جورجي زيدان وروايته “شجرة الدر” د. عبد العزيز وصفي

من مميزات التيار الحداثي إعطاؤه “الحاكمة” مواصفات خاصة وحازمة مثل: الدهاء والمكر والجمال وتعيش قصص الحب والغرام والهيام… إلخ لتصل إلى السلطة والانتقام؛ كي تكون “سلطانة المسلمين!!”، وهذا الموقف هو الذي تصوره كل الروايات التي تناولت هذه الشخصية، ومن أقدم من تناولها هو اليسوعي جورجي زيدان والذي أقف معه هنا وقفة تأمل في هذا الموضوع.

ومن هنا أرى من الضروري إعطاء الإخوة والأخوات القرّاء الكرام لمحة عن حياة هذا الشخص وآثاره الشنيعة، وذلك لخطورة أمره؛ لأنه لا يكتب إلاّ في التاريخ الإسلامي والأدب العربي، وقد يقع بعض الناشئة والشباب في شِراك أكاذيبه ومجونه، وخاصة بعد أن يجدوا في منتديات إسلامية مقالات لمسلمين تستدل بأقوال ذلك المأفون!
جرجي زيدان في ميزان النقد:
وأنقل هنا ما لخّصه الدكتور مازن بن عبد القادر المبارك الجزائري في مقاله: “جرجي زيدان وتاريخ الإسلام”، والمنشور بمجلة “المنتدى”، العدد (99):
(أما جرجي زيدان: فهو نصراني من لبنان ولد عام 1861م، اتصل فكريًا بجمعيّة الشبّان المسيحيين التي انتسب إليها.. هاجر إلى مصر وعمل في جريدة “الزمان”، وهي الصحيفة التي سمح لها الإنكليز بالصدور بعد أن عطّلوا صحافة مصر الحرة.
قيل إنه عمل في الاستخبارات البريطانية، ورافق الحملة الإنكليزية إلى السودان. زار إنكلترا ثم عاد إلى مصر وعمل في مجلة “المقتطف” ولم يلبث أن أصبح صاحب مطبعة الهلال وأصدر مجلة الهلال، واهتم كثيراً بالترجمة، ومات سنة 1914م.
وكان اهتمامه فيما ألّف أو ترجم متصلاً بالتاريخ وتاريخ الإسلام، وتاريخ الأدب العربي، واللغة العربية، وهي من الموضوعات التي أثارت وما زالت تثير اهتمام الكثيرين!
ووضع جرجي عددًا من الكتب التاريخية منها: تاريخ التمدن الإسلامي، وتاريخ مصر، وتاريخ إنكلترا، وتاريخ الماسونية.. وغيرها، كما أخرج سلسلة من الروايات بعنوان: “روايات تاريخ الإسلام”، وعُرِفَ عنه أنه كان يُترجم بعض ما في كتب الفرنسيين ويُضيف ما ترجمه إلى كتبه دون إشارة تدل على الترجمة ليُوهم أنه من تأليفه، اتّهمه بذلك صراحة الأب اليسوعي لويس شيخو، وذكر الدكتور أبو خليل أمثلةً تَدُلُّ على ذلك وتُثْبِتُه)( ).
وذَكَرَ الدكتور عمر الدسوقي: أن جرجي زيدان رافق الحملة النيلية إلى السودان سنة 1884م مترجماً بقلم المخابرات، وسُئِلَ الدكتور أحمد الشرباصي عن روايات جرجي زيدان فأجاب: (إن هذه الروايات لا تليق بالمسلم قراءتها؛ لأنها وُضِعَت لتشويه التاريخ الإسلامي وتحريف حوادثه وقلب أموره رأسًا على عقب والنَّيْل من جماله وجلاله.
وكأنما كانت هذه الروايات نتيجة لخطة أريد بها مسخ التاريخ الإسلامي في أنظار أهله… ونجد في هذه الروايات أنّ صاحبها يدُسُّ في كل واحدة منها راهبًا من الرهبان يصوره بصورة البطولة، يدافع عن الحريّات أو يدعو إلى المكرُمات، فإن لم يختلق راهبًا اختلق ديرًا يصوّره على أنه معقل الجنود المسلمين الهاربين، وحصن المجاهدين المطَاردين ..!)( ).
وقد لخّص الدكتور شوقي أبو خليل مجمل محطات حياة هذا الشخص فقال:
(أبرز ما في حياة جرجي أنه:
– أولاً: صَنَعَت شخصيّته المدارس التبشيرية في لبنان.
– ثانيًا : رجل استخبارات بريطانية))( ).
وقال أيضاً: (روايات جرجي زيدان تعمَّدَ فيها التخريب والكذب لأجل تحقير العرب عن سوء قصد لا عن جهل.. تعمّدَ التحريف وتعمّدَ الدسّ والتشويه، وتعمّدَ فساد الاستنباط مع الطعن المدروس!.. لعمالته الأجنبيّة وتعصّبه الديني الذي جعله ينظر إلى تاريخنا العربي الإسلامي وآداب اللغة العربية بعين السخط والحقد؟!))( ).
لقد حقّر جرجي -في ذهنه فقط- أمّتنا، وأظهر مساوئها.. بل ما ترك سيئة صغيرة أو كبيرة إلا وعزاها لأمّتنا، وابتزّ منها كل مَكرُمة.. واستغل الطورانيون، أعداء العرب، مؤلفات جرجي، فترجمت إلى اللغة التركية، للاستعانة بما كتبه في تحقير العرب، وانتقاص مدنيتهم، وغمط حضارتهم، وتفضيل الأعاجم عليهم، فكادوا يولدون بذَمِّ العرب عصبية جديدة.
لقد جعل جرجي العرب غرضاً لسهامه، ودربة لنباله.. يرميهم بكل نقيصة، ومعيبة وشر..
ومن شدّة حقده على الإسلام والمسلمين: أنه لم يترك أحدًا من أعلامهم إلاّ وتناوله بالتشهير والتشويه والطعن، فبدأ برسول الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ بالصحابة والخلفاء والفاتحين.
لقد نذر حياته الخسيسة لتشويه الإسلام ورجاله، وذلك حتى يصرف غير المسلمين عن التفكير بالإسلام والدخول فيه، وليزرع البغضاء في قلوبهم تجاه المسلمين، وما أظنّه كان يحلم أن يأتي يوم تصبح فيه كتبه وكلماته مرجعًا لبعض المسلمين!!

ولعلني في هذا المقام أشير إلى روايته الشهيرة التي يعتمد عليها الأدب النسائي المعاصر اليوم في المغرب وباقي الدول العربية والأجنبية، حتى أصبحت مرجعهم الأساس في النظر إلى أن المرأة كانت حاكمة حكيمة وشخصية قوية في تسيير دواليب الحكم والسياسة، والمقصود روايته “شجرة الدر”، وهي رواية تاريخية، تدخل ضمن سلسلة روايات “تاريخ الإسلام” المحرّف والمشوّه، والقوم يستدلون بها كثيرًا؛ لأنهم وجدوا فيها وبين طياتها ضالتهم الخبيثة ومتنفسهم الوحيد للاستدلال التاريخي، دون أن ينتقدوا ولو جزئية واحدة منها.
فهي مقدسة عندهم رغم ضلالاتها وانحرافاتها الفكرية والتاريخية الكثيرة كما سأقدم، وهذا ديدن الفكر “الأحادي الوجهة”، وهو سمة من سمات الأدب العلماني المكشوف في كل زمان ومكان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *