هل في الدين قشر ولب؟؟ ذ يونس الناصري

يحلو لكثير من العلمانيين المتسترين بزعمهم الاهتمامَ بمبادئ الإسلام الكبرى أن يقسموا الدين إلى قشر ولب، موهمين عمومَ الناس بأنهم لا يحاربون شرعَ الله بأقوالهم وأفعالهم وتصوراتهم، زاعمين بأنهم يعتزون بالإسلام وينتمون إليه، إلا أنهم يحاربون فهمَ العلماء الربانيين لهذا الإسلام، مؤكدين أن الشريعة الإسلامية ملكٌ للجميع، يفهمها الناس حسب تصوراتهم وميولاتهم.
ويزرعون بين ثنايا تلبيسهم حقا أُريدَ به باطلٌ، وهو قولهم: إن في الإسلام فرضاً وسنةً، والواجب علينا أن نهتم بالفرض، أما السنة، فلا حرج علينا أن لا نعمل بها؛ لأنها ليست أمرا واجبا، فيصدق العوام هذا الخلط المقصود من قِبَلِ هؤلاء المتمردين على الإسلام الحنيف، وينتج عن ذلك -والحالة هذه- اطمئنان لثنائية (قشر ولب).
والحقيقة التي أخفوها على الناس، هي أن السنة الشريفة فيها الواجب المفروض والأمور المستحبة، ومن عمل بالنوعين معا، فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها. وحال العلمانيين الرافعين شأنَ الحقوق الكونية وإن كانت صهيونية، الخافضين شأنَ الشريعة الإسلامية وإن كانت عالية عالمية، هو أنهم لا همَّ لهم في فرض من الدين واجبٍ، ولا سنة مستحبة يُؤجرُ من عمل بها ويزداد فضله عند خالقه، غير أنهم يعلمون حق اليقين أن تصريحهم برفض الإسلام منهاجا سيؤلب عليهم عمومَ المسلمين المسالمين، سواء كانوا متعلمين أو غير متعلمين.
وقد لمست مرارا وتَكرارا أثرَ هذا التلبيس على الناس، حتى المثقفين منهم، حينما يعترضونك بقولهم: أهذا الأمر فرض أم سنة؟؟ فإذا بينت له تعريف السنة وأقسامها، والواجب منها والمستحب، فطن إلى موضع خطئه، ورجع إلى صوابه، فربما عمل بما كان يحسبه مستحبا مما هو واجب في الأصل على كل مكلف، وربما تهاون في ذلك إلى أن يهديه الله تعالى سواء الصراط.
يقول الدكتور محمد إسماعيل المقدم حفظه الله: “تبين أن مصطلح (القشر واللب) ظاهره فيه الرحمة، وباطنه من قِبَلِه العذاب، ولذا انخدع به بعض الطيبين الذين ابتلعهم الطعمُ، فاستحسنوه، وصاروا يروجون له، دون أن يُدركوا أنه قناع نفاقي قبيح، وأنه لحن من قول العالمانيين الذين يتخذونه قنطرة يهربون عليها من الالتزام بشرائع الإسلام، دون أن يُخدشَ انتماؤهم إليه، نعم تتوقف القضية عند حسني النية من المسلمين المخلصين عند نبذ ما أسموه (قشرا)، لتركيز الاهتمام على ما دعوه (لبا)، ولكنها عند العالمانيين الحريصين على اقتلاع شجرة الإسلام من جذورها، مجردُ مدخل إلى نبذ اللب والقشر معا، تماما كما يرفعون شعار الاهتمام بـ(روح النصوص وعدم الجمود عند منطوقها)، ومع أن هذا الكلام طيب إذا تعاطاه العلماءُ، وطبقه الأسوياءُ، لكنه خطير إذا رفعه أصحابُ العاهات الفكرية والنفسية، والمشوهون عقديا؛ إذ يكون مقصودهم حينئذ هو (إزهاق) روح النص، بل منطوقه ومفهومه، أو توظيفه -بعد تحريفه عن مواضعه- لخدمة أهدافهم الخبيثة..” .
إن الذين يرفعون هذا الشعار المَقيتَ، الذي ما أنزل الله به من سلطان، قد أفلسوا من بداية أمرهم؛ لأنهم خالفوا آيات قرآنية كثيرة، وأحاديث نبوية وافرة، وهم يزعمون العملَ باللب، فإذا خاطبت العلمانيين بقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُم الرَّسولُ فَخُذُوه، وَمَا نَهَاكُم عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر/7)، وقوله عليه الصلاة والسلام: “إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا” (متفق عليه)، لاحت ظلمة الشك على محياهم، وغمغموا بعبارات تُطمئنُ العاميَّ، وتشكك العالمَ بخبث دواخلهم، ورغبتهم في تشويه صورة السنن الثابتات، بدعوى أنها قشور غير مهمات، والله مطلع على النيات، ومحاسبٌ الماكرينَ على سوء الطويات.
فاللحية عندهم قشور، بل وسخ وتخلف، وتقصير الثياب منافٍ للتقدم وسُخف، والسواك فعل المتحجرين أهل الغاب مع وجود الفرشاة والمعجون، والنقاب تزمت وخنق للمرأة، بل الحجاب أيضا ليس من إسلام القرن الواحد والعشرين، أما القميص فلباس أفغاني أو وهابي، ومن ثمة فهو قشر بلا ريب، وهلم جرا في سائر السنن الواجبات والمستحبات.
وإذا فتشت عن اللب كما يريدونه، لم تجده إلا الشهادتين، قولا بلا عمل ولا تطبيق على الحياة، لتصل أخيرا إلى أن الإسلام عند العلمانيين كله قشور، ولبه على الأكثر هو اعتقادٌ بالإله، واعتراف بالرسول على أبعد تقدير، أما مضامين الشهادتين ومقتضياتهما فالعلمانيون بخرجاتهم وفكرهم المستغرب أبعدُ الناس عن التفكير فيها والعمل بها.
أهمس أخيرا في أذن كل علماني لم يفهم مقاصد الإسلام السامية على كل قانون بشري يعتريه النقص والغش وتقديم المصالح والأهواء، وأهمس همسة ناصح -والدين النصيحة- لكل مسلم طيب يسعى إلى خيري الدنيا والآخرة بهذا الكلام:
“لقد أنزل الله سبحانه دينه على نبيه صلى الله عليه وسلم ليبني به الإنسان المسلم، فيسعد به في الدنيا والآخرة، ولا يخفى على كل ذي عقل أن كل أمر ونهي من أوامر هذا الدين ونواهيه تسهم إسهاما فعالا في بناء هذا الإنسان، سواء كانت من المندوبات أم من المباحات أم من الواجبات، وسواء أكانت من المكروهات أم من المحرمات؛ لأن جميع هذه الأحكام هي شعب الإيمان التي قال فيها عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، فأيما شعبة نقصت منها، كانت نقصا من الإيمان، وأيما شعبة التزم بها المسلم، كانت زيادة في إيمانه؛ لأن الإيمان يزيد بالقول والعمل، وينقص بالمعاصي وسوء العمل”
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *