وقفات مع دعاة الردة والراغبين في مشروع التثليث عبد المغيث موحد

لا تزال سخائم الغدر يقظة، لا يطرق لها جفن ولا يكل لها ساعد، تروم التلبيس على صحوة الوعي الإسلامي الناشئ وتبغي إحكام دائرة اللفظ حول مشروع إرجاع الناس إلى دين الحق، وإخراجهم من ظلامية الشرك إلى نورانية التوحيد حتى يقدروا الله حق قدره.
ورغم أننا معشر المسلمين قد قصرنا في حق الله وفرطنا في جنبه جل وعلا، ولم نحسن تبليغ المطلوب واستكمال مشروع تركة أسلافنا الأشراف بل وفصَّلنا كونية رسالتنا السماوية على مقاس ظلنا القاصر المحدود، ورغم أننا معشر المسلمين لم نشك يأسا من رحمة الله ولم نجهر أو نُسر بفقد الثقة في وعد الله الصادق بإظهار دين الحق على الدين كله: “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ”، ورغم أننا معشر المسلمين آخر من يتصور من أهل الأرض أننا في حاجة إلى خدمات التبشير وإرساليات التنصير لأننا باختصار أهل إيمان بالله وبرسله وكتبه…، ورغم أننا معشر المسلمين اعتنقنا منهجا بريئا من تكذيب عيسى غير متورط بوسم أمه البتول بما رمته به عصابة اليهود، منهج جاء ليقوم بعقيدة صافية ومحجة لا ريب فيها أن: “مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ”.
رغم كل ما سلف وزيادة، فقد امتدت إلى ثغورنا أياد حافلة بالمكر والإفك والطغيان وتطاولت علينا أياد حالبة، وتكالبت علينا أياد عاصرة وتداعى علينا عباد الأوثان، وحملة الصلبان ومن لا يعبد شيئا، بل وعادت قطعان الكنيسة لتستأنف إحياء غرائز التعصب الكالم، ولتشن علينا غارات الكفر، وتجري علينا رياح سموم الشرك والإلحاد، يبغونها لنا عوجا.
يريدون من أهل التوحيد أن يعبدوا مع الواحد الأحد يسوع وروح القدس لكننا والمقام مقام تحدٍ نردُّ على هذه الأحلام المستكبرة والأماني المتجبرة بما خاطب به ربنا عز وجل طاغوتهم وقائد دعوتهم ومؤسس أحزابهم “إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ”، ونحن في هذا المقام لا نريد أن نطنب القول فيما يبعث على اليأس ويدعو إلى الحسرة من أرقام إحصائية وتحليلات عزائية موضوعها عدد المرتدين الجدد، ومادتها هذه الحالات المنفوخ في حجمها كما وكيفا من صنيع البعثات التخريبية، ولكن يكفينا أن نقول بكل أمانة وصِدق إن غنيمة القوم غثاء من الغاوين عاشوا منزلة أنعام اجتالتهم شياطين الإنس والجن فنقلتهم إلى مقام “الأضل” كما قال ربنا عز وجل “أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ” نعاج فضلت أن تعيش عصية قصية فتغذت على لحمها ونالت من عرضها ذئاب الواد، فما ذنب الراعي؟ وما تهمة الأمانة والحجة قائمة والدين كامل والنعمة تامة وألسنة الحق ناضجة بدمغ الباطل ما استطاعت إلى ذلك سبيلا؟
وعليه فالسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح مقابل ما يروج له هؤلاء الذين يسلقوننا بألسنة حداد، ويقولون إنهم استطاعوا أن يخترقوا صفوف المسلمين، وإن شئت فقل عباد الله المخلصين، ويستقطبوا منهم إلى دينهم أعداد يطمئن لها قلب اليسوع وتفرح لمغنمها صلبان الكنائس الحزينة، وترن لها نواقيس الأديرة الكئيبة، استفهام مفاده هل هذا المغنم وهذا النزع حصل من صفوف الموحدين فعلا؟ أم هو مغنم ولدان يحملون ببقيعة ما وراء البحار، فتية قبلتهم مدنية الغرب، ناس يلهثون وراء مطالب الجسد من العين إلى المعدة إلى الفرج وهم على هذه الحاجة يشكون فقرا، وهم بين الفينات الكثيرة يرغبون عنه بالتفكير في سراب ما يمكن أن تجود به هذه الحملات المشبوهة التي جاءت متأبطة لوعد التأشيرة مآلا وتربية الأرانب وحفر الآبار حالا، وإن المرء ليستغرب من فعل هذا الجنس الآري الذي لا يرقب في غيره إلاً ولا ذمة، لكن استغرابه يتبخر إذا علم السبب، ففي يوم من الأيام وقف أحد القساوسة وهو يودع طلائع الشر وينفث في جوف خريجي الكنيسة ومندوبي التبشير في البلاد الإسلامية سمومَ وصيته الغالية ويقول: “إن مهمة التبشير التي ندبتم للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، بل مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله، ومِن تم لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونون طلائع الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية،.. قد هيأتم جميع العقول لقبول السير في الطريق الذي سعيتم له، ألا وهو إخراج المسلم من الإسلام ولن تدخلوه في المسيحية أبد…”انتهى كلامه.
إنها حقيقة مُرَّة ولكنها لا تحجب أخرى أمَرَّ منها، حقيقة وجود هؤلاء الذين تسللوا إلى محارب ديننا لِواذا، رجال دين بعمد أو بغير قصد ساهموا في فرش الورود، وإشعال شارة المرور الخضراء أمام هؤلاء الغزاة إنهم دعاة التقريب وحملة لواء توحيد الأديان، الذين سارعوا باسم الاعتدال، ويسارعون باسم الإخاء ونبذ التعصب وترجيح المصالح العليا لإدارة شؤون الأرض وإعادة بريق للملة الإبراهيمية، حتى صار وجودهم في مؤتمرات اتحاد المؤمنين ومنتديات الصداقة الإسلامية المسيحية وملتقيات “الملِّيون” فرضا عينيا وواجبا دينيا مقدسا، وقد توجت مجهوداتهم في اقتحام العقبة بتلبية دعوة البابا إلى إقامة صلاة مشتركة تمت طقوسها بتاريخ 27/10/86 بقرية “أسيس” الإيطالية وقف فيها من يعبد الله بـ”قل هو الله أحد” مأموما خلف من يعبد داغوته بـ”قل هو الله ثلاثة” ثم تكرر هذا الفعل الشنيع باسم “صلاة روح القدس” على قمة جبل (كيتو) باليابان، ولست ادري أين جعلت قبلة القوم، كما لا يدري من سبق له أن فتح كتاب ربه ولو مرة واحدة، وقرأ نزرا من سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أين غابت أوامر ربانية من قبيل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” المائدة51، وقوله تعالى: “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” آل عمران64، وقول نبينا صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار”.
إن من يتكلم باسم الإسلام ومن هو اليوم في الخطوط الأمامية بالتفويض المغصوب والوكالة المسلوبة ليحمل القسط الوفير في هذا الاستئساد الذي كرَّ علينا به حملة الصلبان وعبدة الأوثان، ولا ريب أن هذا الوكيل وهذا المفوض باسم الإسلام والمسلمين يتحمل وزر كل غلول وغنيمة وقعت في صفوف العوام وجماهير المقلدين، إذ لا يخفى على أحد أن صغيرة الرجل الذي يقتدى به كبيرة في حق الله وزلة العالم أو من ألبس حلة العالم مصيبة وكبوة لا نملك نحن الصغار إلا أن نقول بعد وقوعها وتكرار أوبتها ما قاله ربنا جل وعلا لأهل التثليث: “انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ”، فإن هم قابلوا هذا الأمر بالمكابرة والإصرار فإننا لا نملك إلا أن نسترجع ونقول “إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *