من حكم الله البالغة أن جعل في الإسلام مصدر قوة وعزة ومنعة للمهتدين بهديه من الأمم والشعوب إن هم سلموا من الآثام، وتحللوا من الذنوب. والتاريخ خير شاهد على أن أمتنا الإسلامية إنما ارتبطت قوتها ارتباطا وثيقا بمدى تمسكها بدينها، فهي قوية ما كان الإسلام عاملا قويا في بناء دولتها، ومرجعا وحيدا لنظام الحكم فيها، ورافدا أساسا من روافد ثقافة مجتمعاتها المسلمة، بل يجب أن يكون الدين جزء لا يتجزأ من حياة أفرادها حكاما ومحكومين، فيتحرَّ الجميع أن تكون تصرفاتهم منطلقة من تعاليم الإسلام، موافقة لأحكامه، مصطبغة بصبغته، فهو الدين الذي جاء ليضع عن الناس إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، ويرفع الظلم الواقع على المستضعفين فيهم، ويحيي ملكات وطاقات الإنسان -مطلق جنس الإنسان-فيشرك الإناث والذكور جميعاً في حمل الأمانة، ويكون بعضهم لبعض ظهيراً في النهوض بالفرائض الشرعية والتعاون على القضايا الاجتماعية الشاملة لكل ألوان العمل كل بحسبه. تلك هي حقيقة الإسلام في نظرته للإنسان بجنسيه، خلافا لما يروج له الأعداء من أنه دين فرق بين الرجال والنساء في الواجبات والحقوق وأنه يحتقر المرأة لذاتها، ولا يجعل لها قيمة معنوية سوى الاستمتاع المجرد، وأنه يبيح بيع وشراء وسبي النساء، وأنه يوجب على المرأة أن تعيش وتموت جاهلة مهملة بما يفرض عليها من الحجاب، وأنه يعد حقها في الترفيه والاستمتاع عاراً شنيعاً، في حين أنه يتيح للرجل كل وسائل اللذة، في مزاعم وشبهات أخرى كثيرة كان الواقع السيئ للمسلمين يمد أولئك المتسللين لواذا بأدلتها، ويسهل عليهم إثارتها تحت شعارات مضللة ودعايات كاذبة مغرضة، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب، كان من أشدها مكرا وأعظمها كيدا دعوى تحرير المرأة، وهي دعوى ركز عليها أولئك، لعلمهم بنتائجها المتعددة والتي منها: الطعن في الشريعة الإسلامية ذاتها، لأنها حسب زعمهم سبب احتقار المرأة، ومن نتائجها أيضا نشر الإباحية والانحلال في المجتمع الإسلامي، وكذا القضاء على الأسرة الذي يؤدي في النهاية إلى تجهيل النشء بدينه، ويتيح للأعداء الفرصة كي ينفردوا بتربية أبناء الإسلام كما يشاءون، كل ذلك بدعوى إرجاع الحقوق المهدورة والتمكين للحريات المسلوبة.
والحق الذي لا ريب فيه أن التاريخ على امتداده لم يعرف ضياعا لحقوق المرأة ولا امتهانا لحريتها كما عرفه اليوم، وهو أمر مقصود تولى كبره والترويج له قوم احترفوا سرقة الفضيلة وامتهنوا التجارة في الشهوات، فهم الجرَّارون إلى الرذائل، الذين يبغون في الناس الفتنة، ويحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ويسعون في الأرض الفساد، قوم ليس لهم هم إلا الفتك بالقيم الأصيلة، وتدمير الأخلاق الفاضلة، إلى آخر ما هنالك من الشر المستطير والبلاء المتناسل، سلاحهم الحيل الشيطانية والمكايد الإبليسية، لقد مكروا مكرا كبارا وأمعنوا في الكيد جهارا وإسرارا، فجعلوا من المرأة وسيلة للنيل من كرامة الأمة والعبث بمظاهر الحياء فيها، المرأة ذلك المخلوق الذي كرمه الإسلام وأنزله المنزلة الرفيعة من الصيانة والاحترام، فهي الأم وهي الأخت وهي البنت، ودين الإسلام وحده هو الدين الذي كفل للمرأة جميع الحقوق، وحررها من امتهان الجاهلية الأولى، فقد بلغ التحرير الإسلامي للمرأة إلى حيث أصبحت به في طليعة الإيمان بالإسلام، والطاقة الخلاقة الداعمة للدين ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم كما كان حال أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. حتى كان عام وفاتها عام حزن المسلمين ورسول الإسلام ودعوة الإسلام. وكانت المرأة في طليعة شهداء الإسلام كما جسدتها شهادة سمية، أم عمار بن ياسر رضي الله عنهم جميعا.
تلك بعض صور تكريم المرأة في الإسلام، في الوقت الذي أراد لها الأعداء الشهوانيون أن تبقى مجرد أداة تدمير وحُبالة يصطاد بها ضعاف الإيمان من أرباب الرغبات غير المشروعة، وأصحاب الميول الممنوعة، من الذين صدَّق عليهم إبليس ظنه وتحقق فيهم قول الباري جل شأنه: “وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً”.
لقد أصبحت المرأة في عامة المجتمعات الإسلامية كما أراد لها الأعداء أن تكون إلا من رحم الله، أصبحت سلعة مبتذلة جُرّدت من رمز الصيانة والعفة الذي هو الحجاب، وأخرجت من بيتها لترتاد المسارح ونوادي الرقص والغناء، وتظهر في وسائل الإعلام سافرة فاتنة، ولتتخذ المجلات الخليعة والإعلانات التجارية صورتها وسيلة من وسائل التسويق، وأسلوبا قذراً لترويج البضائع، فهل بعد هذا الإمتهان للكرامة الإنسانية من امتهان؟ أليس في ذلك مصادرة للحريات وانتهاك للحقوق؟
أختاه إن حجابك عنوان للشرف والعفة والكرامة، وهو قبل ذلك عبادة لله وطاعة لرسوله، فكوني متمسكة بدينك معتزة بحجابك، فالحجاب هو أول عقبة يصطدم بها دعاة الرذيلة للفتك بالأعراض، أختاه اعلمي أن من مقاصد الإسلام السامية حفظ الأعراض وإنما شُرِع الحجاب تحقيقا لذلك المقصد العظيم حتى تتماسك الأسر، ويسلم النسل، ويطهر المجتمع، ويقطع الطريق على المفسدين في الأرض، فكوني من ذلك على ذكر، وكوني من تلك الدعوات المغرضة على حذر.