من المضحك المبكي في برنامج مباشرة معكم بالأمس ما احترفه بعض العلمانيين من البكاء على أطلال الحرية المفقودة، والتضجر من بعض القيود التي يدعون وجودها على الجهر بآرائهم، سواء أكانت تلك قيوداً اجتماعية، أم كانت قيوداً من المشرفين على وسائل الإعلام، ولا يتورع البعض منهم عن الادعاء بوجود “اضطهاد فكري ونفسي” من فئات المجتمع المختلفة.
وتتنوع شكاوى هؤلاء من التضييق على الظهور، إلى إعطاء الفرص الأوفر لمخالفيهم من الإسلاميين في معظم الأحيان للإدلاء بآرائهم في مختلف القضايا، ولا يتورع بعض المغالين من مغموريهم بادعاء وجود تهديدات وأخطار تمس حياته، وهذه مسألة بالغة الخطورة؛ لأنها تمس قضية الأمن الوطن الذي يجب أن يشترك جميع أبناء الوطن في الحفاظ عليه بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية أو الدينية؛ فمن هم هؤلاء؟
لا يخفى على باحث أن العلمانية: هي حركة تدعو إلى الفصل بين الدين والحياة، وتهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة، وتوجيههم إلى الدنيا فحسب كما أن للعلمانية صورتان:
1- صورة متطرفة: وهي التي لا تكتفي بعزل الدين عن الدنيا بل تحارب الدين جملة فتنكر وجود الله، وتحارب الأديان وتكفر بالغيب.
2- صورة معتدلة: وهي التي تكتفي بعزل الدين عن الدنيا، دون أن تُنكر وجود الله أو تحارب الدين؛ بل إنها تسمح بإقامة بعض الشعائر والعبادات بشرط أن تقتصر علاقة العبد بربه دون أن يكون للدين علاقة في شؤون الحياة الأخرى ولا تعني كلمة [معتدلة] أنهم ليسوا خطرا على المجتمع المسلم بل هم أشد خطراً من الفريق الأول لأن الفطر السليمة تنبذ الفريق الأول بخلاف الثاني فهي معتدلة بالنسبة لتعايش وقبول المجتمع لهم نوعاً ما وهنا تكمن الخطورة.
فهم مع الأسف مجموعة من العادات السيئة والقبيحة بكل دين يأخذون منه ما وافق أهواءهم الشاذة فينتج لنا مذهب متشرد لا ينتمي لأي فئة كـذباب لا يقع إلا على القبيح من الأقوال والأفعال؛
فهم معول هدم في أيدي الغرب والسرطان الفكري للشعوب المسلمة ومستنقع الشبهات والشهوات، وهذا هو حالهم ومرادهم فهم قد انتشروا بين المسلمين بصمت لا كثرهم الله بدعوى الإصلاح المزعوم وهم في حقيقة الأمر مفسدون في الأرض وإن قالوا عن أنفسهم أنهم مصلحون قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ).
فالإصلاح والإفساد ضدان لا يجتمعان ألبته، لذلك ليس كل من ادعى الإصلاح مصلح!! فهذا فرعون يدعي الإصلاح قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)، وقال كذلك عن نفسه أي: فرعون (مَآ أُرِيكُمْ إِلاّ مَآ أَرَىَ وَمَاأَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرّشَادِ)، إذا هذا الإصلاح المزعوم هو منهج فرعوني قديم ليس جديدا على الأمة؛ وبهذا نستطيع أن نقول إن أخطر أساليب الإفساد في الأمة ما كان بدعوى الإصلاح بعيداً عن الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح.
فدعوى العلمانية في حقيقتها لا تعيب شيئا يخالف شرائع دين الإسلام، فشعارهم الأول افعل ولا حرج، وهدفهم الأسمى الانحلال الأخلاقي والديني، وطموحاتهم الحالية الفجور والسفور والاختلاط وتحكيم القوانين الوضعية وإلغاء الأحكام الشرعية وغير ذلك من التكاليف!!
ومن أهم قواعدهم: “خالف تعرف”، فتجدهم دائماً يشككون بالدين وبالمذاهب الفقهية ويسعون سعياً حثيثا للشهرة!! بانتقاد الدين كما حصل من لشكر ومن عصيد و… ورموز الدين مع ضحالة النقل والعقل وهذا ما يزيد تعجبي!! ودهشتي!!
ولا يعني هذا أننا ندعي العصمة لأحد غير المعصوم صلى الله عليه وسلم، فالحق ما وافق الكتاب والسنة على فهم العلماء الراسخين في العلم، فنحنُ أهل السنة ليس لدينا أئمة معصومين!! أو علماء معصومين!! وهذا لا نزاع فيه بين أهل العلم، وقال مالك رحمه الله: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر يعني: المعصوم صلى الله عليه وسلم.
فعندما أسمع أحد هؤلاء الأقزام يتكلم تجد أن هذا الوقت الطويل يكاد يخلو تماما من قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل دلاله واضحة على جهله وبطلان معتقده؛ كما أنك لو سبرت حال هذا الببغاء تجده لا يعرف من بديهيات الدين شيئا، وهذا ما أسميه بالمضحك المبكي والله المستعان.
وأيضا مما يلاحظ كثرة تبجيلهم للغرب بطريقة مثيرة للاشمئزاز كما فعل بوهندي؛ وأي شيء سيء مستنكر يستنكره المسلمون على الغرب هو محط أنظارهم، فتجدهم يدافعون دفاع المستميت عن الغرب ودعاوى الغرب الباطلة، وكأنما يدعون إليه كتاب منزل من عند الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والله المستعان.
وفي مقابل هذا الدفاع الظاهر عن الغرب أنظر إليهم عندما تُنقض بعض عرى الإسلام!! هل تجد هذا الدفاع المستميت في صفوف المسلمين!! بل تجدهم مع الأسف يهونون الأمور ويخذلون العامة ويستنقصون كل من وقف ضد الدعاوى الغربية، بل إنهم ينهالون بالتهم على من رد عليهم تارة إرهابي وأخرى تكفيري ظلامي رجعي، والمسلمين ككل بأنهم شعوب متخلفة تربط الدين بالحياة وتقيد الحريات.
فهم يريدون الحرية المطلقة بدون حدود ويرون أن المعتقدات الإسلامية بالنسبة لهم مخزية ورجعية، مثل ارتداء الحجاب أو اللحية وتقصير الثياب والدعوة إلى الله والذهاب إلى المساجد وغيرها.
فهم بلا شك داء العصر وينبغي لنا بيان شرهم للعام والخاص وهنا إشارة مهمة لكل مسلم كما في حديث حذيفة رضي الله عنه في البخاري عن أبي إدريس الخولاني (أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ فقال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا..) الحديث.
فإذا كان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يخشى على نفسه الوقوع في الشر بمعرفة الشر من كافة طرقه وبمختلف أطواره خشية أن يدركه ويقع فيه، فمن باب أولى أن نخشى نحن على أنفسنا الوقوع في الشر.
عرفتُ الشرَّ لا للشرِّ لكنْ لتوقِّيه — ومن لا يعرِفِ الشرَّ من خير يقَعْ فيهِ
فالمؤمن كَيِّس، فـَطـِن “ليس كيس قطن”، فالذي ينبغي علينا التنبه والتفطن لأمر هؤلاء المستأجرين من قبل الغرب؛ ومع هذا للأسف تجد بعض الإمعات من الناس يُعجب بهم وينساق خلف كلامهم المعسول في ظاهره، والسم الزعاف في باطنه قال تعالى: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ).
وقال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
يعطيك من طرف اللسان حلاوة — ويروغ منك كما يروغ الثعلب
ولكن مع ضحالة ما عندهم لا ينبغي أن يتصدى لهم ويقف أمامهم بقوة وثقة إلا من هو عالم بهم وبحالهم من أهل العلم بالحجة والدليل من الكتاب والسنة.
فالأمة الإسلامية تعيش أياماً صعبة من حيث تكالب الأعداء واستئساد الثعالب وحياكة المؤامرات في السر والخفاء للنيل من دينها وعزتها وكرامتها والله غالب على أمره، والحمد لله ربّ العالمين.