لاشك أن الناظر إلى حال مجتمعنا اليوم بحال التمحيص، يدرك أهداف ومرامي الحرب على الحجاب بصفة عامة، وعلى النقاب بصفة خاصة، ومقاصد العلمانيين وراء تجنيد جنودهم ومنابرهم للتشهير والتنكيت والاستهزاء بهذه الشعيرة الدينية، حتى أصبح لباس أمهات المومنين خديجة وعائشة وأسماء وأم حرام وأم سليم.. العفيفات الطاهرات يوصف داخل بلاد المسلمين بالغلو والتطرف، وأصبحت المرأة المغربية المسلمة المرتدية للحايك أو النقاب الذي عرفته منذ دخل الإسلام هذا البلد معرضا للسخرية والاستهزاء، والنعت بأقذع الأوصاف والصفات، وأصبح ينظر إلى المرأة المتمسكة بنقابها أنها متشددة وواقعة تحت تأثير جماعة دينية متطرفة، وحاملة لفكر طالباني أفغاني دخيل، كل هذه الجهود تبدل وكل هذه التهم تكال لتنفير المرأة عن هذا اللباس الشرعي.
فالنساء المغربيات اللائي يسترشدن بهدي أمهات المؤمنين نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتفين أثر بناته الطاهرات، ويتأسين بالصحابيات اللائي فزن برضا الله تعالى، في الملبس والسمت والثقافة ينعتن بالرجعيات والمتزمتات سجينات الماضي مستلبات الحرية من طرف مجتمع ذكوري ألف استعباد المرأة، كل هذا لأنهن يحملن همَّ الآخرة، ويشتغلن بالدعوة لإصلاح المجتمع على أساس الرجوع إلى الدين بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، كل هذا لأنهن هجرن الحانات ولم يتعرين على الشواطئ ولم يخرجن متهتكات في كامل زينتهن.
أما المرأة الانفتاحية المسهمة في التنمية وبناء المجتمع فهي المرأة القابلة للثقافة الغربية بعجرها وبجرها، المتجردة من لباسها الشرعي، المتبعة لآخر صيحات الموضة، والناظرة لقيمها ولباسها الشرعي بعين المقت والازدراء، والتي تنفر من سماع ذكر الآخرة والمعاد والنار، لأنها لا تعرف سوى الدنا فهي تعيش فيها ولها.
فلماذا كل هذه الحرب على النقاب؟
لماذا يثير هذا اللباس البغضاء في قلوب العلمانيين؟
لماذا لا توجه الحرب في بلد دينه الرسمي الإسلام على العري والتبرج الدخيل؟
أين هي الحرية الفردية التي يصمون بها آذاننا صباح مساء؟
أين هي شعارات حقوق الإنسان؟ أم أنها حكر على بائعات الهوى وصاحبات الأخدان، وأمهات أبناء الزنا (الأمهات العازبات)، ولا حق للمرأة المسلمة المنقبة التي اختارت التشبه بخير نساء الدنيا في ذلك، وحقها السخرية والتهكم فقط؟!
إن الذين يدندنون حول تغطية المرأة لوجهها وينكتون بذلك ويستهزئون، ما هم إلا جهلة قد كشفوا بلسان المقال عن عوارهم وحقدهم على المرأة المسلمة، وعدائهم للعفة والستر والفضيلة، فلا النصوص الشرعية اعتمدوا، ولا الإجماع اتبعوا.
ومواقفهم من الحجاب والنقاب تابعة لمواقف معلميهم من الغربيين، ولا يمكن تفسير سلوكهم العدواني هذا إلا كلون من الحسد الحضاري.
إن العلماني يعتقد أن الدين لا دخل له في لباس الإنسان أو نوع الثياب التي يرتديها، ولا يمكن أن يستوعب فكرُه أو تصوره أن للدين أحكاما في ذلك، ومن هنا فإنه يعتقد أن حجاب المرأة عموما وتغطية وجهها على وجه الخصوص سلوك بشري وموقف اتخذه الإنسان في أحد مراحل تطور اللباس في تاريخ البشرية ولا يسمح بارتدائه الآن.
لقد أعدت جريدة الصباح مؤخرا ملفا بعنوان: “التطرف في اللباس بين البرقع والسترينغ”، وأجرت من خلاله مقارنة بين نوعين من اللباس، النقاب أو البرقع -كما أسمته هي- والسترينغ، واعتبرت كلا منهما تطرفا في اللباس، وحالة شاذة على مجتمعنا المغربي.
وهو ما يصيب القارئ لهذا الملف بحالة من الدهشة والاستغراب، فبأي حق سمحت جريدة الصباح أن تسوي بين النقاب والسترينغ في الحكم فتعدهما تطرفا في اللباس، علما أن جريدة الصباح من أشد المنابر الإعلامية تطرفا، لأن غالب إنتاجها -سواء في الجريدة أو المجلة- هو نشر صور الغربيات والشرقيات العاريات، المرتديات للسترينغ وغيره، هذا ديدنهم صباح مساء، دون الكلام طبعا عن محاربة الملتزمين بدينهم، والمستمسكات بحجابهن، وتصويرهن على أنهن خيم متنقلة، ووصفهن بـ”النينجا” نصرة لدين ومبادئ وقيم العلمانية المتطرفة.
من المصائب العظام، والطوام الجسام، والضلالة حق الضلالة أن نعرف ما كنا ننكر، وننكر ما كنا نعرف، ويصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا، وهو عين ما أخبر به الصادق المصدوق بقوله: “سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة” صحيح الجامع 3650.
فأصبح الرويبضة الذي لا حظ له من علم أو نظر أو حتى ثقافة صحيحة يتكلم عن لباس المرأة، ويعتبره تزمتا ورجعية، وما هو في حقيقة أمره إلا كما وصفه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وما هو إلا ببغاء يردد الصدى ويعيد كلام أسياده.
ونحن إذ نفتح هذا الملف نفتحه لنسلط الضوء على الحرب المعلنة على لباس المرأة المغربية المسلمة الأصيل، والمؤامرة الخبيثة التي يحيكها لها عباد الشهوات، ولندحض أيضا بعض الشبهات والمفتريات.