الإلزام بالموافقة في صحة مصطلح ‫(‏المراهقة‬) (الحلقة الأولى): أبو سهل طه بن الطيب بن المحجوب الزياتي السوداني

ظهر علينا منذ فترة بعض الشباب المتحمس للتدين والاستقامة من ينكر استعمال (مصطلح المراهقة) في علم النفس والدراسات التربوية المعاصرة. وهم يَدَّعُون أن هذا المصطلح حادث جديد، لا يوجد في كلام العرب، ولا دين الإسلام! استخدمه الغربيون، ليفسدوا الشباب، ويجدوا العذر لهم في تبرير ظاهرة الانفلات الأخلاقي، وتسويغ الانحراف السلوكي!!
والعاقل اللبيب، والباحث المتأمل يجد أن كلام هؤلاء الفتيان في إنكار هذا المصطلح، وهذه المرحلة العمرية، ونسبته إلى الغربيين قولٌ باطل مجانب للصواب.
وآفة هؤلاء الشباب تكمن في أربعة أشياء، هي منشأ الخطأ عندهم، وسبب الخلل في أطروحاتهم:
• أولاً: الاعتماد على التقليد:
فهؤلاء يقلد بعضهم بعضاً، ومن المعلوم أن التقليد ليس بعلم ولا حجة، ولا دليل ولا برهان بإجماع العقلاء.
بل هو جهلٌ محض لا يؤخذ به، ولا يُعَوَّلُ عليه. فإذا اتفق أن تعاطاه الإنسان بعذر أو بلا عذر، فغاية ما يمكن أن يقال فيه: إنه قد يسعفه لنفسه، ولكن لا يؤهله لطرحه على الناس، ولا يجوز له بحال أن ينشره للعامة على أساس أنه علم وتحقيق، لأنه في هذه الحالة سيعرض نفسه للإثم والذم والرد، والنقد والنقض.
• ثانياً: عدم تكليف النفس عناء البحث والتحري عن الحقيقة العلمية:
غالب هؤلاء ليسوا أهلاً للبحث والتحقيق، ولكن حتى من له أدنى علاقة بالبحث يكتفي بالنقل عن الآخرين، ولا يجهد نفسه في البحث والتحري عن الحقيقة العلمية، ولو بحث أولئك في كتب اللغة العربية فقط، لكسروا أقلامهم، وصبوا المداد على رؤوسهم ووجوههم.
• ثالثاً: إنكارهم لحقائق علمية ولغوية بجهل وتفكير سطحي:
بعض من ينتسب للتدين ينكر حقائق علمية ثابتة لا تقبل الجدال، ولقد سمعنا بمن أنكر علم الفلك من أصله، ومن أنكر علم النفس، ومن تفاصيل ذلك إنكار بعضهم لدوران الأرض حول الشمس، وكروية الأرض، والصعود للقمر، ونحو ذلك. وكل هذا إنكار للحقائق العلمية، وقصور في المعرفة، ونقص في الاطلاع، وضيق في الأفق، وضعف في مفهوم الدين والتدين.
• رابعاً: تهجمهم على العلوم بدون معرفة أدنى شيء عنها:
لا يجوز لإنسان أن يتكلم على جزئية في علم من العلوم قبل أن يعرف أصلها وحقيقتها، ويعرف أسسها – على أقل الأحوال-، ومن تكلم في علم بجهل وجهالة، فقد أبعد النجعة، وعرض نفسه للتعنيف، وأضحك العالم عليه.
✎ قال أبو حامد الغزالي: «رد المذهب قبل فهمه والاطلاع على كنهه رميٌ في عماية»(1).
✎ وقال الشوكاني: «وإني لأعجب مِن رجل يَدَّعِي الإنصاف والمحبة للعلم، ويجري على لسانه الطعن في علم من العلوم؛ لا يدري به، ولا يعرفه، ولا يعرف موضوعه، ولا غايته، ولا فائدته، ولا يتصوره بوجهٍ مِن الوجوه!»(2) .
ويتضح بطلان هذا المسلك من عدة وجوه:
• الوجه الأول: مصطلح المراهقة موجود في لغة العرب:
الْمُرَاهِق-بكسر الهاء-: مصدر من رَاهَقَ، يُرَاهِقُ، مُرَاهَقَةً، بمعنى المقاربة، ورَاهَقَ: أي قارب الشيء، ورَاهَقَ الغلام: أي قارب البلوغ (3) .
✎ قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: «والْمُرَاهِق: الغلام الذي قارب الحلم»(4).
ويقال للبنت أيضاً مراهقة (5).
ومعنى كلام أهل اللغة: (قارب البلوغ) لا يعني أنه مجرد طفل اقترب من مرحلة البلوغ بالمعنى الحرفي، ولكن مقصودهم: أنه في مرحلة مقاربة جداً لدرجة التداخل، يكون فيها الغلام قريب من البلوغ، وقد تظهر عليه بعض آثار البلوغ، فهو بين بين، فلا هو طفل محض، ولا هو بالغ كامل البلوغ.
✎ ويوضح ذلك قول الجرجاني: «المراهق: صبي قارب البلوغ، وتحركت آلته واشتهى»(6) .
فقول الجرجاني عن المراهق الذي قارب البلوغ: (تحركت آلته واشتهى) يدل على أنه ليس مجرد طفل يافع، بل رجل في بدايات طريقه للنضوج، وظهرت عليه بعض العلامات.
✎ قال ابن دريد: «وأنبت الغلام إذا راهق، واستبان شعر عانته»(7).
ومن المعلوم أن إنبات شعر العانة من علامات البلوغ، ويقام به الحد على المراهق.
❀ عن عطية القُرَظِي قال: «عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، فَكُنْتُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخُلِّيَ سَبِيلِي»(8).
✎ قال الصنعاني: «والحديث دليل على أنه يحصل بالإنبات البلوغ، فتجري على مَن أنبت أحكام المكلفين، ولعله إجماع»(9).
وهذا يؤكد أن أهل اللغة لا يقصدون بالمراهقة مرحلة منفصلة عن البلوغ، وإنما هي مرحلة متداخلة، بل ويطلقونها على بدايات البلوغ.

يتبع إن شاء الله تعالى
☜ الهوامش :ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (المنقذ من الضلال) (ص: 126).
(2) (أدب الطلب ومنتهى الأدب)(ص: 157) .
(3) ينظر:(الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي)(ص: 127)، و(تفسير غريب ما في الصحيحين)(ص: 265)، و(المطلع على ألفاظ المقنع)(ص: 361)
(4) (كتاب العين)(3/ 367)، وينظر أيضاً:(مقاييس اللغة) لابن فارس (2/ 451) .
5) ينظر: (تهذيب اللغة) للأزهري (5/ 260)، و(لسان العرب) لابن منظور (10/ 130).
(6) (التعريفات)(ص: 208).
(7) (جمهرة اللغة)(1/ 257)، وينظر أيضاً:(المحكم والمحيط الأعظم)(9/ 505)، و(المخصص) كلاهما لابن سيده (1/ 59)، و(لسان العرب) لابن منظور (2/ 96).
(8) رواه أبو داود (4/ 141) رقم (4404)، والترمذي (4/ 145) رقم (1584)، والنسائي (6/ 155) رقم (3429)، وابن ماجة (2/ 849) رقم (2541). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال شعيب الأرناؤوط ومجموعته في (تحقيق سنن أبي داود)(6/ 456): (إسناده صحيح) .
(9) (سبل السلام)(2/ 82).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *