الخبر
قررت المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة دولية لاعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، بسبب ما نسبته إليه من اتهامات بالضلوع في أعمال إبادة جماعية وجرائم حرب وقعت في إقليم دارفور.
التعليق
كما كان متوقعًا صدر قرار المحكمة الجنائية بإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير، وفي الحقيقة ومنذ الدقيقة الأولى لاندلاع أزمة دارفور وهناك اهتمام دولي مبالغ فيه بالقضية، ومحاولة لتضخيم عدد القتلى والمشردين خلافًا لأزمات أخرى كانت أشد وأعنف، وظل ما يسمى بـ “المجتمع الدولي” في حالة من الصمت حتى تفاقمت بشدة مثل أزمة فلسطين والبوسنة..
لقد طالب الكثيرون ومن بينهم جهات غربية بمحاكمة مسئولين صهاينة على المجازر التي ارتكبوها ومازالوا في حق الشعب الفلسطيني على مدار ستين عامًا، ولم تحرك المؤسسات الدولية ساكنًا، بل اعتذرت الولايات المتحدة مؤخرًا -وهي التي تتزعم حملة التصعيد ضد البشير- عن حضور مؤتمر عن العنصرية لاعتزامه توجيه “بعض اللوم” للكيان الصهيوني عن مجزرته الأخيرة في غزة. وما زاد الريبة أكثر في النوايا الغربية هو موقفها السابق من التمرد الذي اندلع جنوب السودان، ودعمها اللامحدود للحركة الشعبية بقيادة “جون جرانج” وضغطها على السودان للتوصل لاتفاق مع المتمردين قد يؤدي لفصل الجنوب عن بقية البلاد، وذلك إثر سنوات طويلة من المعارك كانت الحركة تتلقى فيها المال والسلاح من الدول الغربية؛ لذا فالأيادي الغربية فيما يتعلق بأعمال التمرد التي تندلع في بعض مناطق السودان ليست بيضاء بل سوداء قاتمة.
الأيادي الصهيونية
أثناء الحوار الذي أجرته الحكومة السودانية مؤخرًا مع فصائل التمرد بدارفور برعاية قطرية؛ في محاولة منها لإنهاء الأزمة بالإقليم وتفويت الفرصة على الغرب للنيل من استقرار البلاد، كان بعض زعماء هذا التمرد يزور “تل أبيب” لتلقي التعليمات، وهو ما نشرته صحيفة “ها آرتس” حيث ذكرت الصحيفة أن “عبد الواحد محمد نور، زعيم فصيل “حركة تحرير السودان” المتمرد في إقليم دارفور طلب من “إسرائيل” دعم مليشياته المقاتلة في مواجهة الجيش السوداني، وأنه زار الكيان والتقى بالجنرال “عاموس جلعاد”، رئيس الأمن السياسي بوزارة الدفاع”، وأشارت الصحيفة إلى أن نور زار “إسرائيل”، برفقة مجموعة من يهود أوروبا، للمشاركة في مؤتمر “هيرتسيليا” السنوي، واعترفت وزارة الدفاع الصهيونية باللقاء وقالت: “من أجل الأمن القومي تمت عدة لقاءات، وليس من سياستنا تقديم ردود بعد كل من هذه اللقاءات”.
كما اعترف المدعو عبد الواحد لاحقًا بالزيارة وتعهد بفتح سفارة “إسرائيلية” في الخرطوم وقنصليات في مختلف أقاليم السودان بمجرد وصوله إلى الحكم، على حد قوله، وهو ما يشير لمخطط صهيوني للاستيلاء على خيرات السودان وما تتمتع به من خصوبة في أراضيها وثروة بترولية وحيوانية كبيرة، مما سيكفل للكيان الصهيوني الاقتراب من منابع النيل والتوغل في إفريقيا.
الموقف العربي
هناك حالة غريبة تعتري الموقف العربي، فرغم مشاعر القلق التي يبديها البعض تجاه القضية وتداعياتها وبعض الجهود المبذولة، إلا أن الأمر لا يخرج عن إطار “سد الخانة” و”إبراء الذمة”، وكأنها مجاملة في عزاء رئيس صديق وانتهى الأمر، في حين أن تأثير الأزمة يتعدى ذلك بمراحل، خصوصًا بالنسبة للدول المجاورة، فالسودان معرض للتقسيم إلى دويلات، واحدة في الجنوب وواحدة في الغرب وأخرى في الشرق؛ على خلفية دعاوى بالاضطهاد الديني أو العرقي، وهو أمر يمكن للقوى الاستعمارية صاحبة المصالح في المنطقة أن تصدّره إلى عدد لا بأس به من الدول العربية، وعلى رأسها مصر التي توجه لها من حين لآخر مزاعم عن اضطهاد الأقباط، ويتم دعم عدد من المؤسسات القبطية المشبوهة في المهجر للترويج لهذه المزاعم، كما أن هناك أصابع خفية تلعب في منطقة النوبة وتروج لاضطهاد عرقي، ومثل ذلك يمكن أن يقال عن دول عربية أخرى.
إذن فالقضية أكبر من السودان أو من مجاملة رئيس عربي في موضع شدة.
إن أمن الأمة العربية على المحك خصوصًا مع تنامي الخطر الإيراني وتهديداته للبحرين والإمارات، وعبثه في العراق واليمن ولبنان، واحتمال عقده لصفقات قريبة مع القوى الغربية بشأن القضايا الشائكة بينهما..
فهل من وقفة عربية قوية قبل فوات الأوان؟