هي يقدَّم قول أحد ورأيه على سنة النبي صلى الله عليه وسلم

روى الإمام أحمد (3121) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ؟ قَالَ: يَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ أَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟”.
وروى ابن حزم في “حجة الوداع” (ص: 353) وابن عبد البر في “الجامع” (2/1209) عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: “قَالَ عُرْوَةُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ تُرَخِّصُ فِي الْمُتْعَةِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَلْ أُمَّكَ يَا عُرْوَةُ. فَقَالَ عُرْوَةُ: أَمَّا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فَلَمْ يَفْعَلَا.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ مَا أَرَاكُمْ مُنْتَهِينَ حَتَّى يُعَذِّبَكُمُ اللَّهُ، أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُونَنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَقَالَ عُرْوَةُ هُمَا أَعْلَمُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتْبَعُ لَهَا مِنْكَ”.
ومعنى هذا الأثر:
أنه لا يجوز أن تترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد ورأيه، فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم على قول غيره، وفعله مقدم على فعل غيره، ولا تعارض سنته بقول أحد أو فعله، كائنا من كان.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله -معلقا على قول عروة: هُمَا وَاللَّهِ كَانَا أَعْلَمَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتْبَعَ لَهَا مِنْكَ-:
“قُلْتُ: قَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى مَا وَصَفَهُمَا بِهِ عُرْوَةُ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ أَحَدٌ فِي تَرْكِ مَا ثَبَتَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” انتهى من “الفقيه والمتفقه” (1/ 378).
قال ابن عبد البر في “الجامع” (2/ 1210): “قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: “مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ، أُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْبِرُنِي بِرَأْيِهِ، لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا”. وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مِثْلَ ذَلِكَ بِمَعْنَاهُ” انتهى.
على أن الواجب أن ينبه هنا إلى أمر مهم في ذلك، وهو:
أن المخاطب باتباع محض الدليل، وعدم تقديم كلام الصحابة، فمن دونهم من أهل العلم عليه: إنما هو العالم، وطالب العلم المتأهل المنتهي، القادر على الاستنباط، والاجتهاد في المسألة، ومعرفة أطراف القول فيها، وموارد أدلتها.
وأما العامي ومن أشبهه: فإنما فرضُه سؤال أهل العلم، واتباع ما يفتونه به؛ كما أمر الله عباده بذلك، فقال: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *