ظل برنارد لويس البريطاني الصهيوني الأمريكي، الأستاذ الفخري لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون، لسنوات طوال “رجل الشؤون العامة” في الإدارة الأمريكية، كما كان مستشارا لإدارتي بوش العجوز والصغير.
إن لويس هذا، نموذج لبعض المثقفين الغربيين -وما أكثرهم- الذين يلعبون دورا أخبث مما يلعبه السياسيون، ويظهر ذلك من خلال عناوين العشرين كتابا التي ألف حول العرب والمسلمين مثل: “العرب في التاريخ” و”أزمة الإسلام” و”حرب مندسة وإرهاب غير مقدس”.
ولأن حقده على الإسلام والمسلمين لا حدود له، فقد شارك في مخطط غزو العراق، كما كشف عما يملأ قلبه تجاه العرب والمسلمين إذ صرح لوكالة الإعلام في 20/05/2005م: “إن العرب والمسلمين قوم فاسدون ومفسدون وفوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تركوا لأنفسهم، فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات، وتقوض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة، لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان.
إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم، أو التأثر بانفعالاتهم، وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع من إعادة احتلالهم، على أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد، لا مانع من أن تقدم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية، دون مجاملة ولا لين ولا هوادة، ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب”[1].
أظن بعد هذا الوضوح التام، لا أحد يجرؤ على أن يشكك في أن نظرية المؤامرة، حقيقة واقعة.
وإذا عدنا للتصريح الفظيع قصد تحليله، سيتضح العجب العجاب، الذي نجد تطبيقاته أمام أعيننا، إلا من أعمى الله بصيرته، وطمس عقله، وجعل على قلبه غشاوة.
لأن لويس هذا، وهو أحد منظري الغرب، في العالم المعاصر، قد استحكمت الأحكام المسبقة السيئة في عقله ووجدانه، تجاه العرب والمسلمين ودينهم وثقافتهم، لأنه لا ينظر إلى اختلافهم على أساس من الاحترام والتعارف والتعايش، بل ينظر إليهم على أساس العداوة والإخضاع، فهو يعتبرنا فاسدين ومفسدين وفوضويين، لا أمل في التعايش معنا كما نحن، لأننا في نظره، سندمر حضارته، وعوض أن يقارع الأفكار بالأفكار، والثقافة بالثقافة، والحضارة بالحضارة، يدعو إلى إرهاب الدولة، والاستخراب الجديد، ولا ينسى أن يستشهد بفرنسا وبريطانيا العريقتين في هذا المجال، وغزو مالي وحرب “الملوين”، ليسا عنا ببعيد، فهو يحرم علينا تدمير حضارته، وفي المقابل، وبكل نذالة، يوجب عليه تدمير ثقافتنا وتطبيقاتها الاجتماعية.
وهذه صرخة في وجوه بني علمان من بني جلدتنا، الذين لازالوا يتوفرون على ذرة من إباء وغيرة، صرخة عسى أن تعيدهم إلى رشدهم وثقافتهم..، تعيدهم إلى أحضان ذويهم، عوض التشرد الفكري الذي يعيشونه، والتسكع الثقافي الذي يتخبطون فيه.
أقول لهم، هل ترضون هذه المقايضة بين ثقافتنا وديمقراطيتهم، التي لا ينوون تطبيقها بالفعل، وإنما إلهاءنا بها، حتى يتسنى لهم التهامنا، فإما نحن أو معتقداتنا الإسلامية، وهذه الفكرة وجدت تطبيقها، خصوصا في الهجمة التي شنت، إبان ولاية “البوشين” على برامجنا ومقرراتنا التعليمية في العالم العربي، بموازاة مع الغزو الصليبي للعراق وأفغانستان.
كما اعترف هذا الحقود بركنية اللقيطة الصهيونية في المؤامرة الغربية على الإسلام والمسلمين، معتبرا إياها خط الدفاع الأول عن الحضارة الغربية، ضد ما أسماه “الحقد الإسلامي الزائف”، بدليل دفاعه العنيف ضد قرار الأمم المتحدة عام 1976م، الذي يعتبر الحركة الصهيونية حركة عنصرية.
إن لسان حال ومقال وفعال الغرب لا يختلف عما سطره برنارد لويس إلا في الطريقة والكيفية، لأن حتى التفاصيل فهي واحدة، فضلا عن الهدف.
فإذا كان برنارد لويس يدعو إلى تقسيم المنطقة العربية والإسلامية على أساس عشائري وطائفي، فإن الناظر إلى الإعلام الغربي الناطق بالعربية أو غيرها، لا يحتاج إلى كثير تفكير، ليلمس النفخ الممنهج في نعرة الطائفية والعشائرية، وقنوات “بي بي سي” و”فرنسا24″ و”تي في5″ نموذج لهذا النفخ، لا حصرا.
وإذا كانت أمريكا تخاف على هويتها، في شخص صموئيل هنتنغتون، وذلك بإصداره لكتاب:”من نحن؟ تحديات الهوية القومية الأمريكية؟”الذي أبدى فيه تخوفه من التهديد الذي تشكله الهجرة اللاتينية الضخمة.
إذا كانت “أمريكا العظمى”!! تخاف على هويتها، فما بال بنو علمان من بني جلدتنا يبيعون هويتهم، بثمن بخس في سوق النخاسة الفكرية؟!
إن المؤامرة الغربية تشن الحرب وتنشر الدمار باسم السلام، وتشجع وتساند الاستبداد باسم الديمقراطية، وتتحدث عن التعايش وتدفع في اتجاه صراع الحضارات..
وإذا كان من فوائد للثورة البولشفية على العالم الإسلامي، فهو نشرها لمؤامرة “سايكس بيكو” التي دبرتها الإمبراطورية البريطانية مع الجمهورية الفرنسية على تقسيم المشرق الإسلامي العربي، قبل تسميته بالمصطلح الاستعماري “الشرق الأوسط”، حفاظا على شعور اللقيطة المذللة، ولأنهم يضمرون ما لا يظهرون، على شاكلة تحرير العراق من الاستبداد الصدامي إلى الاستبداد الرافضي، ونشر الديمقراطية بالحديد والنار، فقد “أوهموا” الشريف حسين- شريف مكة- بأنهم “سيقيمونه حاكما للعرب”، و”ينصبونه خليفة لهم”، وملكا على ما أسموه “المملكة العربية الكبرى”، وصدق المسكين، كما لازال أحفاده يصدقون أن الغرب يعمل على الأخذ بأيدي أهل العراق وأفغانستان والصومال واليمن ومالي، والحبل على الجرار… وكان ملخص هذه المؤامرة تفتيت الشام بما فيها العراق!
ثم أتانا مصطلح “الشرق الأوسط الجديد”[2] في عهد بوش الصغير، كعنف رمزي، يشن به الغرب علينا حربا غير معلنة ولا ظاهرة، تكون إرهاصا لحرب عسكرية، لأن المصطلح الجديد، يزيد إمعانا في تغيير الهوية الثقافية والجغرافية للمشرق الإسلامي العربي، إذ يضم إلى جانب كل الدول العربية تركيا وإيران وأفغانستان وباكستان واللقيطة.
لماذا هذا التوسيع في المفهوم؟
القصد من هذا التوسيع، هو إدخال أطراف غير عربية للمنطقة، ليصبح وجود اللقيطة شرعيا، إضافة إلى إدخال عدة عرقيات تزاحم الأصل العربي، في أفق إثارة النعرات القومية التي تحدث عنها برنارد لويس، لتفتيت العالم العربي سياسيا، كلما سنحت الظروف، تفاديا للتدخل العسكري المكلف، لأن العنصر العربي، مهْما يكن فهو عنصر موحد.
أما توسيع المفهوم ليشمل كل الدول العربية، ولو لم تكن مشرقية؛ فالقصد منه جعل هذه الدول قريبة من اللقيطة في كل مخطط يرنو إلى التطبيع، ولن ينجح ذلك إلا بضمهم جميعهم في كتلة سياسية أو اقتصادية أو جغرافية واحدة.
والهدف المعلن من هذا الضم هو تشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، في كل هذه البلدان سوى اللقيطة، لأنها هي من تملي هذا الإصلاح عن طريق الغرب.
وبعد الغزو الأمريكي للعراق، تم تداول مصطلح “الفوضى الخلاقة” بشكل كبير، وكان عنوانا كبيرا لوزيرة خارجية أمريكا آنذاك كوندوليزا رايس، ولو أن بعض الدراسات ترجع أصله إلى أدبيات الماسونية القديمة، وهذا ما يحاولون تطبيقه الآن في مصر، إذ يمثل جناحه السياسي ما يسمى بجبهة الإنقاذ، وجناحه العسكري التنفيذي ما يسمى بالكتلة السوداء.
إن حديثنا عن المؤامرة الغربية لا يلغي قابلية عالمنا الإسلامي والعربي لتسهيل نجاحها، أي أنه لا يلغي مسؤوليتنا في ذلك، لابتعادنا عن ديننا، حتى لا يزايد علينا أحد، ولو أن هؤلاء المزايدين، اكتفوا بالنظر إلى إنجازاتهم “لصالح” الأمة، لفوجئوا من هول ما سيجدون من خيانات بألقاب شتى، لذلك أدعوهم لشيء واحد، وهو أن يبدعوا لصالح أمتهم، دون استحضار للآخر، أو تقليد له واستنساخه، لأن مصدر خيانتهم العظمى هو أن الآخر يسكنهم حتى النخاع.
إن من يشكك في المؤامرة الغربية على العالم الإسلامي، ما عليه إلا أن يجول بفكره حول العالم، ليجد آياتها جلية واضحة، فمن تيمور الشرقية في أندونيسيا، إلى كردستان العراق، إلى الصحراء المغربية، إلى جنوب السودان، وهناك محاولة لفصل دارفور أيضا.
أما على الرفوف فهناك خرائط لتقسيم مصر إلى أربع مناطق هي:1-سيناء وشرق الدلتا، تحت النفوذ اليهودي، 2-دولة نصرانية عاصمتها الإسكندرية تمتد من بني سويف مرورا بالفيوم وأسيوط، 3-دولة النوبة عاصمتها أسوان، 4-مصر الإسلامية، وعاصمتها القاهرة.
ثم تفكيك المغرب والجزائر وليبيا، بهدف إقامة: 1-دولة الأمازيغ، 2-دويلة البوليساريو، 3-الباقي دويلات المغرب والجزائر وتونس وليبيا.
وكذلك يسعون لإعادة تفكيك الخليج والعراق ولبنان… والخرائط منشورة على الشبكة العنكبوتية لمن أراد الاطلاع عليها.
وبعد كل هذا أقول لكل مشكك:
سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً — وَيَأتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مقال: “مخطط برنارد لويس لتفتيت العالم العربي”، بقلم م.فتحي شهاب الدين.
[2] أعلن عن نص المشروع في مارس 2004م، بعد أن طرحته الإدارة الأمريكية على مجموعة الدول الصناعية الثماني.