أشاء جميلة لا نراها في “إلياس” و”الصبار” و”عصيد” نبيل غزال

إلياس العمري:
دعونا نبتدئ بإلياس العمري، والذي كان يحلم بالأمس القريب أن يصبح دركيا؛ ثم ها هو اليوم تفتح في وجهه أبواب الدنيا على مصراعيها، ففي غضون أربعة أشهر فقط استطاع ابن الريف أن يفوز برئاسة جهة الشمال، ويفتتح مؤسسة إعلامية ضخمة بملايير السنتيمات تضم ستة منابر، في سابقة لم يعرفها المغرب من قبل، ويفوز أيضا بمنصب الأمانة العامة للبام في مؤتمر لحزب الجرار وصف بالستاليني، ذلك أن إلياس تمكن من إحكام مقود الجرار في ثوان ودون لجوء إلى الصندوق العجيب.
رجاء دعونا من المزايدات الفارغة؛ فما حاجة شخصية يسارية ديمقراطية نزيهة تحترم نفسها مثل إلياس إلى إضاعة الوقت، وإلى صندوق زجاجي شفاف للوصول إلى منصب الأمانة العامة، فإلياس هو البام، والبام هو إلياس، والبقية أحجار على رقعة الشطرنج يحركها كيف يشاء.
لقد اعتدنا أن يجلس الباكوري الأمين العام السابق للبام بجوار نائبه العمري؛ فيتحدث إلياس ويصمت مصطفى، واليوم وبعد أن نضجت الظروف وصرنا على أبواب الانتخابات التشريعية آن الأوان للانتقال إلى الخطة “ب”، فها هو العفريت يخرج من القمقم، ليعلن دون مواربة عن نفسه وعن مشروعه الذي سيعمل على تنزيله على أرض الواقع: (جئنا لمحاربة الإسلاميين).
كنا نود أن يحدثنا إلياس -وهو يسوق التراكتور بسرعة جنونية؛ ويصر على دهس المصباح وإطفاء نوره، ليصل منه إلى رئاسة الحكومة- عن مشروع حزبه السياسي، والحلول التي سيقدمها -ولو باختصار مخل- لإصلاح الاختلالات التي يعاني منها عدد من القطاعات، لكن الأمين العام الجديد لـ”البام” ذا القناعات الأيديولوجية الماركسية كان له رأي آخر.
فبالرغم من أنه كان يصلي بالناس في مرحلة من حياته تقية لا تدينا؛ وبالرغم من ممارسته للشعبذة السياسية كما فعل عقب فوزه برئاسة جهة الشمال حينما بدا زاهدا في السلطة وأعلن أنه صار “خماسا” عند الشعب ويفعل اليوم بعدم إبدائه الرغبة في رئاسة الحكومة، وبالرغم من اعتماده أسلوب القصص وسرد حكايات لا نهاية لها عن القايد والمخزني والدركي والسلطة والاعتقال والنفي ومسلسل “طرزان”… ليبرر للمتابعين أنه بريء من تهمة العمالة للمخزن العميق، فالشيء الجميل في إلياس هو وضوحه اتجاه مخالفيه الأيديولوجيين، وإعلانه البراء والحرب ضد كل من يقف أمام تنزيل مشروعه المجتمعي ذي الطابع العلماني.
لقد أعلنها سائق الجرار صراحة وقال إنه حل في الحقل السياسي لمحاربة الإسلاميين؛ لكنه في الوقت نفسه وعلى الرغم من ماركسيته وقاعديته التي تحول بينه وبين المقدس، إلا أنه مصرٌّ على عَدَم التفريط في المشترك لصالح الإسلاميين، وها هو قد بات يستعمل الدين في خطابه السياسي، ولا يستنكف من تأثيث كلامه بمقولات من مشكاة النبوة، كما فعل مؤخرا في مؤتمر “البام” الستاليني.
إنها طبول حرب الانتخابات والاستعدادات التي تسبق الاستحقاقات التشريعية القادمة التي ستفرز برلمانا جديدا وحكومة جديدة؛ بات البام أكثر من أي وقت مضى يتطلع إلى تسييرها وإحكام قبضته عليها، لكن مشروعه هذا يتهدده خطر كبير يمثله حزب القنديل الذي تمكن من تحقيق فوز كاسح في الانتخابات الجماعية الأخيرة؛ واستطاع أن يفوز بإدارة المدن الكبرى التي كانت تعد قلاعا لليسار بالأمس.
فإلى من ستؤول نتائج الانتخابات؟
هذا ما ستبوح به الأيام القريبة القادمة.
—–
محمد الصبار:
من جديد خرج محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان الحالي، بتصريح مثير على إذاعة Mfm، حيث كرر الصبار ما جاء في توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص تغيير حكم الله تعالى في الإرث، وقال: “من يدَّعون أن حكم الإرث قطعي لا يريدون النقاش.. وأن كل النصوص الدينية لها سياق.. وأينما كانت المصلحة فتم شرع الله”.
وأضاف الصبار في تصريحه المثير: “حينما نتحدث عن الحكم القطعي لا بد أن نتحدث عن الجزاء، لأن الأحكام القطعية مقرونة بالجزاء، والحكم القطعي يدخل في باب العبادات لا في باب المعاملات”!
وقد مثل “الفقيه” اليساري لذلك بمثال فقال: “إذا قلنا للناس لا تصوموا رمضان وصوموا عشرة أيام فقط؛ أو لا تصلوا خمس صلوات وصلوا واحدة هذا حكم قطعي، لكن باب المعاملات باب يتطور مع تطور العصر”.
ليخلص بعد ذلك إلى أن نصوص الإرث ليست قطعية وأنه “لم يتطاول على اختصاص جهة معينة ولن يقبل أن يتطاول على جهة معينة” في إشارة إلى فتوى المجلس العلمي الأعلى في هذا الإطار.
فليست هذه هي الخرجة المثيرة الأولى للعضو السابق بالشبيبة الاتحادية وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، فعلى ما يبدو فهو مصر على أن يقحم نفسه فيما لا يحسن، من خلال تجرئه على توظيف قواعد شرعية توظيفا منحرفا بعيدا عن المراد منها.
فبعد أن طالب الرفيق بمجددين دينيين من طينة السوداني حسن الترابي الذي أفتى بأن العلة من وراء تحريم الخمر هي تجنب الوقوع في المحذور، ومتى لم يقع هذا المحذور فلا ذنب على الإنسان في شربها، وبعد أن استغل تعطيل عدد من الأحكام الشرعية ليطالب بتعطيل نظام الإرث تباعا، ها هو اليوم يعود ويوظف كلاما لبعض العلماء توظيفا منحرفا يخدم غايته ومراده، ويدعي أنه أينما كانت المصلحة فتم شرع الله!!!
أكيد أن هذه العبارة ذكرها بعض الفقهاء، لكنهم أرادوا من ورائها معنى آخر غير الذي نقله مفكرون علمانيون، وتبعهم عليه بعد ذلك الصبار، فهذه القاعدة يفهمها أهل الشأن دون سواهم، ولا تؤخذ على إطلاقها (وإنما تقبل فيما لم يحكم فيه نص صحيح صريح، وهذا هو مجال المصلحة التي عرفت لدى الأصوليين بـ “المصلحة المرسلة” وهي التي لم يرد نص شرعي خاص باعتبارها ولا بإلغائها، وقد اشترط للعمل بهذه المصلحة شروطا، أولها وأهمها: ألا تعارض نصا محكما، ولا قاعدة قطعية، وإلا كانت مهدرة ملغاة).
وأما ادعاؤه أن الأحكام القطعية متعلقة بالجزاء والظنية لا جزاء عليها، فهذا ما لم يقله أصولي من قبل، حيث أكد علماء الأصول أن: “النص القطعي الدلالة: هو ما دلَّ على معنى متعيَّن فهم منه ولا يحتمل تأويلا ولا مجال لفهم معنى غيره منه، مثل قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ) النساء:12، فهذا قطعي الدلالة على أن فرض الزوج في هذه الحالة النصف لا غير، ومثل قوله تعالى في شأن الزاني والزانية (فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ) النور:2، فهذا قطعي الدلالة على أن حد الزنا مائة جلدة لا أكثر ولا أقل، وكذا كل نصٍّ دلَّ على فرض في الإرث مقدَّرٍ أو حدٍّ في العقوبة معيَّن أو نصاب محدَّد.
وأما النص الظني الدلالة: فهو ما دل على معنى ولكن يحتمل أن يؤول ويُصرف عن هذا المعنى ويراد منه معنى غيره، مثل قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ) البقرة/ 228، فلفظ “القرء” في اللغة العربية مشترك بين معنيين يطلق لغة على الطهر ويطلق لغة على الحيض، والنص دل على أن المطلقات يتربصن ثلاثة قروء، فيحتمل أن يراد ثلاثة أطهار، ويحتمل أن يراد ثلاث حيضات”. انتهى من (علم أصول الفقه لعبد الوهاب خلاَّف؛ ص:35) .
ثم إن النصوص الشرعية سواء ما تعلق منها بباب العبادات أو المعاملات لا تتطور بتطور العصر -كما ادعى الصبار-؛ لأنها تتميز بصفات خاصة دون غيرها من النصوص الأخرى؛ ومن بين هذه الصفات الثبات والشمول.
فهي شاملة لكافة مناحي الحياة، وثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، قال الحق سبحانه: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى في كتابه مقاصد الشريعة: “معلوم بالضرورة من الدين أن شريعة الإسلام جاءت شريعة عامة داعية جميع البشر إلى اتباعها، لأنها لما كانت خاتمة الشرائع استلزم ذلك عمومها لا محالة سائر أقطار المعمور وفي سائر أزمنة هذا العالم”.
الشيء الجميل في خرجات الصبار المثيرة هو اقتحامه مجالات لا قبل له بها، وادعاؤه أمورا غريبة، وأكثر من ذلك طرحه لمثل هاته الترهات بلغة الإنسان الواثق من نفسه والمستيقن مما يقول!!!

—–

أحمد عصيد
مؤخرا اضطر عصيد للتواري عن الأنظار، وذلك بسبب الفضيحة المدوية التي فجرتها في وجهه رفيقة دربه مليكة مزان، حيث كشفت الأخيرة من خلال وثيقة نشرتها على حائطها بالفيسبوك أن علاقة غير شرعية تحت رعاية الإله “ياكوش” كانت تجمعها بالناشط العلماني، وأن عصيد كان يتعامل معها بشكل عنيف وغير إنساني، وأنه مارس عليها العنف الجسدي والرمزي، وأقدم على صفعها.
أكيد أن هذه السكيزوفرينيا تأتي على مشروع عصيد من قواعده، وتكشف للرأي العام تناقضه الصارخ بين التنظير والممارسة، وهو ما دفعه إلى الانحناء للعاصفة وتقليل خرجاته الإعلامية، وها هو مضطهد المرأة يعود مجددا ليظهر على ساحة الأحداث ويمارس هوايته المفضلة باستفزاز الرأي العام والهجوم على المقدسات.
حيث قال المتطرف عصيد إنّ عقوبة الاستهزاء أو الإساءة إلى الذات الإلهية أو الأنبياء والرسل يجبُ إزالتُها من مشروع مُسوَّدة القانون الجنائي، التي أعدّتها وزارة العدل والحريات، معلّلا موقفه بكون المادّة 219 “تعطي إمكانيّةَ الإيقاع بالناس دون أيّ مبرّر معقول”، وأنها ستُوقفُ الفكر. فلا مكانَ لها -وفق قوله- في قانون جنائي منصف.
ومن خلال هذا التصريح يمكننا أن نقف على معنى المقدس عند عصيد، فالله سبحانه وتعالى وكذا الأنبياء والمرسلون عليهم صلوات رب العالمين لا يدخلون عند هذا المتطرف في دائرة المقدس الذي يتعين احترامه وتوقيره، وبالمقابل فالفن والإبداع مقدس يحرم الاقتراب منه أو التضييق عليه!
الأمر واضح فلكل مقدساته التي يدافع عنها؛ لكن الشيء المثير والمضحك في الوقت نفسه أن هذا المتطرف لا يفتأ يكرر في مناسبة وغيرها أنه ليس ضد الإسلام أبدا ولكن مشكلته تكمن مع ممارسات المسلمين.
حقيقة؛ أريد أن أصدقه لكني لا أستطيع، فهذا الكائن العلماني يعتبر الشخصية الإسلامية مصابة بعطب وأن المسلمين عندهم خلل في معنى الإيمان، ويزعجه رفع الأذان؛ ويدعو إلى منع الصلاة في المؤسسات العمومية؛ ويعتبر شعائر عيد الأضحى تتنافى والسلوك المدني؛ ويسخر من المسلمين بشدة إذ يعتبرون دينهم أفضل الأديان وأصحّها على الإطلاق، ويعتبرون ديانات غيرهم خرافية ومنحرفة ولا عقلانية… ويعترف بكل وضوح ويبين أن “المشكلة ليست في المسلمين فقط بل تكمن في صميم الدين الإسلامي وبين ثنايا نصوصه”!! كما صرح بذلك غير ما مرة، وأن الإسلام لا يعني الأمازيغ والأعراق الأخرى لأنه أتى للعرب فحسب.
هذا الصوت النشاز لن يحظى أبدا بالقبول بين صفوف المغاربة الذين بات الكثير منهم ما أن يذكر اسم هذا المتطرف في مجلسهم حتى يقدِموا على التعوذ بالله العظيم، وبعضهم يلجأ إلى تعبيرات أخرى أكيد أن أغلبكم سبق وسمع بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *