من آثار الإيمان بأسماء الله تعالى: الغفور، الغافر والغفّار ناصر عبد الغفور

 

– مغفرة الله تعالى للشرك مقيدة بالتوبة وغيره داخل في مشيئته سبحانه:

قال الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ” النساء:48، وقال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” الزمر:53، فالآية الأولى مقيدة للثانية أو أن الشرك المذكور في الأولى داخل في الثانية -جميعا- لكن بشرط التوبة، فالشرك ذنب لا يغتفر إلا إذا تاب منه صاحبه، أما إن مات مصرا عليه فمأواه النار وبئس القرار، كما قال العزيز الجبار: “إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار” المائدة:72.

والله تعالى لما فتح باب الرجاء لعباده ونهاهم عن القنوط وأخبرهم أنه يغفر جميع الذنوب، أمرهم بالتوبة ورغبهم في الإنابة فقال جل شأنه وتقدس اسمه: “وأنيبوا إلى ربكم…”: و”هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر. ولا يصح حمل هذه الآية على غير توبة؛ لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه”([1]).

يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: “ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما أسباب إن لم يأت بها العبد، فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة، أعظمها وأجلها، بل لا سبب لها غيره، الإنابة إلى اللّه تعالى بالتوبة النصوح، والدعاء والتضرع والتأله والتعبد، فهلم إلى هذا السبب الأجل، والطريق الأعظم.

ولهذا أمر تعالى بالإنابة إليه، والمبادرة إليها فقال: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} بقلوبكم {وَأَسْلِمُوا لَهُ} بجوارحكم”([2]).

عن ابن عباس -رضي الله عنهما-؛ أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا. فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة. فنزل: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68]، ونزل [قوله]: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}([3]).

لكن إن مات المسلم دون توبة([4]) فإنه يكون في مشيئة الله جل في علاه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، وهذا هو الحق الذي عليه أهل سواء السبيل من أهل السنة والجماعة ويعضده الدليل، خلافا للخوارج والمعتزلة المعارضين للتنزيل.

6- مجاهدة النفس للاتصاف بالغفران في حق من أخطأ في حقه من بني الإنسان:

فكما يحب العبد ويرجو ويطمع في مغفرة الله له ومقابلة زلاته ومعاصيه بالمغفرة والستر، فعليه أن يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعامل به.

ولعل من أروع الأمثلة على ما ذكرت قصة أبي بكر رضي الله عنه مع مسطح رضي الله عنه، فعن عائشة رضي الله عنها: “وكان الذي يتكلم به -أي بالإفك- مسطح وحسان بن ثابت… وحلف أبو بكر ألا ينفع مسطحًا بنافعة أبدًا، فأنزل الله: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إلى آخر الآية، يعني: أبا بكر، {وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ} يعني: مسطحا، إلى قوله: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}([5]) [النور:22]. فقال أبو بكر: بلى والله يا رَبّنا، إنا لنُحِبّ أن تغفر لنا وعاد له بما كان يصنع”([6]).

“أي كما تحبون عفو الله عن ذنوبكم فكذلك اغفروا لمن دونكم؛ وينظر إلى هذا المعنى قوله عليه السلام: “من لا يرحم لا يرحم”([7]).

فالله تعالى وعد أبا بكر رضي الله عنه بالمغفرة والصفح إن هو غفر لمسطح وصفح عنه، والحكم ليس خاصا به وإنما هو عام فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معلوم.

 

“{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } إذا عاملتم عبيده، بالعفو والصفح، عاملكم بذلك…وفي هذه الآية دليل على …الحث على العفو والصفح، ولو جرى عليه ما جرى من أهل الجرائم”([8]).

“فمن غفر للناس غفر الله له ومن تجاوز عنهم تجاوز الله عنه والجزاء من جنس العمل.

عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ارحموا ترحموا واغفروا يغفر الله لكم”([9]).

———————————————————–

 

([1]) تفسير ابن كثير: 7/106.

([2]) تيسير الرحمن: 727.

([3]) متفق عليه.

([4]) من أي معصية ما عدى الشرك.

([5]) “قال عبد الله بن المبارك : هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى”-الجامع للقرطبي:12/207.

([6]) صحيح البخاري ، كتاب التفسير:” بَاب { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ… }

([7]) جامع الأحكام: 12/208.

([8]) تيسير الرحمن: 563.

([9]) النور الأسنى للشيخ أمين الأنصاري : ص 191، والحديث صححه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة تحت رقم:482، ونصه:” ارحموا ترحموا واغفروا يغفر الله لكم وويل لقماع القول وويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *