إصدار جديد: فقه التنزيل وتطبيقاته عند المالكية

 

يقوم الكتاب (فقه التنزيل وتطبيقاته عند المالكية) لمؤلفه د. رشيد بنكيران، على فكرة رئيسة تقرر أن هناك فقها آخر يتطلب حضوره أثناء تنزيل الأحكام الشرعية سواء كانت الأحكام معلومة من الدين بالضرورة أو مستنبطة، أو كانت قطعية أو ظنية.

وإذا كان الفقه اصطلاحا هو بذل الوسع أو الاجتهاد في معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية فإن فقه التنزيل هو كذلك اجتهاد إلا أنه يهتم بكيفية تنزيل تلك الأحكام على المحل وعلى الواقع وفق مراد الله ومقاصد شريعته..

وإذا كان المجتهد مطالبا بمعرفة الأحكام الشرعية بأدلتها، فهو أيضا معني بالنظر في كيفية تنزيلها، ولهذا كان فقه تنزيل الأحكام الشرعية، أو لنقل: فقه التنزيل لا يقل أهمية عن فقه الأحكام إن لم نقل هو أهم منها. والأحكام الشرعية أدوية، ومعرفة الدواء مهم، ولكن كيفية الاستفادة من الدواء قدرا ووقتا ومحلا لا يقل أهمية من الدواء نفسه، وإن سوء التنزيل للدواء قد يجعل ما كان دواء داء، وما كان يرجى به الشفاء مبعدا له، كما إن سوء تنزيل الأحكام قد يجعل مفسدة ما كان مصلحة، ونقمة ما كان نعمة، وعذابا ما كان رحمة ، نسأل الله العفو والعافية.

وبناء عليه، ففقه التنزيل يسعى إلى تطبيق أحكام الشريعة وتنزيلها بمراعاة مقاصدها، فلا عبرة بالوسائل ما لم تحقق المقاصد، كما لا عبرة بالأجساد إذا فارقتها الأراوح، ومقاصد الشريعة أرواح الأعمال والأحكام.

ويهدف فقه التنزيل كذلك إلى منع الخصومة أو العداوة أن تقع بين الواقع والحكم الشرعي أو الواجب، وكما أن الواجب يؤثر في الواقع فإنه يتأثر بالواقع، ويُكيفه كما أنه يتكيف به، فلا ينبغي أن يكون الواجب مشرقا والواقع مُغربا، وفقه التنزيل للأحكام يقرب بينهما، ويسعى -قدر المستطاع- إلى جعل الواقع خاضعا لله بالاختيار كما هو خاضع له بالاضطرار.

ومن خلال تأمل اجتهادات صدرت عن السلف الصالح، وكذلك نخل ما كتب في موضوع “فقه التنزيل” ـ حسب الإمكان ـ خلصت إلى تعريف له حسب تصوري وكان:

“هو ضرب من الاجتهاد في تحقيق مقاصد الشريعة باعتبار مآل الأحكام وفق ما يقتضيه فقه الواقع”.

فاقتضى التعريف بصياغته المختارة أن يتضمن حقيقة وركنا ثم شرطا ووسيلة، وبيان ذلك أن فقه التنزيل:

▪︎حقيقته أنه اجتهاد، ويمكن الاستغناء عن ذكره في التعريف بعبارة “استفراغ الوسع بتحقيق..” لكن الغرض من التنصيص عليه باللفظ هو لأجل التنبيه على أنه نوع من الاجتهاد يقع كذلك على عاتق المجتهد والمفتي؛

▪︎وموضوعه الذي يشتغل عليه وهو ركنه: تحقيق مقاصد الشريعة؛

▪︎ووسيلته لتحقيق ذلك هو اعتبار مآل الأحكام، فتارة يأخذ بمبدأ التدرج في الأحكام، وتارة يستثني صورا منها، وتارة يخصص عامها ويقيد بعض مطلقاتها، وتارة يسكت عما يقتضي السكوت عنه الى حين؛

▪︎وشرطه لسلامة تنزيل الأحكام وتحقيق مقاصدها هو التفقه في الواقع أو ما يسمى بفقه الواقع.

وبعد الانتهاء من مرحلة التأسيس والتدليل لفقه التنزيل جاءت مرحلة أخرى تطبيقية لما سبق تقريره، فوقع الاختيار على أمثلة من المذهب المالكي لاعتبارات عامة و أخرى خاصة.

وكأي مجهود بشري، فإن التقصير والخطأ معدنا الإنسان، ولهذا أنزه الشرع عن كل ما وقع من ذلك أثناء تقريري لأحكام ليست منه، وأحث من اطلع على الكتاب ووقف على عيب فيه أن يستره إن وسعه السكوت، ومن وقف على خطأ أن ينبهني عنه مشكورا، فمن منا إلا راد ومردود عليه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *