عندما يغار بنو علمان!! ناصر عبد الغفور

يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” المائدة.

في هذه الآية نهي واضح من الله جل وعلا بعدم موالاة اليهود والنصارى، والنهي للتحريم إلا لقرينة.
وإذا كان الأمر كذلك، فكيف بمن لا يكتفي بموالاتهم بل يطعن في من يتبرأ منهم، فتراه إذا ذكِر أعداء الله بسوء أو دُعي عليهم يقيم الدنيا ولا يقعدها، أما إذا طعن في دين الإسلام ورسول السلام على لسان هؤلاء الحاقدين لا يبالي ولا يكترث بل يعتبرها حرية تعبير!
دفاع العلمانيين على اليهود والنصارى
كاتب من كتاب “جريدة الأحداث” وهو من المكثرين في الكتابة في هذه الجريدة، يدعى “جمال هاشم”.
هذا الرجل أبان على غيرة كبيرة، لكن لِمََ هذه الغيرة يا ترى؟
هل من أجل حرمات لله انتهكت؟
أم من أجل حدود تعديت؟
أم من أجل السخرية برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
أم من أراض للمسلمين اغتصبت؟
أم من أرواح أبرياء أزهقت؟
أو ربما غار من أجل الأقصى وما يحل به من الاعتداءات الواحدة تلو الأخرى؟
فهذا الرجل حاله كحال جميع بني علمان، يغار على أعداء الله من اليهود والنصارى ويتحسر إذا ذكروا بما هم أهل له.
وقد بلغت به الغيرة أن خصص مقالا من مقالاته في جريدة الأحداث -عدد 2808- للدفاع المستميت عنهم والطعن في إمام مسجد من مساجد الدار البيضاء، لا لشئ إلا لأنه ختم خطبته بالدعاء عليهم.
يقول هذا العلماني في مقدمة مقاله الذي عنونه -سخرية واستهزاء- “اللهم دمرهم ودمر حضارتهم”: “هذا هو الدعاء التحفة الذي أنهى به خطيب مسجد الإيمان خطبته.. فالأدعية المفضلة لهذا الخطيب هي الأدعية التي تبث الحقد والكراهية اتجاه الأديان والحضارات الأخرى رغم أن توجيهات وزارة الأوقاف تحث على تدعيم ثقافة الحوار والتسامح الديني والتعايش الحضاري، وعدم السقوط في استفزازات الغير كي نعطي صورة متقدمة عن ديننا ونزيل عنه تهمة العنف والإرهاب التي ألصقت به..”.
فالحل الناجع والدواء النافع، في رأي هذا الرجل لإزالة تهمة الإرهاب عن ديننا هو الكف عن الدعاء على أعداء الإسلام، لأن هذا الدعاء لا ينتج إلا الحقد والبغض نحو “الأديان” الأخرى.
فهل ما يقوم به نصارى أمريكا في العراق وأفغانستان والصومال يبث الحب والوئام أم هو إذكاء لنيران “الحقد والكراهية اتجاه الأديان والحضارات الأخرى”؟
ولا غرابة أن يستنكر العلمانيون الدعاء على المحاربين من اليهود والنصارى، فقد اعتبر قائلهم شاكر النابلسي وهو من كتاب الأحداث أن احتلال العراق من طرف الأمريكيين وغيرهم من النصارى يعتبر فتحا وليس غزوا.

..من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
ألم يعلم العلمانيون أن دين جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واحد كما قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: “الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد” (أخرجه البخاري وأحمد) وأولاد العلات يكونون من أب واحد وأمهات شتى، فالدين واحد والشرائع مختلفة، وقد نسخ الله بالإسلام كل ما جاءت به الرسالات الأخرى فلم يبق على وجه الأرض دين يـُتعبد الله به سوى الإسلام؟ كما قال تعالى: “ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين”، وأن القرآن العظيم قد نسخ الله به كل كتاب أنزل من قبل كالتوراة والإنجيل وغيرها، فلم يبق كتاب منزل يتعبد الله به سوى القرآن الكريم، قال تعالى: “وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه..”.
فكل ما بقي صحيحا من الكتب السابقة فهو منسوخ بالإسلام وما سوى ذلك فهو محرف ومغير.
وأقول لصاحب هذا المقال الذي شق عليه ما سمعه من الخطيب من الدعاء على اليهود والنصارى، إن كان الدعاء عليهم وحده قض مضجعك وأحزن فؤادك، فما حالك إذا سمعت نصوص القرآن والسنة وهي تكفرهم وتتوعدهم بسوء المآل إذا لم يدخلوا في دين الإسلام، فهذا كتاب ربنا بين أيدينا نقرأ فيه قوله تعالى: “إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولائك هم شر البرية” البينة، وهذه سنة نبينا صلى الله عليه وسلم نجد فيها مما صح عنه صلى الله عليه وسلم:” والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أهل النار” صحيح مسلم.

الحضارة ملك من؟
يستمر صاحب المقال الغيور على أعداء الله في تشديد النكير على الخطيب المسكين بقوله: “..كأن خطيبنا ينسى أنه لا يتحرك في الدار البيضاء إلا بفضل حضارتهم، فهو يتحرك بسيارة وحافلة من صنعهم، ويلقي كلمته أمام الناس بمكبر الصوت من اختراعهم، ويصلي في مسجد مبني وفق مواصفات البناء العصري الملتزم بهندستهم المضاء بكهرباء من اختراعهم ويذهب إلى الحج بطائراتهم وليس على دابة مباركة”.
أقول لهذا الغيور إن كنا لا نتحرك إلا بوسائل نقل من صنعهم ولا نتعامل إلا بآلات وتقنيات من اختراعهم.. فهل هذا مسوغ لأن نغض الطرف عما يفعل هؤلاء المجرمون في المسلمين من تقتيل وسفك دماء واعتداء على الأعراض وتمزيق لأوصال الأمة ونهب لثرواتها، وهذا العراق يشهد لذلك، ما حل به من الدمار والتخريب على يد من تتبجح بآلائهم، لا لشيء إلا لنهب خيراته النفطية.
والسؤال الذي يطرح هنا، لماذا تأخذ الحمية والغيرة بني علمان اتجاه الغرب ويدافعون عنه بكل ما أوتوا من قوة، ولا تأخذهم نفس الحمية والغيرة اتجاه المنعم الحقيقي الذي فطرهم ورزقهم وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة؟
والجواب لا يخفى عن لبيب، فإن العلمانيين عن صراط ربهم ناكبون، وللغرب مستسلمون، ولشريعة الرحمن مناهضون، ولنعم الله عليهم جاحدون، فالمنعم عندهم هو الغرب لا منعم سواه، وهذا ما لم يخجل صاحب المقال من التصريح به في مقاله حيث يقول: “فهل بعد كل هذا يمكنك يا خطيبنا المبجل أن تتحدث عن تدمير حضارتهم؟ ألا تعلم أننا لا نتنفس إلا بفضل حضارتهم ولا نضمن استمراريتنا إلا بفضل حضارتهم، هل يمكنك أن تعيش بدون هاتف أو تلفاز أو سيارة أو أجهزة منزلية إلكترونية؟”.

مَن يهن الله فمَا له من مكرم
أليس هذا الكلام من هذا الكاتب دليل عن الجهل العريض بعقيدة الإسلام حيث صرح أن ضمان استمراريته، وأنه لا يتنفس إلا بفضل حضارتهم، فأين هو من قول الله تعالى: “وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ” النحل.
وشهد شاهد من أهلها، فهاهم العلمانيون يصرحون بأنهم لا يتنفسون إلا بفضل الغرب بل ولا يضمنون حياة إلا بفضل الغرب.
فما هذا الذل والهوان؟
قال تعالى: “وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ”.
إن العلمانيين أعماهم حب الغرب وسلب عقولهم، لهذا ينسبون إليه كل نعمة أنعم الله بها على البشرية جمعاء، فالصاروخ والطائرة والسيارة وكل ما اكتشفه الإنسان من علوم الدنيا يشترك فيه كل الناس، فكيف يمكن أن نفصل بين اكتشافات المسلمين في شتى العلوم والتي كانت أساس نهضة الغرب وبين ما وصل إليه العلم الدنيوي الآن، فما نرى من منتجات وتطور علمي فإنما هو مبني على ما أنتجته البشرية جمعاء منذ نزل آدم إلى الأرض، ومنذ صناعة أول رمح اصطاد به الإنسان حيوانا ليشبع جُوعه.
وفي خاتمة مقاله يرشدنا الكاتب الغيور على أعداء العزيز الغفور أن نحسن الدعاء، فبدلا من أن ندعو عليهم بالهلاك والدمار”علينا أن نختم دعاءنا قائلين: اللهم اهدنا إلى طريق العلم حتى نلحق بحضارتهم”.
أي حضارة يريد العلمانيون منا أن نسايرها وندعو الله أن يلحقنا بها؟
أهي حضارة الانسلاخ الديني والانحلال الخلقي، أم هي حضارة الكفر برب الأرض والسموات والانغماس في الشهوات؟
حضارة صار أهلها يعيشون حياة أخس من حياة البهائم، كما وصفهم ربنا جل في علاه: “أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا” الفرقان.
وهل ما نشاهده في بلاد المسلمين من تبرج وعري وفساد خلقي وشرب للخمور وزنا وفجور.. إلا نتائج سيئة لدعوة العلمانيين فينا منذ عقود من الزمن، باقتفاء أثر الغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *