في إقامة شعائر الدين الإسلامي دروس لتوحيد الأمة، ولكن… امحمد الخوجة

إن المتأمل في شعائر الدين الإسلامي لاشك أنه يقف عند حقيقة لا يمكن تغطيتها وحجبها، تلك الحقيقة ترنو إلى غاية عظمى وهي تجميع العباد حول “نشاط” واحد يزاوله الرجل والمرأة وأسود اللون كما أبيضه… ذلك النشاط إن صح التعبير هو المتمثل في أداء الشعائر الدينية من صلاة وصيام وأعياد…
وإذا كانت محبة العيد تلامس شغاف قلوبنا، فإن لذلك العيد مقاصد سامية لا يمكن نكرانها بحال، لاسيما وأن الإحساس بالفرحة هو الشعور الذي ينتاب الجميع، وفي ذلك حكمة مفادها أن الإحساس المشترك، يتولد عنه نوع من المسالمة، ومحق الضغائن، وإبادة الحقد والحسد… خصوصا وأن التزاور له من الفوائد النفسية ما لا يحصيه إلا من سن العيد سبحانه.
والعيد عند المسلمين عيدان، عيد الفطر وعيد الأضحى، ولا غرو إن صرحنا بأن الإقبال عليهما، باعث على تحقيق غايات اقتصادية واجتماعية ونفسية، لا ترقى إلى تحقيقها حتى المجتمعات الغربية المتقدمة.
ولعل الصيام الذي قد مر بنا، هو أيضا من ” السلوكات” التي يتحد فيها الإحساس بين كل الصائمين، بالجوع والعطش، والتهجد والقيام والطمع في نيل رضا الخالق عز وجل.
أما الصلاة والتي لا يعقل أن يغفل عنها الصائم والمسلم عموما، فإنها تحمل الناس على أن يجتمعوا في مكان واحد، مفضلين أداءها مع الجماعة، منتظمين في صفوف متراصة، متبعين إماما واحدا، متوجهين إلى وجهة واحدة، يستمعون ويسايرون الحركات التي يقدم عليها الإمام، فتنتج حركة جماعية موحدة، من ركوع وسجود ووقوف.
ولا عجب البتة، إذا سقنا للأذهان الغافلة، أن سورة الفاتحة التي لا يمكن بترها من الصلوات، تحمل بين ثناياها رسالة عظيمة، تكشف عن الاتحاد والتجمع والالتفاف، لذلك كان قوله تعالى: “إياك نعبد وإياك نستعين” بصيغة الجمع، مشيرا إلى تكريس ذلك المبتغى الرباني، الذي لم يجد مكانا له في وقتنا الراهن بين المسلمين مع الأسف.
في حين نجد أن للزكاة دورا رياديا في محق عروق الفقر، المتجدرة بين طائفة كبيرة من الناس، وذكر أبعاد ومقاصد تلك الشعيرة إضافة إلى ما تقدم، لا تكفيها الأسفار والمجلدات، وما يترتب عن الزكاة من إحاساسات عارمة، تسهم في التحام تام بين الفقير والغني، شعور رائع بحق، يهدف إلى أن الرزق واحد، بيد رازق واحد، يشترك فيه كل من دخل في ربقة الإسلام، وإذا تقدمنا بخطى حثيثة لنقف عن حقيقة شعيرة أخرى، لطالنا الذهول من حكمة القادر الذي بث تلك الشعائر التعبدية، والتي لا تغيب الاستفادة من خلالها عن مخيلة كل ذي عقل راجح لبيب، على المستوى الدنيوي المعيش، إذ إن الرابطة قوية في الإسلام بين الدين والدنيا، ومن ثم فإنه ليس من العجيب أن نقر بأن سياسة الإسلام في إقامة شعائره، والتدبر في عمق ما تجود به من إشارات كافية لتصح منها الانطلاقة مرة أخرى ولم لا؟؟؟
فالحج هو الركن الأخير، وفيه من المستفادات على مستوى التوحيد والوحدة والاتحاد، ما يعجز اللسان عن وصفه، لون اللباس وشكل ارتدائه موحد، بل إن الدوران في الطواف حول البيت في اتجاه واحد، صيغة التلبية واحدة، بل قد ينطق بها المسلم الذي لا يحسن العربية، في تلك المواقف بشكل تلقائي بنكهة عربية فصيحة، فهل هذه مبالغة أم أن الحقيقة لازال يحيط بها نوع من الغبش؟
قد نقف إلى هنا، ولكن الواقع يأبى إلا أن نسرد بعض المستفادات اقتضابا واختصارا، لعلها تجد من يرى أن السياسة لا تلزم منا أن نكون متدينين على حد زعم بني علمان، إلا أن هذا الطرح بات متقادما، بعدما رأينا بشكل موجز أن العبرة في إقامة الشعائر الدينية باتت متوفرة، وإلقاء التهم إنما صار كمن ينعق بتاريخانية النص القرآني، وتأويل ما وراء كلماته، المسمى عندهم بالفراغ الأبيض، وغير ذلك من الترهات التي يمجها العقل السليم، والذي يؤمن بأن التعبد بالقرآن الكريم، هو هم كل مسلم أينما كان، وحيثما ارتحل، وبذلك تتوحد الرغبة في الإقبال على كتاب الله، قراءة، وتدبرا، واتباعا، ومهما كانت اللغة المقروء بها، فإن الغاية الموحدة والمثلى هي الالتفات إلى التعبد بمعاني كتاب الله، وهذا يسفر عن نتائج باهرة توجه المسلم إلى دحض كل فكرة، تقود إلى تقديس الإنتاج البشري، من كتابة وتأليف وإبداع…
نعم قد نشد على أيدي المبدعين ونشجعهم، ولكن ليس إلى حد نسيان كلام الله والانشغال عنه، ذلك الانشغال الذي يسقط في فخ التفكير الجزئي الذري الذي أنتجته اللبيرالية المغرضة من أجل ترك الحرية للناس، للانزواء في أوكار المتعة العابرة، ذلك التفكير الذي طالما انبهر به المسلمون، متناسين أن أرضية تفكيرهم، ينبغي أن تتأسس على إقامة شعائر الله، والتي تدعو إلى التحلي بالتفكير الكلي الشمولي الداعي إلى الوحدة، انطلاقا من إشارات واضحة ثاوية وراء الفعل التعبدي، ذلك التفكير -أي الكلي الشمولي- على أساسه يمكن أن تنطلق الشرارة الساطعة مرة أخرى، لتخلف وراءها أنماطا من الناس يسيرون وفق المهيع الذي صار عليه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته، بخصوصيات تساير الواقع، لآن الوحي صالح لكل مكان وزمان.
إن ما يحز في القلب بعد هذا الذي ذكر، هو أن للمسلمين رب واحد، وكتاب واحد، ونبي ليس كالأنبياء، جاء كافة للعالمين لنفهم بأن وحدة الأمة الإسلامية كامن في إقامة شعائرها، ومع ذلك لازال المسلمون يتخبطون في شعائرهم، معتقدين أنها لا تربطهم إلا بالآخرة، دون أن يستفيدوا من دروسها على المستوى الدنيوي، وهذا هو عين فصل الدين عن السياسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *