بعدما طرد منجان الهبة من مراكش في 7 شتنبر 1912، حيث فر لسوس واستقر بتارودانت، ومنها بدأ يرسل مبعوثيه نحو الشمال والشرق وكافة المغرب للقيام بصد فرنسا والدفاع عن استقلال البلاد.
وبعد كثير من التردد قبلنا عرض مصلحة الحماية، وكبار القياد: لكلاوي ولمتوكي والكندافي بالتصدي للهبة ومن معه، وإبعادهم إلى جنوب الأطلس، لكن عملهم لم يكن جديا بالقدر الذي نريد، بسبب تنافسهم مع بعضهم، وعدم إخلاصهم في مساعدتنا بحيث بقي أغلبهم على علاقة بالهبة.
عندما عزمنا على ممارسة حقنا في التوجه لأكادير كان دعم أحد المحلات المرافقة للمفرزة الفرنسية ضعيف جدا لدرجة لا يعتمد عليه إطلاقا.
أنافلوس التحق بالهبة المتمركز في تارودانت، مواصلا تحريض المغرب الجنوبي علينا، وإن كان لا يتوفر إلا على موالين قليلين من الأهالي القادرين على تهديدنا دون أن يتجاوزوا مضايق الأطلس الكبير، وهم دون تموين، ومراقبون من أكادير، حيث تتمركز مفرزة بقيادة أحد إخوة الهبة الذي يمكنه العودة للصحراء لو لزم الأمر.
قائد راس الواد ولد اميس قام ضد الهبة بدعم من بعض رجال الكلولي والكندافي في سهل تارودانت في أوائل الشهور الأولى من سنة 1913، وذلك بشكل متقطع وفاتر وبعدد تافه وإن سجل نجاحا في الخلف لكنهم لم ينجحوا في منع أنصار الهبة من مواصلة إحداث القلاقل بين القبائل الخاضعة لسلطتنا ودفعها للتمرد والعصيان والاستعداد لمحاربتنا، وقد وصل تأثيرهم لغاية تادلا وشرق فاس، وربط التواصل مع الزياني.
في بداية شهر مارس 1913 ظهرت عدة حوادث أساسية خطيرة غيرت من وضعية الهبة.
ونشير لشبكة حزب جنوب المغرب الذي سبق له أن اخترق كل المجال الذي تهيمن عليه إسبانيا في ريو دورو متابعا خط آبار شاطئ البحر، حتى فاجأ في يناير الأخير بلبيرات، على مستوى مقابل لبور إيتيان مفرزة فرنسية هناك بقياد ة ليوطنا كولونيل مورت.
قائد القوات بموريطانيا جمع في الحال القوات اللازمة لمواجهة الوضعية ومطاردة الأعداء المكونين من حوالي 350 بندقية في اتجاه الشمال حتى حاذى تقريبا الحدود الشرقية للأراضي الإسبانية، متقدما في الملاحقة لقصبة السمارة في الساقية الحمرا على بعد 650 كلم شمال أطار.
وتعتبر تلك القصبة مقر سكنى ماء العينين أب الهبة الموجودة بين يدي أحد إخوته منذ 1911، فتم تدميرها بالديناميت بعدما تركها أهلها على عجل عندما أحسوا باقتراب الكولون منها.
الكولون الفرنسي قام بعد ذلك بالانعطاف نحو الشرق آخذا الطريق نحو أطار، لكن الأعداء عندما توصلوا بالامدادات لاحقوه أثناء العودة؛ وفي 9 مارس تبادلوا النيران مع مؤخرته، وفي الغد 10 مارس واصلو الهجوم بشراسة بحوالي 600 بندقية حيث دارت معركة بواد اشبيكة تكبدوا خلالها 45 قتيلا، وفقدوا أسلحة وذخيرة، ونحن فقدنا ضابطين و22 أهليا وضابطا أوربيا وضابط صف أوربي و35 جريحا أهليا، ثم واصلت المفرزة سيرها جنوبا للدخول لموريطانيا.
عملية مهارست تلك كان لها صدى كبيرا وعواقب ضخمة في المنطقة برمتها، أي شمال المغرب وجنوبه، وفرضت التعامل بجد مع الهبة والتضييق عليه، كما نشطت مشروعه في مواجهتنا شمالا لاصطياد النصارى الغزاة في الحوز، عكس سيدي احمد وموسى الذي اختار الانفتاح على السلطان مولاي يوسف وعزمه على التصدي للهبة، ودعوته القبائل المتاخمة لتزنيت على الانضمام لطاعة المخزن ومبايعة مولاي يوسف، وهو ما تم، إذ في مطلع شهر أبريل أعلن في صلاة الجمعة بمبايعة مولاي يوسف واعتباره أميرا للمومنين والدعاء له فوق المنابر.
في الشمال أعلن الحاج لحسن قائد إدا وكلول عن تحركه في اتجاه أكادير وراس الواد، ولد اميس اقترب من تارودانت وخاض معركة ناجحة يوم 10 أبريل 1913 ضد الهبة.
في هذه الأثناء انزوى الهبة في سوس منتظرا الفرصة المواتية للخروج من الوضع المتأزم الموجود فيه، والذي يعمل فيه على دفعنا للاشتباك معه ومهاجمته بقوة، وذلك بالتفكير في إرسالنا قوة كبيرة نحو تارودانت للقضاء عليه نهائيا.
الهبة حسب التقارير المتجمعة لدينا ما يزال خطيرا، لتوفره على قوة مؤلفة من حوالي 3000 محارب من المتعصبين القتلة النهاب، المتوفرين على نفوذ قوي في القبائل، ويجمعون حول تارودانت آلاف المقاتلين القساة.
وقد بعث مؤخرا بمفرزة بقيادة أحد إخوته الولي لمسيكنا قرب أكادير، وقد تقوت بانضمام أخوين آخرين له كانا مع أنافلوس في مركز إدا وتنان، يراقبان مجاز أمسكرود، أما الأخ الرابع فقد تمركز بواد نون جنوب شرق مراكش، يؤمن الربط مع القبائل البربرية في الأطلس المتوسط، ويمدهم بالرجال والذخيرة والمؤن إذا ما احتاجوا لشيء منها.
في بداية شهر أبريل نصح الجنرال برولارد السلطان مولاي يوسف بأن يتخذ بمراكش التدابير التالية:
بعد أن يستولي الحاج لحسن مع إدا وكلول على أكادير، عليه أن يبعث بقائد شعبي لتزنيت يتولى قيادة القبائل المنظمة لأيت جرار وأيت بعمران الذين قطعوا الطريق على الهبة.
أن يأمر لمتوكي بالتوجه لتارودانت عبر ممر أمسكرود الذي يوجد في قيادته، وذلك ليراقب خاصة أنافلوس وإدا وتنان العصاة.
الجهود الكبيرة المبذولة ضد تارودانت ستكون تحت قيادة الحاج التهامي الذي نزل لواد سوس، مجريا عملياته بمساعدة ولد اميس براس الواد، وقد سانده سي الطيب الكندافي الواصل لتزنيت مع سكان جباله.
هذا الكولون متوفر على مدفعين مشغل من قبل عساكر أهلية من متدربي البعثة العسكرية الفرنسية.
وحدة الإدارة مؤمنة من قبل أخ السلطان مولاي الزين المساعد من قبل العيادي قائد الرحامنة.
مولاي الزين والحاج التهامي غادرا مراكش في 25 أفريل في محلة تضم ما بين 500 و600 فارس ساروا في فوضى عارمة كما يفعل الثوار الأهالي في تحركاتهم، وأثناء الطريق تم التقاؤهم بإمدادات قرب أسوار تارودانت قدرت بـ5000 رجل.
علماء البلد تخلوا بدورهم عن الهبة ولم يعودوا يخطبون الجمعة به ولا الدعاء له بالنصر والتأييد، وقد حاول استقدام تعزيزات من اشتوكة لكن لم يصله منها إلا ألف مقاتل في أواخر أفريل.
وقد استنكرت هوارة جُوار تارودانت مغادرة الهبة للمدينة، ووسط الفوضى المتنامية، ومشاهدة مولاي الزين بتارودانت، ازداد تفرق المؤيدين للهبة ولم يبق حوله إلا بضعة أنصار، فانتهز الحاج التهامي الفرصة لإزالة أنقاض قصبته وتنظيمها.
في 7 ماي 1913 وقعت معركة على واد تيدلي أحد منابع درعة مع أنصار الهبة الذين كانوا ضِعف القوات الفرنسية، إلا أنهم شتتوا تاركين في الميدان حوالي 106 قتيل، وعلى إثرها قدمت القبائل الموجودة على طريق الكولون الولاء للسلطان والتموين والمتطوعين للمفرزة المتحركة.
الارتداد عن الهبة ضاعف من عدد المقربين من المحلة الشريفة، إدا وتنان، وإدا وزكي في أمسكرود دعوا لتجمع يوم 17 ماي الذي ألح على بعث سيدي العربي للقائد لمتوكي لإخباره بإمكانيته المرور من مضيق أمسكرود.
أنافلوس خشي من هذا القرار على أمنه، فتقدم لمضيق أيت عيسى صاعدا نحو الشمال في اتجاه قصبته القديمة صحبة 200 فارس، كل طرق تارودانت بقيت من دون دفاعات.
ابتداء من 15 ماي سي الطيب الكندافي وصل لأسوار تارودانت، وبدأ تحركه السياسي لضم القبائل.
في 17 ماي مولاي الزين استولى على دار حيدة ولد اميس قرب واد سوس، وعلى بعد 40 كلم من تارودانت قام باستقبال ولد اميس ومقدم زاوية تارودانت اللذان قدما إليه ملتمسين الأمان.
الحركة الشريفة بقيادة مولاي الزين سارت تقترب شيئا فشيئا من المدينة، يوم 21 ماي عسكرت تحت أسوارها، وكان معها مدفع، وقد التقى مع لمتوكي في نقطة تسمى تازيموت.
الأخبار تحدثت عن هروب الهبة من المدينة تاركا القيادة لأحد إخوته المسمى مربيه ربو الذي أخلى المدينة بدوره في 24 ماي 1913 بعدما تخلى عنه كل أعيان رودانا اللذين التحقوا بصفوف مولاي الزين.
أصبح عموم الناس مهيئون ضد الصحراويين، في هذه الظروف نشبت معركة بين المحلة الشريفة ومربيه ربو الذي هاجمها صباح يوم 23 ماي، فانتشرت القوات الشريفة على رقعة مواجهة للشمال الصحراوي، وبعد مقاومة جيدة على الأبواب أبدتها عناصر المحلة انكفأ المهاجمون وتراجعوا في فوضى نحو منطلقهم، ودخل الحاج التهامي لكلاوي المدينة ليلا على رأس القوات الشريفة (يتبع).