على حين غفلة من العلماء المخلصين، وﺇبان غياب الحضور القوي لرموز الدعوة الأكفاء من حملة الفقه والعلم والحديث، عن مراكز تأطير الأمة وتوجيهها التوجيه الشرعي ﺇلى طريق الاسلام، ومحجته البيضاء، فشى المنكر، وعشعش الفجور في الصدور، واستفحل الداء، وضعف الدواء، وحُجر على الحق، وهو القادر على إبطال ترهات المد العلماني، على حين غفلة من هؤلاء الصالحين التقاة، تصاعد في أيامنا هذه الطعن في المقدسات باسم حرية التعبير وباسم الانفتاح أو باسم التواصل، حتى تتضاءل أغلال القمع (حسب زعمهم) أو تزول.
وما قامت به جريدة “نيشان” التي استهزأت بالدين، وتطاولت على قدسية رب الأكوان، إلا خير دليل على صحة ما نقول.
وبالإضافة إلى هذه الحرب القذرة، جاوز أهل الدجل المدى في ترويج الباطل، وصد الناس عن سواء السبيل، وكبرت جرأتهم في تعدي حدود الله، حيث أخذوا يتركون الواضحات، ويتمسكون بالمشتبهات، ويميتون السنة ويحيون البدعة.
فتارة تراهم يسخرون من أصحاب العلم والفضل فاتبعوا الظن وما تهوى الأنفس، وتارة تراهم يعرضون بأحكام الشرع، ويمررون مكانها هرطقات ما عرفها السلف ولا أقرهم عليها الخلف.
وهذا الانحراف والجور والطغيان ليس غريبا على من اتخذ إلاهه هواه، وحاد عن الصراط المستقيم. وصدق الشاعر إذ يقول :
ومن يكن الغراب له دليلا *** يمر به على جيف الكلاب
فيمسي من روائحها عليلا *** ويصبح تاركا خط الصواب
نادية ياسين والدفاع عن التبرج
ونسوق في هذا الإطار ما نقلته جريدة المساء المؤخرة ب 17-18 فبراير2007 عن نادية ياسين سيدة السالكات في جماعة العدل والإحسان. جاء منسوبا إليها: “أنا مستعدة لإنشاء حزب يدافع عن حق المرأة في عدم ارتداء الحجاب”.
لاجرم أن مثل هذا التصريح يصادم صريح النصوص ويتعارض مع معلوم من الدين بالضرورة، ويساعد على إشاعة المنكر والعصيان. كما أن الملاحظ أن نادية ياسين التي تربت على دين ابن الفارض وابن سبعين وغيرهم من ورواد الصوفية المنحرفة عن الهدى النبوي القائلين بالحلول ووحدة الوجود، التي لا تقود الإنسان إلى مقام الإحسان، بل الى الشرك بالله تعالى، وإلى تقديس الأولياء والصالحين، لأنه لا إحسان ولا إيمان إلا بالإتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهم الدين بفهم الصحابة أولي “العرفان”.
قال عز وجل: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً}النساء115. وللإشارة فإن كل عقيدة ينكرها القرن الأول الذي كونه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي لا تمت بصلة إلى عقيدة التوحيد التي تقوم على إفراد الله عز وجل بالإلوهية والربوبية وتوحيد الطريق إليه وذلك بالاستقامة على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والعقيدة الإسلامية والحمد لله، عقيدة تحرر العبد من الوهم، وتيسره للفهم، وتقيه فتنة إلغاء العقل وتحفظه من مشيخة الخرافة والدجل.
كما أنها تقوم على نبذ كل أشكال التطرف، سواء التطرف الفكري أو الديني، وفي نفس الوقت هي عقيدة تحرم التوظيف السياسي أو الصوفي للنصوص القرآنية، أو تكييفها مع النزوات والشطحات، إذ الحلال بين والحرام بين، وأمور الشرع توقيفية ولا يحق الإفتاء فيها بغير علم، فالفتوى بغير علم في النار ومن كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمدا ، فليتبوأ مقعده من النار.
وجوب التقيد بالوحيين
إن الله تبارك وتعالى خلقنا لعبادته قال عز وجل:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}الذاريات56. ومصدر العبادة موحد في الحنفية السمحاء، ويمكن تلخيصها في كل ما بلغنا من سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، فسننه هي الحاكمة على ما سواها، والإيمان بحجية السنة النبوية فرض عقائدي لاينازع فيه منازع؛ قال تعالى : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النور63.
وعنه صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم من حرام فحرموه. وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله». رواه أبو داوود والترمذي والحاكم.
وعنه صلى الله عليه وسلم: « من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله». متفق عليه.
وعليه فالأصل الأول: الذي ناضل من أجله صلى الله عليه وسلم هو أن يوحد الله تعالى فلا يعبد سواه.
والأصل الثاني: توحيد الطريق إليه، أي: أن لا نعبد الله تعالى إلا بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا نستغرب: كيف يمكن لعبد أن يعترض على أوامر الله عز وجل عندما تكون النصوص صريحة في الأمر بفعل أو النهي عنه؟ !. لأن الحجاب مفروض بأكثر من دليل.
ونقول لنادية ياسين: اتق الله في بنات المسلمين اللواتي أصبحن بسياسة أبيك وفتاويك ينقضون عرى الإسلام عروة عروة بعدما جردهم المرشد من العقيدة الصحيحة وأوقعهم في حبال الشرك النتن والفكر الخرافي المتعفن: احذري قوله تعالى: “إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق”. سورة البروج الآية 10.
أفي ظرفية تاريخية تتضافر فيها جهود الدعاة المخلصين لتخليص النساء من قبضة التبرج وثقافة العري والانحلال، وهم يمارسون واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويحثون المسلمات على ارتداء لباس الحياء والوقار والعفة حتى يظهر المجتمع في مظهر إسلامي متميز وأصيل، في هذا الظرف أصدرت تصريحك هذا! أتريدين إلى جانب رائدات الموضى الأمريكية أن تشرعي لأخواتنا لباسا أمريكيا يرضى عنه “السيد بوش” كما يحلو لك أن تناديه وأنت متمتعة بالصحة والعافية في ربوع أراضيه.
لقد توضحت الرؤيا في كون “بوش” رضي عن “الإسلام” الخرافي ولم يعد الأمر يحتاج الى نقاش!
فهلا تبت إلى الله من قراءتك السياسية للآيات التي تدافع عن المحظور وتؤصل لبدع ينفر منها كل ذي حِجْر.
أيتها المسلمات، إن حريتنا مقيدة بأوامر الله عز وجل وهي ضوابط لا يزيغ عنها إلا هالك، وعندما يأمرنا الله تعالى بأمر أوجبه علينا وفرضه بصريح الآيات التي وضحتها السنة النبوية في الأحاديث لا يجوز أن نعترض.
إن الرفض لما يلزمنا به ربنا تبارك وتعالى يفسخ عقد الإيمان، فكيف يمكن أن نزعم أن لنا الحق في عدم تنفيذ ما أمر الله تعالى به؟ وهل يحق للعبد أن يعترض على ما ارتضاه له ربه عز وجل؟
أدلة فرضية الحجاب
وأجدني أمام تصريحها ذاك مضطرة إلى الحديث عن فرضية الحجاب وذلك حتى لا تفتتن به المسلمات، فدليله الأول قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }سورة الأحزاب الآية 59.
وقال عز وجل:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}النور31
روى الإمام البخاري عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: “يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله وليضربن بخمرهن على جيوبهن ؛ شققن مروطهن فاختمرن بها”. ص البخاري (4758).
وعن سعيد ابن جبير (وليضربن): ليشددن، (بخمرهن على جيوبهن):يعني على الصدر فلا يرى منه شئ.
والراجح من أقوال العلماء في قضية الحجاب هو التغطية الكاملة لجسم المرأة. فذلك الأولى والأفضل والله أعلم.
ها أنتن أيتها الفاضلات سمعتن قوله عز وجل واضحا صريحا نسأل الله أن يجعلنا من الذين يقولون لأوامره سمعنا وأطعنا.
إن الحجاب أيتها الفاضلات فرض على المسلمة التي لا ترضى لنفسها الانصهار في بوتقة الاستعمار، والتي استقلت بشخصيتها، وحافظت على هويتها، رغم الهراء الذي تروجه بعض مكوناتنا الثقافية وقنواتنا الإعلامية التي أسقطت القيم الدينية وهي تزكي ركاما هائلا من المذاهب والفلسفات، والمتبصر أخواتي لا يجد صعوبة في لمس أعراض الموضى السيئة أو رصد ظواهرها السلبية على فطرة الناس لأن منظوماتنا التربوية ومجتمعاتنا لم تعد تحرص الحرص اللازم على ربط فضاءات المسلمين سواء الخاصة منها أو العامة، بهدي الإسلام الطاهر، وشرعه المنير فسارعن أيتها المسلمات لامتثال أوامر ربنا، وذلك بالتوبة من الغفلة التي ترون على القلوب بالحذر من مكر الفكر المستغرب وبارتداء الزي الإسلامي وهو الحجاب، ومن الله تعالى التوفيق، فانه ولي ذلك والقادر عليه ألا هل بلغت اللهم اجعلني من الذين قلت فيهم (يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله). والحمد لله رب العالمين.