مأساة المغرب (ثورة الملك والشعب) إدريس كرم

 

تقديم للمقدمة:

يقول مؤلف كتاب “le drame du maroc” بول بيتين نقيب المحامين الفرنسيين بمكناس سنة 1954 في ثنايا كتابه:

“لا يمكن البحث في معرفة المغرب من غير الوقوف على ماضيه الذي ليس هو بالماضي الميت وإنما هو ماض حي على الدوام، والواجهة العصرية التي ألصقتها فرنسا عليه منذ 1912 لم تستطع قتل كلما وجدته به، لذلك فماضيه حاضر باستمرار.

وإذا كان الفرنسيون يقولون بأننا حسنوا النية عازمون على أن نقود المغاربة نحو استكشاف مفتاح الحياة الجديدة بعدما جعلناهم يفقدون مفتاح حياتهم التقليدية التي كانوا عليها، والذي بقي هو نفسه يفتح باب نفس الحياة على مدى العصور، معتبرين ذلك من أولويات مهامنا لتحقيق اقتراب أكثر بين المغرب والغرب الأوربي.

وفي هذا الإطار تدفق الفرنسيون على المغرب بعد نداء ليوطي سنة 1918 بالالتحاق به في إمبراطورية الغنى الشريفة، فانتقلوا من بضعة أفراد قبل 1912 إلى 350000 سنة تأليف الكتاب، يمتلكون ما بين 800000 إلى 1000000 هكتار من أجود الأراضي، كلها تتوفر على الماء والكهرباء والطرق.

(فماذا عن ساكني المدن الجديدة المعدة خصيصا للأروبيين الممنوعة عن المغاربة) والتي تنموا كل يوم حيث تضم الدار البيضاء 175000 والرباط 40000 ومكناس 25000 وفاس 15000 ومراكش 10000.

هؤلاء الفرنسيون سلم ممثلوهم مذكرة باليد لرئيس الجمهورية الفرنسية في دجنبر 1952 يطلبون فيها عزل السلطان محمد بن يوسف، وقد اعتبر الرسميون بان أثر ذلك سينتهي في ثلاثة أشهر، بل ذهبت جريدة لفيجي ماروكان الصادرة بالدار البيضاء في 23/8/1953 بأنه سينتهي بعد ثلاثة أيام من العزل.

فماذا فعل السلطان ليعزل؟

يقولون بأنهم يريدون عزله لـ:

غموض موقفه من حزب الاستقلال، ورفضه مقترحات الفرنسيين في قبول السيادة المشتركة،

مطالبته منذ 1944 بإصلاحات سياسية،

تبنيه مطالب المغاربة المقدمة قبل20 غشت 1950، وهي:

– إلغاء الاعتقالات التحكمية

– تعديل اتفاق الحماية

– توسيع المشاركة في الإدارة

– سياسة عادلة لخدمة مصالح المغاربة

هذه أهم مرتكزات الكتاب الذي نقوم بترجمة مقدمته التي تتطرق لحقيقة ما سمته الدراما المغربية التي لا تزيد على قتل حضارة من أجل إقامة سياحة في غرائب حطامها.

نص المقدمة:

يمر المغرب بأزمة خطيرة تنفلت أسبابها الجدرية من سكانها بشكل أو بآخر سواء كانوا مغاربة أو فرنسيين، وتشير المحاضر الرسمية إلى أن هذا الغموض كبير في باريس كما هو في الرباط.

نحن نشعر بإحراج مؤلم وانزعاج معين عند سماع خطاب -الله وحده أعلم بكنهه- يحيي الصداقة الفرنسية المغربية بتعويذة تظهر أنها ستضع حدا لهذه الأزمة.

منذ عشرين سنة، بل منذ خمس وعشرين سنة تكرر نفس الصيغ النمطية الفارغة المحتوى والمضمون البائس، فمنذ عشرين سنة بل خمس وعشرين سنة والوضع يتدهور أكثر فأكثر وإن بشكل بطيء كل يوم.

عندما ظهر الإرهاب بعد انقلاب 20 غشت 1953 كانت الأطروحة الرسمية مرة أخرى هي الصداقة الفرنسية المغربية التي لا يستطيع حفنة من المحرضين تقويضها، بيد أن الإرهاب مستمر والأخطر من ذلك بكثير المعارضة الصامتة لشعب بأكمله للسياسة التي نريد فرضها عليه.

من الصعب تحليل أسباب الدراما المغربية، الرجل في الشارع حتى ولو كان يعمل بكفاءة يجد صعوبة في اكتشافها.

أود في هذه المقدمة القصيرة أن ألقي لمسة أصبع عن هذه الصعوبة وشرحها بنفس ما حاولت به القيام في هذا الكتاب الجديد عن المغرب الذي جاء بعد ما نشر غيري كثير من الكتب في الموضوع المغربي.

نحن جميعا نسكن المغرب نحن في هذه الدراما في نفس الوقت الشهود والممثلين والضحايا، نحن شهود لمجرد وجودنا، نحن ممثلون لأن الدراما ترجع -بعد ذلك- إلى أسس التعايش على هذه الأرض بين الفرنسيين والمغاربة، وهكذا فكل فرنسي وكل مغربي بغض النظر عن رتبته الاجتماعية وقدراته الشخصية وخياراته السياسية أو الفلسفية، هو بلا شك مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدراما التي سأقول بأنها تتكشف لنا ونحن في نفس الوقت ضحاياها وهذا لا يعني أن كل واحد منا يواجه خطر الوقوع تحت رصاص إرهابي.

ضحايا الإرهاب أقل بكثير من حوادث السيارات لكن المجتمع المغربي في حالة اختلال تام في التوازن، أما بالنسبة للفرنسيين فهم يعانون من الأجواء المؤلمة من المناخ النفسي والاجتماعي، إنهم قلقون على مستقبلهم متسائلين إلى أي مدى هو مضمون، وهل هناك أحداث غير متوقعة مع عواقب لا تقل خطورة يمكن التنبؤ بها والتي قد تظهر فجأة أمامهم لتغير بشكل أو آخر مسار وجودهم.

كونك شاهدا أو فاعلا أو ضحية فهذا لا يؤهلك للقيام بتحليل أوضح للأحداث وإصدار حكم موضوعي.

نحن نعيش الأحداث يوما بيوم نحن لا نعرفهم جيدا، خدعتهم الروايات المزيفة المقدمة لنا، وليس لنا الوقت ولا الوسائل لا إمكانيات البحث عن معرفة ما يجري.

السبب الثاني هو أننا نومن بأننا أحرار في أحكامنا، بينما في الواقع نحن أسرى عن كثب في الدوائر الاجتماعية التي ننتمي لها، لقد تبنت هذه الدوائر عددا من البديهيات، مترجمة لشعارات حول كل المشكلات التي نتصدى لها، هذه البديهيات، هذه الشعارات لها قوة القانون.

كل من يحاول التغلب عليها وتطبيق حسه النقدي عليها وسؤال نفسه عن الحقيقة وكشف القناع عنها ينبذ من محيطه، ويصير مخطئا لأنه يعلن كذب حقيقة معترف بها على هذا النحو من قبل كجميع الأتباع، لذلك يصبح الأمر “خطيرا” من هناك إلى التصريح بأنه “فرنسي سيء” هذه مجرد خطوة سريعة.

قال لي أحد زملائي ذات يوم “إنك تنتمي لمجموعة الفرنسيين في المغرب، ولا يحق لك التفكير بخلافهم”، وهذا يعني بالنسبة لهم الكلام الصحيح، أخلاق العشيرة أو العشيرة البدائية، هذه الشعارات تهيننا إنها لا تؤثر على الفكر الفرنسي فقط بل هي نفي للفكر ذاته.

لكن الحقيقة أن الفرنسيين قد نطقوا بها، واعترفوا بها، فهي تعكس فرنسا، القول للمغاربة بأنهم لا يصلحون لشيء، وإبعادهم لهذا السبب عن المناصب المهمة ووصفهم بصفات يرفض القلم الصادق كتابتها ليست هي العلامة الوحيدة المحددة للذكاء المستنير.

سألت ذات مرة إحدى قريباتي؛ لماذا الإدارة العليا للحماية ترفض إعطاء مراكز للمغاربة المتخرجين من كلياتنا؟ ردت علي ساخرة بقولها: إن هؤلاء المثقفين مجرد مبيضي أوراق عديمة الفائدة، لقد نسيت ببساطة أن زوجها كان في نفس الوضعية علاوة على ذلك أنه خريج مدرسة عليا.

في الحقيقة الشعار لا يجعل الحكم صعبا فقط بل يجعله مستحيلا بل يقضي عليه يقتله، دعنا نقول بأن الكثير من الفرنسيين في المغرب هم الضحايا الذين خرج منهم هذا الشعار، فلهذه الأسباب التي تخصنا، يجب أن نظيف لها أسبابا أخرى أصلها بين شركائنا المغاربة، إن تحليل الحالات الذهنية.

وتيارات الأفكار التي تحركها وتهيجها يصطدم بعقبة غالبا ما تكون هي المراقبين غير المطلعين

أريد أن أتحدث عن هذا الشعور الذي يسمى احشومة وهي كلمة غير قابلة للترجمة للفرنسية تعني في نفس الوقت: العار، التواضع، التحفظ، هذا هو أحد الجوانب الأكثر حساسية في الأدب المغربي الرائع، احشومة لإبن أن يدخن أمام أبيه، لعضو في جماعة لا يحترم تقاليده، وعاداته، لمسلم يتحدث مع أوربي بالعربية ويحاول أن يصحح له أخطاءه، لأن ذلك من شأنه إشعار محدثة بالدونية والتقليل من قيمته.

ومن الحشومة أيضا السماح بعدم موافقته على فكرة مطروحة أو وجهة نظر عبر عنها محاور بشكل علني للغاية لفضح رأي يعرف المرء أنه يختلف عن رأيه، يتعارض معه، لأن ذلك سيعني إجباره على الاعتراف بأن كلامه ليس صحيحا.

كل سياسة صعبة خاصة الممارسة في بلاد المغرب، لأنه أحيانا الجيد من الموظفين يكون مقتنعا بأن أفعاله تحظى بموافقة أحاسيس مرؤوسيه، في حين أنه في الواقع يثير غضبهم بشكل سيادي، وليس هناك طريقة للقبول بها في داخلهم، لكن سيكون احشومة تركها تظهر حتى يحين اليوم الذي سنتفجر فيه.

لقد أتيحت لي فرصة جمع بعض الأسرار من المغاربة الذين يعيشون في المناطق السكنية حيث تم قبولهم بها، لأنهم كانوا يعتبرون (مأمونة الجانب)، وأنه يمكننا (الاعتماد عليهم) (لقد كانوا أصدقاء مخلصين لفرنسا).

يتبع في العدد القادم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *