ترامب يسير على نهج المحافظين الجدد الذين أشعلوا حروبا عديدة من أجل فرض سيطرة أمريكا على العالم، وهو هنا لا يريد تدمير نظام الأسد كما يتخيل البعض بل هو يريد تخويف جهات أخرى أبعد ما تكون عن نظام الأسد، كما يريد أن يتجاوز الاتهامات التي تحيط به بشأن تعاونه الخفي مع روسيا
الضربة العسكرية التي نفذتها أمريكا ضد قاعدة جوية في سوريا تابعة لنظام الأسد بالصواريخ أثارت جدلا واسعا حول توقيتها وتأثيراتها وأسبابها الحقيقية وتداعياتها..
ويعتبر مطار الشعيرات الذي تعرض للضربة والموجود في حمص، ثاني أكبر قاعدة عسكرية لجيش الأسد، وقال مسؤولون: إن نحو 50 صاروخا من طراز توماهوك أطلقت من سفن تابعة للبحرية الأمريكية في البحر المتوسط فأصابت عدة أهداف منها المدرج وطائرات ومحطات وقود في القاعدة الجوية، أما التلفزيون الرسمي الروسي فقد قال: إن الضربات الصاروخية الأمريكية على قاعدة جوية للأسد دمرت تسع طائرات لكنها تركت المدرج الرئيسي بلا أضرار نسبيا..
من جهته، أعلن جيش الأسد مقتل 6 عسكريين في الهجوم ولكنه لم يفصح عن الأضرار التي أصابت القاعدة… ردود الأفعال تنوعت حول الضربة العسكرية فقوى المعارضة السورية في مجموعها رحبت بها إلا أنها أكدت أنها غير كافية فللأسد العديد من المطارات التي يستخدمها في تنفيذ عملياته الإجرامية ضد المدنيين ولا يمكن الاكتفاء بمطار واحد فقط.
بينما أعلنت معظم الدول الأوروبية تأييدها للضربة وحملت الأسد المسؤولية عنها… أما الدول المؤيدة لنظام الأسد مثل روسيا وإيران فقد أدانت الغارة، وأكدت موسكو أنها ستقوم بتعزيز نظام الدفاع المضاد للصواريخ في سوريا، كما أعلنت تعليق اتفاقية السلامة الجوية مع واشنطن…
أمريكا من جهتها أشارت إلى أن الضربة العسكرية تنحصر بالرد على الهجوم الذي شنه نظام الأسد بالغازات السامة على خان شيخون في ريف إدلب وهو الهجوم الذي أثار غضبا دوليا واسعا…
السؤال الذي يتردد بقوة في الأوساط السياسية والشعبية الآن هو: هل تغير الموقف الأمريكي من الوضع السوري بعد هذه الغارة؟…
وللإجابة على هذا السؤال يجب أن نفهم عقلية النظام الجديد في أمريكا الذي يقوده دونالد ترامب والذي أكد من اللحظة الأولى أنه سيواجه بحزم ما أسماه “بالتطرف والإرهاب” ولكنه لم يشر إلى نظام الأسد من قريب أو بعيد بل أكد على لسان العديد من المسئولين في إدارته أنه ليس من أولوياته الإطاحة بنظام الأسد وهو ما أفسح الطريق أمام الأسد لتنفيذ المزيد من عملياته الإجرامية.
إذن لماذا تحرك ترامب الآن بالتحديد تجاه نظام الأسد؟
الحقيقة أن ترامب منذ وصوله إلى مقعد الرئاسة وهو يعاني بشدة من تخبط داخل إدارته ويتعرض لانتقادات واسعة بشأن اختياراته لمساعديه كما أن الشك بدأ يتسرب لمؤيديه بشأن مدى جديته في اتخاذ إجراءات صارمة تجاه الملفات الساخنة كما وعد خلال الحملة الانتخابية.
ترامب أراد أن يقول للعالم باختصار: “أنا هنا” وأن يوجه رسالة لأكثر من جهة بأنه مستعد للدخول في مغامرات عسكرية في المنطقة لتنفيذ مخططاته بشأن إعادة ما أسماه بـ “هيبة أمريكا”..
ترامب يسير على نهج المحافظين الجدد الذين أشعلوا حروبا عديدة من أجل فرض سيطرة أمريكا على العالم، وهو هنا لا يريد تدمير نظام الأسد كما يتخيل البعض بل هو يريد تخويف جهات أخرى أبعد ما تكون عن نظام الأسد، كما يريد أن يتجاوز الاتهامات التي تحيط به بشأن تعاونه الخفي مع روسيا ومساعدتها له في الوصول لمقعد الرئاسة، حيث تشهد أمريكا تحقيقات في هذا الموضوع تطال أشخاصا قريبين من ترامب.
الغارة الأمريكية لا تتعدى التحذير حيث ترى واشنطن أن تجاوز الخطوط الحمراء من أي طرف تعني إحراج البيت الأبيض ووضعه في صورة ضعيفة تتنافى مع السياسة التي يريد ترامب إقرارها والترويج لها وفرضها بالقوة والتي طالما ما انتقد أوباما بشأنها…بشار الأسد ليس هو المقصود الأول بالغارة وهو ما سيتضح أكثر خلال الفترة القادمة.