نحو معركة سيدي بوعثمان ذ. إدريس كرم

سبقت الإشارة إلى معارك سوق أربعاء الرحامنة ومرتفعاتها الصخرية، تمهيدا لدخول مراكش، لكن خروج خليفة الهيبة من المدينة عجل بمعركة سيدي بوعثمان التي سيصفها تقرير “منجان” الذي نحن بصدد تقديمه والذي جاء فيه:
“بين الساعة الخامسة والنصف والساعة السادسة حاولت الطليعة والمؤخرة عن طريق بضع مئات من الخيالة الشروع في المعركة، فتم إخلاء الميدان بسرعة من كل القوات حيث ساعدت كل التشكيلات في إنجاز المهمة بتغيير اتجاه سيرها.
وهكذا اتجهت المجموعة الأولى ملتفة ليسار الثانية حول ربوة مجاورة لها؛ حيث تراجعت الثانية للخلف حول ربوة أخرى؛ قافلة التموين مرت بين المجموعتين الثانية والثالثة التي تتواجد دائما في الخلف للحماية والتأمين.
كوَّن مجموع التشكيل مستطيلا كبيرا في الوسط حيث توجد القافلة.
مدفعية المجموعة الثانية (فصيلة 75) عملت على تأمين إبعاد المجموعة الثالثة.
الأعداء جمعوا قوتهم في جهة الولي سيدي عمار حيث يمكنهم أن يكونوا قريبين من فرساننا الذين كلفوا بالعديد من الاشتباكات.
فصيلة 75 قامت بتنسيق طلقاتها مع فصيلة “بول” من المجموعة الأولى مما سبب خسائر كبيرة للأعداء وساعد على استئناف السير نحو مراكش واللحاق بالمجموعة الأولى في دوار اولاد بوجبيرا.
في الساعة السابعة والثلاثين دقيقة استأنفت المعركة بشكل قوي وقد دعمت فصيلة “65 جاكيي” الحركة بسيرها أمام مجموعة “ريف” التي كانت في الأمام تقوية لخط الفرسان والمشاة المغاربة.
تم تكثيف رمي مدفعية “بول” ومدفعية “جاكي” على جنبات الكولون، وفي الخلف حيث مجموعة “جوزيف” الموجودة في المؤخرة بقيت هوجمت من قبل الأعداء مما أرغم الكولون على إلغاء مسيره في انتظار فك الحصار عليها.
مجموعة ليوطنا كولونيل “صافي” التي تؤمن في نفس الوقت حراسة القافلة ساعدت على إجلاء المحاصرين بنيران مدفعيتها التي فسحت المجال أمام الفرسان المغاربة للتراجع بعدما أبانوا عن شجاعة عالية” (ص:56).
“من أجل مفاجأة محلة الخليفة وهي متراجعة عملت مجموعة تكونت من فرسان الاحتياط وسرية السنغاليين المحمولة ومشايعينا من الشاوية والرحامنة مع مجموعة “ريف” على السير بسرعة نحو بنكرير.
في الساعة العاشرة والنصف كانت طليعة المجموعة السالف تكوينها تستولي على السهل على مرأى من الأعداء الذين كانوا يسيرون بموازاتهم من غير أن يفكروا في الاشتباك نحو نقطة الماء الأقرب على طريق مراكش الموجودة في سيدي بوعثمان على بعد 40 كلم جنوب بنكرير.
في منتصف النهار ظهرت خيولنا على الروابي البعيدة عن بنكرير بكيلومترين، كما كان الكولون قد تجمع في بنكرير، وقد كلفتنا العملية 16 جريحا فيهم أربعة أوربيون وأربعة خيول جريحة.
لقد سمحت عمليات مدفعيتنا والقناصة المنتشرين على نطاق واسع بالهضاب المحيطة بمكان تجمع القوات لإبقاء الأعداء بعيدين عن تجمعاتنا في السهل؛ كانت إصابات معظم الجرحى بليغة أما خسائر الأعداء فكانت كبيرة حيث كان القتلى ملقون على الطريق وكذلك الخيول الجريحة أو النافقة المتخلى عنها.
عدد من المعادين في قبيلة اولاد بوبكر جاؤوا يقدمون الطاعة والخضوع بعدما كانوا لغاية الأمس يقاتلوننا.
قبل الدخول لسوق الأربعاء كان قائد الكولون أراد معاقبة قبيلة يكوت فاجتاحهم ودمر مساكنهم التي وجدها خالية بعدما تركها سكانها الذين رفض قائدهم لحسن ولد سلا تقديم الطاعة والخضوع مفضلا التحالف مع الهيبة الذي طلب منه وضع حوالي 300 فارس في معركة بنكرير لدعم خليفته.
نشير أيضا لتبادل إطلاق النيران بين فصيلة اصبايحية وجماعة من المغاربة مكونة من حوالي خمسين مقاتلا مسلحين بأسلحة بيضاء وبنادق سريعة الطلقات تكبدوا فيها خسائر هامة من الرجال المهاجمين تاركين بعد تراجعهم بين أيدينا أربعة بنادق من غير أن تسجل بيننا أية خسارة، ليواصل الكولون دخوله لسوق الأربعاء في فاتح شتنبر دون حوادث تذكر.
النتائج المستخلصة
أفادت المعلومات المتجمعة عن محلة بنكرير التي يقودها خليفة الهيبة أنها تتكون من 1500 فارس وعدد من المشاة تجمعوا من القبائل الموجودة بين أم الربيع وسوس، وطبعا كل قبائل الرحامنة ما عدا اولاد اسلامة، وأولاد عمران، واولاد ادليم، واحمر، وعبدة، ومتطوعو الحوز، ومئات من فرسان لمتوكي.
كانت المحلة مليئة بالفوضى عند وصولها لسيدي بوعثمان أول نقطة ماء على بعد 40 كلم شمال مراكش بسبب مسيرها دون توقف، ووحداتها خائرة القوى بعدما بددتها للوصول إلى مراكش من دواويرها، لقد كان المجهود المبذول في النواحي ضخما لكن المعلومات المجمعة لدينا عن أبهة دخول الهبة مراكش كان متدنيا خاصة بعدما تعرضت محلته أثناء دخول المدينة للسلب من قبل “اوحام”، مما عرضه للخطر وقلل من أهمية الحركة المساندة له في السراغنة وتادلا.
بالمقابل أظهرت العمليات الأخيرة شجاعة قواتنا كالعادة.
زواوا الذين قدموا أكبر الخسائر المسجلة في المعركة الخلفية يوم 29، كما كانت هناك فرصة لفرقة اصبايحية لإبعاد الأعداء باستعمال السلاح الأبيض وجها لوجه.
حالة الكولون على ما يرام وقد سمح للجنود بالتسوق من السوق الأسبوعي وابتياع الخضر الطازجة وإصلاح الأسلحة البيضاء وسنها (سوق الأربعاء في 4 شتنبر 1912)”. (انظر؛ ص:57 إفريقيا الفرنسية 1913).
عمليات كولون الجنوب من 5 إلى 7 شتنبر 1912 (معركة سيدي بوعثمان 6 شتنبر ضد محلة الهيبة ودخول مراكش في 7 شتنبر)
الوضعية
منذ الرجوع لسوق الأربعاء في فاتح شتنبر بعد معركة بنكرير في 29 غشت واستكشاف قبيلة يكوت بأن الكولون لن يقاتل تم أخذ بعض الراحة في المعسكر.
محلة الهيبة أخفقت في لقاءين بأوحام في 22 غشت وبنكرير في 29 غشت، فتشتت مقاتلوه وبعضهم عادوا لدواويرهم.
نجح الهيبة من جديد في تحريض متمردين جدد، إنه مهدي حقيقي ينشأ، فإذا كان الذين هزموا فقدوا الشجاعة فقد تقدم آخرون للقتال من غير بركة المطالب بالحكم لتمنحهم النصر مدعين أن السلطان لم ينهزم لأنه لم يشارك في المعارك شخصيا وهو ما يفسر وجود أناس يسارعون للاقتتال رغم ما رأوه من إخفاق.
يوم 2 شتنبر علمنا بأن محلة تكونت في سيدي بوعثمان تحت إمرة مربيه ربو خليفة الهيبة تتكون من 10.000 فارس وراجل ولها أربعة مدافع مختلفة الأشكال.
المستنجدون بنا في مراكش بدأوا يتواردون علينا بعدما فتحنا طريق مراكش في وجه حركة السير وصارت آمنة، وبدأنا في استعمالها.
الحاج التهامي ومولاي رشيد أفهمونا بأن قضية مواطنينا المحتجزين كرهائن عند الهيبة يتم معالجتها في سرية، وسيبعثون لنا بالمعلومات حال توفرها لديهم، وأن الهيبة يريد الاحتفاظ له بامتيازاته في الجنوب.
مولاي رشيد أحاط “منجان” علما عن طريق مبعوث له بأن أنصاره وأنصار لكلاوي لا ينتظرون سوى وصولنا لأسوار مراكش للهجوم على القصبة وتحرير الرهائن المحتجزين، وهذه المعلومات تم التأكد منها بواسطة رسالة بعث بها المارشال “ديلوجي” الفار من قصر الحاج التهامي، وأكد أن لمتوكي نفسه سيتخلى عن أهداف المدعي بمجرد ما ستصل قواتنا لواد تانسيفت وأنه سيساهم في معاقبة العاجزين والمساهمين في ذلك.
التعليمات المستلمة
التعليمات المستلمة الواردة من الإقامة العامة تقول بالسير نحو مراكش هي الوسيلة الوحيدة لإنقاذ مواطنينا ومنع حركة المهدي من التوجه شمالا نحو تادلا والاستيلاء على الشاوية.
الجنرال “ليوطي” حضر لمعسكر سوق الأربعاء في الرابع من شتنبر، حيث وافق على مختلف الاستعدادات بعدما اطلع على مخططاتها وأعطى الصلاحيات الكاملة للكولونيل “منجان” بتركيز القوة ما أمكن مع الاحتفاظ بحرية العمل من أجل التوجه لقاء الهيبة واحتلال مراكش.
تكوّن كولون بسطات وأمر بأن يكون على أتم الاستعداد لمقابلة أي تحر ك من تادلا نحو الشاوية، وتم تعزيز ثكنة مشرع بنعبو، كما تم ضمان حراسة أم الربيع بوحدات مستقلة عن الكولونيل “منجان” لكن يدعمه عند الاقتضاء.
كوّن كولون الجنوب في 5 شتنبر من ستة أفواج مشاة، وثلاثة سرايا، وثلاثة بطريات، وخمس فصائل رشاشات، فصيلة هندسة، سيارتي إسعاف، قافلة تموين لمدة خمسة عشر يوما، أربع فصائل ذخيرة تتوفر على 2500 طلقة مدفع، و500.000 رصاصة.
وبعدما ترك للكولون كل هذه القوة للعراك، أصبحت سوق الأربعاء خالية، ولم تترك أية مفرزة على الطريق لضمان المواصلات.
المقيم العام دخل مشرع بنعبو يوم الرابع من شتنبر في منتصف النهار وترك للكولونيل “منجان” كافة الصلاحيات في موضوع القضاء على نفوذ الهيبة، وتقويض مكانته بكافة الأشكال، بما في ذلك الزحف لمراكش، وإنذار السكان المتعاونين مع الهيبة بوجوب ردع المسؤولين عن احتجاز مواطنينا، وضرورة العمل على حمايتهم وإعادتهم أحياء قبل تفاقم حالة الاضطرابات بالمغرب وتحميلهم مغبة ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *