كثر الخبث بلا شك وصار مستساغا، وتطبع معه البشر وأصبح إلفا مألوفا من بديهيات الحياة، ربى فيه الصغير وهرم فيه الكبير، وأضحى أمرا طبيعيا لا يعقل إنكاره، ويتعجب ممن ينكره.
المنكر اليوم ماء عكر له تماسيح تصطاد فيه وهي تحرص على كدره، بل تزيده كدرة حتى يكثر الضحايا والفرائس، وإن أي منكر لفعلهم ومستغرب لشأنهم وصاد عن منهجهم راغب في تنقية المياه وتصفيتها -حتى تصفو الحياةـ يعد منازعا لهم في مصالحهم، وخطرا على مشاريعهم، فوجوده أمر غير مرغوب فيه، ونشاطه تهديد لهم ينبغي قطع دابره في المهد قبل أن ينتفض فيأتي على الأخضر واليابس من منكرات القوم، فيصبحون خبرا بعد أثر، ويكونون مع العامة سواء لا فرق، حين يبصر الناس الحقيقة، فيخر عليهم سقف الفساد الذي بنوه على أركان المنكر.
ينبغي على أهل المنكر أن يسعدوا بالمنكرين لمنكرهم، وأن يحرصوا على وجودهم بجانبهم، وألا يتضايقوا بإنكارهم، فبهم يسلمون من غضب الله، وبهم يرفع عنكم مقت الإله، ولولاهم ما استمرت الحياة، وبغيابهم قامت الساعة وانتهت الدنيا إن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق كما في الحديث.
واعلموا أن غياب فئة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيه ضرر لكم بالدرجة الأولى، سينزل غضب الله ويحل بنا عقابه فلا أنتم تمتعتم بما جمعتم جراء ما نشرتم من فساد ومنكر، ولا الصالحون تمتعوا بما هم عليه من الصلاح، فإن كانتم ولابد مصرين على التمادي في غيكم وضلالكم وإفسادكم ومنكركم فدعوا المصلحين ينهون عن المنكر حتى يدوم لكم ما تريدون، وإلا فإن مما لاشك فيه ولا ريب أنه إذا كثر الخبث -ولا نراه إلا كثر- فإن العقاب نازل لا محالة، كما في حديث زينب رضي الله عنها أنها قالت يا رسول الله: “أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث”.
وقد ورد في الحديث الصالحون وهم خلاف المصلحين، وهكذا أنتم تريدون منا أن نلتزم بشرع الله في أنفسنا، وأن نعبد الله في بيوتنا، هذا إذا أحسنا الظن بكم، بمعنى أن نكون صالحين وأن نسكت حتى لا نكون مصلحين فإن الله قال: “وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً” فإذا حل العذاب اخذ الجميع ويبعث الناس على نياتهم”.
دعوا المصلحين ينكرون منكركم وهم لا يتجاوزن المشروع لهم من الكلام باللسان، والإنكار بالقلب، وإن فيكم من لا يريد حتى من ينكر بقلبه، اتركوهم حتى لا تلحق لعنة الله بالجميع، ويصدق فينا ما صدق على بني إسرائيل في قوله تعالى: “لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبيس ما كان يفعلون”.
إن أقبح قوم هم الذي يفترقون لمقترفي المنكر وآخرون يتفرجون عليهم، أتريدون أن نكون أقبح من على وجه الأرض وتنزل لعنة الله علينا جميعا، ولا أظن إلا أنها نازلة وتأملوا في واقعنا على جميع المستويات كيف حل به النحس ونزل به المقت.
دعوا المصلحين ينكرون منكركم حتى لا تغرق بكم وبهم السفينة وتضيع الحياة على الجميع إذا لم يأخذ العقلاء على يد السفهاء -وما أكثرهم- وتركوهم وما أرادوا.
دعوهم حتى لا يخر السقف على الجميع، ويندم الجميع، ولا تقولوا كما قال قوم لوط لأهل الصلاح “أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون” فلما خرج المصلحون وخلا الجو لأهل المنكر، لم يفرحوا بالحياة فجعل الله القرية عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل.
ولعل هذا ما تريدون لجهلكم وغبائكم فرحمة بأنفسكم دعوا المنكرين للمنكر بالحق جاهرين وللباطل داحرين، ونرجوهم أن لا يسكتوا أو يتلكؤوا حتى لا يطبع الله قلوبهم بقلوبكم كما قال عليه الصلاة والسلام: “لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم تدعوه فلا يستجيب لكم” ولاسيما إذا حل البلاء.
أيها المصلحون لا تملوا من إنكار المنكر حتى إذا حل العذاب نجَّا الله الذين ينهون عن السوء، وأحد الذين ظلموا بعذاب ماحق فتصفو الحياة وتسعد البشرية التي شقيت بهؤلاء المفسدين.