قال المحلل المتخصص في الدراسات الأمنية والاستراتيجية عمر عاشور إنه رغم خسائر تنظيم داعش في الرمادي وتكريت وبيجي وريف الحسكة وبعض بلدات وقرى الرقة وريف حمص وحماة، إلا أن التنظيم لم ينهار على عكس ما قد تتنبأ به موازين القوى الصلبة على الأرض، أو أي تحليل عسكري تقليدي يأخذ تلك الموازين في الاعتبار ويقارن بين عدد وعتاد المتحاربين وقدراتهم.
وأضاف في مقال بموقع الجزيرة نت بعنوان (الاستراتيجية العسكرية لتنظيم الدولة) أنه مقارنة مثلا بنظامي طالبان في أفغانستان والبعث في العراق، فقد فقدَ الأول السيطرة على عاصمته الفعلية (قندهار) خلال حوالي شهرين من الغارات الجوية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وضربات قوات المعارضة الموالية للتحالف؛ أما الثاني فقد فقدَ السيطرة على العاصمة بغداد بعد أقل من شهر ونصف من الغزو الأنجلوأميركي في مارس 2003.
أما حالة تنظيم الدولة، فبعد 17 شهرا من ضربات التحالف الدولي المكون من أكثر من ستين دولة، لا زال التنظيم يسيطر على عاصمتيه العراقية في الموصل، والسورية في الرقة.
وأشار إلي أن الدراسات الأمنية والعسكرية وفرت مجموعة من التفسيرات والتحليلات عن أسباب انتصار أو صمود الكيانات الأضعف عسكريا أمام الكيانات الأقوى، سواء كانت تلك الكيانات تحالفات دولية أو دولا منفردة أو مؤسسات أو تنظيمات مسلحة ثورية وركزت معظم هذه التفسيرات والنظريات المبنية عليها على وعورة الجغرافيا/تعقيدات الطبوغرافيا، والحاضنات الشعبية بأنواعها المختلفة (شعبوية، عرقية، مذهبية، جهوية، دينية، فكرية/أيديولوجية)، والدعم الخارجي الدولي للطرف الأضعف، وكذلك على التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية للأطراف المتصارعة.
وأكد أن التفسيرات الثلاثة الأولى لا تساعد كثيرا في فهم حالة تنظيم الدولة، فمعظم مناطق السيطرة ليست بوعورة جبال كوبا أو أفغانستان أو الشيشان حيث استفادت الأطراف الأضعف عسكريا من تعقيدات الجغرافيا، أما «الحاضنة» فهي لا تتعدى أقليات تصغر وتكبر بحسب شراسة القصف وشدة القمع، فقد أجرى معهد دراسات الإدارة والمجتمع المدني في العراق استطلاعا مصغرا للرأي في مدينة الموصل، وجد فيه أن نسبة من يعتقدون أن آراءهم أو مصالحهم يمثلها تنظيم الدولة لم تتجاوز 10% في يونيو 2014، ثم ارتفعت في ديسمبر 2015 بعد ضربات التحالف لتصل إلى 39% من العينة المستطلعة.
وأضاف: قد تفسر التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية للتنظيم قدرته على الصمود والتوسع أكثر مما سبق. فالجمع ما بين: تكتيكات «إرهاب المدن» (خاصة الهجوم بطوابير السيارات المفخخة بقيادة انتحاريين، والاستخدام المُكَثَّف لسلاح القناصة والاغتيالات قبل وأثناء الهجوم)، مع أساليب الحروب الثورية التقليدية (خاصة الوحدات المختلطة من العسكريين والمتطوعين المدربين، السريعة الكر والفر، والصغيرة العدد)، بالإضافة إلى التكتيكات النظامية التقليدية (المدفعية الخفيفة والثقيلة والمدرعات والدبابات، وكذلك الأنواع المختلفة من الصواريخ الموجهة وغير الموجهة)؛ قد أثبتت فعالية كبيرة رغم قلة العدد ورغم أن أسلوب الحرب النظامية التقليدي (وخاصة استخدام المدرعات) قد تم تقويضه إلى حد كبير بفعل الضربات الجوية للتحالف، فإن التنظيم استطاع تجنب المزيد من الخسائر عبر تفريق وإخفاء الأسلحة الثقيلة وبعض العربات المدرعة والدبابات التي نجت من القصف.
ورأى أن نوعية المقاتلين المنضوين تحت لواء التنظيم تضيف أيضا لرصيده العسكري، من ناحية الصلابة في الميدان والتجرد للهدف. فالمقاتلون المفيدون للتنظيم يندرجون تحت ثلاث فئات: الفئة الأولى هي الأعضاء السابقون في قوات مسلحة نظامية (وخاصة من العراق وسوريا ومصر وجورجيا)، وهؤلاء خدموا في قطاعات مختلفة منها الحرس الجمهوري، والاستخبارات العسكرية، والمدفعية، والمدرعات، والشرطة (المدنية والعسكرية) والفئة الثانية هي فئة المقاتلين غير النظاميين الذين قاتلوا في حروب سابقة، وتعددت خبراتهم القتالية في جغرافيا متنوعة (جبال، أدغال، صحراء، مدن، قرى وبلدات). والفئة الثالثة هي المقاتلون المحليون الذين تراكمت لديهم خبرة طويلة في مواجهة القوات النظامية المحلية وبناء شبكات دعم لوجستي على مدى العقد الماضي.