الخلل بعد هذا الامتياز، وما الضير في هذا الانخراط الموعود بتحقيق الزحزحة المنشودة والإدخال المبارك والمزيد الذي ليس فوقه ولا بعده مزيد، مزيد النظر إلى وجه الله الكريم ولكن هذا على شرفه وفضله وكمال وعده قد لا ينال عتبة أن يكون من موقظات الفطرة ومحركات القلوب، إذ إن عصيد وأمثاله من القلة الأمازيغية العلمانية قد لا تعنيهم هذه الحقائق، ولا تشبع آمالهم المريضة، ولا ترد أبصارهم المغشي عليها التي أرجعوها الكرة والكرتين فلم تعد إلا بالخسئ والخسران المبين.
وقولنا القلة الأمازيغية ليس مبعثه سوء تقدير؛ وخطأ تبرير، ولكنها معطيات ديمقراطية عصيد وجوقته المأجورة؛ تلك المعطيات التي فصلت المجمل؛ وقيدت المطلق؛ وخصصت العام الذي تختبئ وراء أكمته هذه الثلة السافرة والقلة الفاجرة، معطيات تصويت الأمازيغ الوطنيين الأحرار عن حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية المحرك الأول والأخير والدافع الرئيسي دون مزايدات الرسم والعرض في اختيار النواب الإسلاميين، إنها والله معطيات تشرح بالمحسوس والملموس أن الأفكار الدخيلة لا تعمر في نفوس الأشراف ولا حتى المغرر بهم طويلا، فسرعان ما يلفظها الجسد المتراص بعد تجرعها واجترارها إلى جبانة الصرف الصحي.
إنها معطيات حري بمن وقف عندها ولو قليلا أن يصنع لآل عصيد طعاما تأبينا في وفاة فكرهم، واستشرافا لإتيان ما يكلم قلوبهم، وتقرُّ به أفئدة الموحدين من أمثال فقيد الأمة الإسلامية علامة المغرب المختار السوسي؛ ذلك الفقيه السلفي الذي خدم دينه ولغة انتسابه، ليس فضلا وتفضلا ولكن واجبا وفريضة لعلمه بأن الأمر بالإسلام أمر بلازمه من الاعتناء بلغة القرآن؛ والذود عن حياض معالمها اللغوية ومقوماتها البديعية.
ومن أمثال الداعية الإسلامي الذي ينضح لسانه بما حواه جنانه من الغيرة على حمى هذا الدين العظيم، ذلك هو الداعية الإسلامي عبد الله نهاري، ولعل ذكرنا لهذين العلمين ليس من باب الحصر ولا القصر فأرحام المؤمنات وكما كانت ولاّدة لم تزل إلى اليوم منبتا خصبا يجود علينا كل فينة بمن يجدد لهذا الدين أمره، وينقي ثوب محجته البيضاء من شوائب الدرن والدنس.
ولكن ذكرناهما لأن هذا الرويبضة عصيد تناول في عموده المدخون هذين الهرمين بتخرصات نقده وفيوض كمده وكيده، وأنى لسحر الكلمة أن ينال من ثوابت العقيدة الراسخة في الوجدان والجنان، وأنى لحطب الليل أن يصمد مفاضلة أمام جني النهار، فشتان شتان بين فكر يستقي رحيقه من قال الله قال رسوله، وبين تخرصات أذهان مريضة تريد أن تبني بنيانها الضرار على شفا الجرف الهار، بل وتريد أن تقصم ظهر الأخوة في الدين بين العربي المسلم والأمازيغي المسلم؛ الذي صنع جيله الأول أركان البيعة الشرعية،واليوم يتطاول عليها بعض أفراخ الفكر الاستغرابي المهجن.
أولئك المساكين الذين يريدون أن يهدموا جبال تهامة بمعاول من هشيم ووكالة من جحيم، سيعلمون بعد فوات الأوان أي حبل ذلك الذي كانوا يعضون على أطرافه ويحركونه ليصنعوا منه دائرة السوء، أكان خيطا من دخان أو حبلا من مسد، ونحن بعمد وقصد طوية نسأل:
من الذي يدبر اليوم وينبش في رغام جبانة النعرة المنتنة؟
والإجابة واضحة هي: أن الغرب هو المقرر والمدبر، وأما هذه الغرانيق المنفوسة التي تتحرك اليوم بحرية وجراءة تتأبط شر مطالبها؛ وتريد على حين غفلة أن تستل سيف غدرها من غمد حقدها وكمدها الدفين؛ هي مجرد دمى وكراكيز تحركها الأنامل البيضاء لمستعمر الأمس، ذلك الكيان الغاصب المتربص الذي هو اليوم وقبله يعيش محنة ضلالته؛ وجوع مأساته، مأساة تأليهه لطاغوتية إنسانيته ذلك البديل الحداثي عن صرف مألوهيته لفاطر السماوات والأرض، مدبر الأمر والقدر؛ خالق كل شيء الله سبحانه وتعالى.
فإذا ما نادى منادٍ منهم غاية نداءه صرف رمي الاتهام عن نحر فكره وجوهر تبعيته المأجورة؛ بهتناه بتجليات فكره؛ وتمثلات تحركاته. وبعد هذا وذاك سألناه عن مصادر تمويل برامجه المدخونة؛ وعن سر هذه الحصانة التي جعلته يفرقع ويقعقع آناء الليل وأطراف النهار؛ ثم ذكرناه وفي الذكرى عبرة وموعظة لمن كان له سمع وبصر؛ عن رحلات الشتاء والصيف إلى أرض الوقف الإسلامي فلسطين المغصوبة بعين الشرع؛ و”إسرائيل” دولة الحقوق بعين الحداثة والمروق.