نيل المنى

 

كمن له توسط في أرض         لغيره وتاب كيف يمضي

ويتصور ذلك في «كمن له توسط» أيوجد «في أرض» هي «لغيره» لكن هذا الذي توسطها اغتصبها منه «و» لكنه «تاب» من ذلك الإغتصاب وهو مازال فيها، وأراد الخروج منها، إلا أنه إن مشى فيها خارجا منها فإن هي عدمت صرفا في ملك غيره، بدون إذنه، وبذلك فهو مازال مغتصبا لها، ولا يمكنه الخروج من الغصب إلا بذلك، فماذا سيفعل، و «كيفي مضي» في هذا الأمر.

قال الشاطبي: «فالظاهر الآن أنه إنما أمر بالخروج فأخذ في الامتثال، غير عاص ولا مؤاخذ؛ لأنه لم يمكنه أن يكون ممتثلا عاصيا في حالة واحدة، ولا مأمورا ولا منهيا من جهة واحدة لأن ذلك تكليف مالا يطاق فلا بد أن يكون في توسطه مكلفا بالخروج على وجه يمكن مع بقاء حكم النهي في نفس الخروج، فلا بد أن يرتفع حكم النهي في الخروج.

والله مجرى للمـــسببات                   بحسب الاسباب في العادات
فهي إذا تجري على منهاجها            عند استقامها وفي اعوجاجها
لذاك عن يبد بها نقص خلل               ينظر الى تسبب كيف حصل

«فصل»

في الفائدة الثالثة وهي الإدراك بأن الله عز وجلـ جعل المسببات في العادة تجري على وزان الأسباب في الإستقامة والاعوجاج فإذا كان السبب تاما والتسبب على ما ينبغي، كان المسبب كذلك، وبالضد.

قال الناظم و«الله» تعالى «مجر» ـمن أجرى الشيء إذا أمضاه على سنن مطردـ «للمسببات بحسب» حال «الأسباب» أي أسبابها في الاستقامة والاعوجاج، وذلك «في» مطرد «العادات» كما دل على ذلك الحس والتجربة «فهي» أي المسببات «إذن» من أجل ذلك «تجري» أي تمضي وتكون «على» وفق «منهاجها» أي منهاج أسبابها، والمراد بالمنهاج الطريق التي مضى عليها في كسب تلك الأسباب، وهي قد تكون معوجة، وقد تكون مستقيمة، والمسببات الناشئة عنها تكون على حالها نفسه، سواء «عند» حصول «استقامها» يعني استقامتها ـوإسقاط التاء من هذا الضرب، من المصادر شذوذ، وإن سمع «و» كذلك «في» حال «اعوجاجها»، وذلك يعلم بتخلف الثمرات عن المسبب، وثبوت الخلل فيه. وذلك إنما يأتي من جهة السبب «لذاك» الذي تقدم ذكره وهوأن حال المسبب تابع لحال السبب «إن يبد» أي يظهر «بها» أي بالمسببات «نقص خلل» فإنه «ينظر» عند أهل الفقه «إلى» حال «تسبب» يعني إلى حال التسبب الذي كان نشأت عنه تلك المسببات و«كيف حصل» ووقع.

فإن يكن على تمام ارتفع    لوم والا فالملام قد وقــع
ومن هنا يبدو بالانتزاع     الاصل في التضمين للصناع
اذا بدا من حالهم تغرير     أو ظهر التفريط والتقصـير

«فإن يكن» قد وقع وحصل «على تمام» له فإنه قد «ارتفع» الذم عن المتسبب، فلا يقع عليه «لوم» بذلك «وإلا» يكن التسبب على تمامه «فالملام قد وقع» أي واقع على المتسبب «ومن هنا» على ما «يبدوا» أخد «بالانتزاع» أي بطريقة الانتزاع وهي أخد الحكم بالنظر العقلي من ظاهر وحال الشيء إن هذا الذي ذكر من النظر إلى حال الأسباب على الوجه المذكور هو «الأصل» الذي عليه الحكم «في التضمين» أي إيجاب الضمان «على الصناع» في حال ما «إذا بدا» ظهر «من حالهم» وتصرفهم في عملهم «تغرير» من أنفسهم، بحيث ادعوا أنهم صناع فغروا غيرهم بذلك «أو ظهر» من جانبهم «التفريط» وعدم المبالاة بالعمل «أو التقصير» فيه بأن تركوا إتقانه. بخلاف ما إذا لم يكونوا على شيء من ذلك فإنه لا ضمان عليهم، لأن الغلط في المسببات أو إيقاعها على غير وزان أسبابها قليل. والقليل لا مؤاخذة به.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *