سلسلة شرح أسماء الله الحسنى   اسم الله تعالى البصير ناصر عبد الغفور

 ويتجلى الفرق بين بصر الله جل جلاله وبصر المخلوق في أمور عدة، أذكر منها ما يلي:

أ- بصر الله تعالى من صفاته الذاتية التي لا تنفك عن ذاته سبحانه، فهو لم يزل ولا يزال بصيرا ببصر يليق به سبحانه، أما بصر المخلوق فليس ذاتيا وإنما هو بصر مكتسب، وهو من نعم الله تعالى عليه، كما امتن الله عز وجل عليه في عدة آيات: قال تعالى:” وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”-النحل:78-،” وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ”-المؤمنون:78-،” ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ”-السجدة:9-.

ب- بصر الله تعالى باق ببقائه لا يفنى ولا يبيد، بخلاف بصر الله المخلوق فإنه يفنى بفناء صاحبه وينتهي بانتهائه.

ج- بصر الله تعالى لا يعتريه نقص ولا يلحقه ضعف، بل هو في غاية الكمال منذ الأبد وإلى الأزل، أما المخلوق فبصره ناقص لنقصانه، ومن وجوه هذا النقص:

  • أولها أن هذا البصر كان منعدما لانعدام صاحبه ثم يفنى بفناء صاحبه فيعود منعدما كما كان، وما جاز عليه صفة العدم فلا ريب في نقصانه.
  • أنه يبدأ ضعيفا ثم يرتقي في القوة ثم يعود كما كان ضعيفا، ألا ترى إلى المولود لا شك أنه يبصر لكن هل يميز بين مبصراته؟ لا، يرى لكن بدون تمييز، وكذا الشيخ الهرم يرى لكنه غالبا لا يميز إذا بلغ من العمر أرذله. قال تعالى: “وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا”-النحل:70-“. {يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} أي: أخسه الذي يبلغ به الإنسان إلى ضعف القوى الظاهرة والباطنة حتى العقل الذي هو جوهر الإنسان يزيد ضعفه حتى إنه ينسى ما كان يعلمه، ويصير عقله كعقل الطفل”([1]). ومن قوى الإنسان البصر الذي يلحقه ضعف ظاهر عند شيخوخته وهرمه.
  • أنه قد يلحقه من الأمراض ما يضعفه بل ما قد يؤدي إلى فقدانه فيصاب صاحبه بالعمى بعد إبصار-نسأل الله السلامة والعافية-.
  • أنه بصر محدود، فالإنسان مهما قوي بصره لا يستطيع تجاوز حد معين في النظر. كما أنه يرى ما هو أقرب منه بشكل أقوى مما هو أبعد، بخلاف الله تعالى فإن بصره لا تحده حدود ولا يختلف قوة أو ضعفا باعتبار المسافات.
  • أنه بصر ليس في ملك صاحبه، قال تعالى: “أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ”- يونس:31-، فالبصر ملك لخالقه وهو الله جل في علاه وهو كالعارية عند صاحبه. قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى:” “أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ” أي: من هو الذي خلقهما وهو مالكهما؟ وخصهما بالذكر من باب التنبيه على المفضول بالفاضل، ولكمال شرفهما ونفعهما.”([2])، وقال العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى: “ومعنى: “يملك السمع والأبصار”: يملك التصرف فيهما، وهو مِلك إيجاد تينك الحاستين وذلك استدلال وتذكير بأنفع صنع وأدقه، وقال الشيخ الشعراوي: “والحق سبحانه يملكها؛ لأنه خالقها وهو القادر على أن يصونها، وهو القادر سبحانه على أن يُعَطِّلها”([3]).

وقد أجمل بعض هذه الفروق بين بصر الله وبصر المخلوق الإمام أبو القاسم الأصبهاني، يقول رحمه الله تعالى: “وأما البصير: فهذا الاسم يقع مشتركاً، فيقال: فلان بصير، ولله  المثل الأعلى، والرجل قد يكون صغيراً لا يبصر ولا يميز بالبصر بين الأشياء  المتشاكلة، فإذا عقل أبصر فميز بين الرديء والجيد، وبين الحسن والقبيح، يعطيه الله هذا مدة ثم يسلبه ذلك، فمنهم من يسلبه وهو حي ومنهم من يسلبه بالموت،  والله بصير لم يزل ولا يزول، والخلق إذا نظر إلى ما بين يديه عمي عما خلفه  وعما بعد منه، والله تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة في خفيات مظالم الأرض، فكل ما ذكر مخلوقاً به وصفه بالنكرة، وإذا وصف به ربه وصفه بالمعرفة”([4]).
————————
([1] ) تيسر الرحمن:444.
([2] ) تيسير الرحمن:363.
([3] ) تفسير الشعراوي.
([4] ) الحجة في بيان المحجة:1/113.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *