خطى كثيرة تمر عبر الطريق، ما تلبث الريح أن تخفيها، وبصمات كثيرة على المواقف والأشياء، ما تلبث الايام أن تمحوها، لكن بصمة لأناس بذواتهم لا تمحى عبر الايام، تضىء الدروب، وتقود الركب.
وبالطبع فإن كثيرين يبتغون ألا تمحى بصماتهم، وأن يتركوا بصمة مؤثرة عبر الايام، غالب هؤلاء يغفل أو يتوه أو يكسل أو يضل الطريق، فتمر به الأيام تلو الأيام، فينظر لميراث الزمن الفائت، فتصيبه الحسرة والندامة ..
وحتى لا تصيبنا تلك الحسرة تعال بنا نلفت النظر إلى عدة نقاط ..
فقد تكون ذكيا، أو صاحب قدرات كبيرة، لكن مجتمعك الذي يحيط بك لا يهتم بالأذكياء ولا بأصحاب القدرات المتميزة، فماذا تفعل عندئذ؟ هل تتوه مع التائهين؟ أم هل تنكسر وترضى بالدون من الإنجاز؟!
كلا، بل يجب عليك أن تقيم نفسك بنفسك، وتدفع ذاتك بذاتك، مستعينا بالله سبحانه، مستعيذا من الهم والكسل والعجز والركون والبخل، وتبدأ في صناعة هدفك وبناء إبداعك وفكرتك .
وقد تتعرض لمشكلة ما، فيصيبك الهم، فترى نفسك قد ركنت واستسلمت لآلامها، فزادت ساعات نومك، وخبأت رأسك رافضا القيام من سريرك، كارها لنور الصباح !
إن حل المشكلة يا صديقي لا يمكن أن يكون بالهروب منها، بل إن أول الحلول هو مواجهة مشكلتك بكل صدق وشفافية، وأن تحدث نفسك بكل الصورة، وأن تبدأ بإيجابية في حل خيوطها والسعي نحوها مستعينا بالله سبحانه .
كذلك يجب أن تتذكر أن هناك بعدا ثالثا لكل مشكلة فلا تترك نفسك أسير الحلين المعروضين لها، إما يمنة وإما يسرة !
وقد تكون ممن يبدأ في الإنجازات ثم يسكن أو ينقطع مع أول معوق يواجهه، فتمر به الأيام، ثم يحاول مرة أخرى فيسير قليلا، ثم ينقطع مرة ثانية وهكذا ثالثة ورابعة …ويظل هكذا طوال حياته ..!
إن الحل الأمثل في ذلك أن يرغم نفسه على أن يختار من الإنجازات ما كان سهلا يسيرا في أول الأمر، ثم يتدرج معه كلما أنهاه، وأن يعود نفسه الاستمرارية، حتى لو قلت إنجازاته، لكنه مستمر في الإنجازات، وهي نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» أبو داود.
وقد تكون ممن يميل شقه، بحيث يحمل على نفسه في جانب من جوانب حياته على حساب جوانب أخرى، كمن فضل أبناءه وأهمل نفسه، أو كمن اهتم بزوجته وترك أمه ..أو كمن بالغ في عمله وأغفل العلم والتعلم… وهكذا.
فإن الآثار الإيجابية لا يمكن أن تتولد إلا من شخصية متوازنة مستقيمة، فلئن داومت أن تكون جوانبك مائلة فلن تستطيع الإنجاز في أي شق منها، ولو أنجزت فيها ستستشعر التقصير المؤلم في الجوانب الأخرى ..
إن البصمة الناجحة هي التي تقوم على المبادئ الثابتة، التي لا تتبدل بتبدل المواقف والظروف، ولا تغيب مع مغيب المصلحة، بل تستصحب اليقين بالله والتوكل عليه .
وحين يريد المرء أن يترك بصمته الثابتة على مبادئه، لابد أن يستوضح أهدافه، ويحسن صياغتها، ويراها رؤية واضحة، كي يستطيع السير إليها بلا تردد أو تكاسل .
إن صاحب البصمة يرتب أولوياته الحياتية ترتيبا صائبا، بحيث يضع جهده في مكانه الصائب، فلا يهدر وقتا ولا عملا، يقول الغزالي في الإحياء: «وربما يحرصون على إنفاق المال في الحج، فيحجون مرة بعد أخرى، وربما تركوا جيرانهم جياعا، وفرقة أخرى يشتغلون بالعبادات البدنية، كصيام النهار، وإنما حال هذا إطعام الجياع فهو أفضل له من تجويع نفسه».
وصاحب البصمة دائما لا يكتفي بتقليد غيره، بل هو لا يفعل ذلك أصلا، إنما هو مبدع متفنن، مبادر متجدد، معتمد على نتائج العلم وآثاره، غير منغلق في التفكير. كما أنه ليس يربط نفسه ولا حياته ولا عمله بأشخاص ولا مجموعات، بل يصنع نجاحه بنفسه، ويدع الارتباط بالأشخاص مهما كانوا، فارا من الأسر النفسي وتكرار الخطأ.