أحبطت المخابرات الحربية خطة الهروب الجماعية الواسعة التي أعدها مخطط حادثة المنصة، ومقدم المخابرات الحربية “عبود الزمر” بمعية شريك محبسه ورفيق دربه الرائد عصام القمري لتقرر المحكمة ترحيل الرجلين إلى سجن “ليمان طرة” ذي السمعة السيئة والحراسة المشددة.
ومن هناك سعيا إلى دمج “الجماعة الإسلامية” و”الجهاد” تحت مظلة كيان واحد جديد حتى يتسنى لكافة المعتقلين الاستعداد لمواجهة مسلسل المحاكمات الطويلة التي اشتهرت إعلاميا باسم “محاكمة الجهاد الكبرى” وقد تكون مجلس شورى لقيادة “الكيان الجديد” الذي أريد له أن يحتوي بقايا كوادر وأعضاء “تنظيم الجهاد” بعد إعدام كل من “محمد عبد السلام فرج” و”أحمد شوقي الاسلامبولي”.
وبالفعل تم هذا الدمج وتم احتواء كل من جماعة “محمد عبد السلام فرج” وجماعة “أيمن الظواهري” بالإضافة لجماعة “محمد سالم الرحال” ناهيك عن “الجماعة الإسلامية” في قالب تنظيمي واحد، وأسندت مهام مجلس الشورى إلى كل من “أيمن الظواهري” و”طارق الزمر” و”ناجح إبراهيم” و”عصام دربالة” بالإضافة لـ”عبود الزمر” كرئيس للمجلس.
لكن ساعة الاتفاق والتعاون لم تدم طويلا حيث نزلت الخلافات الحادة بساحة “الكيان الجديد”، واحتدمت المواقف وتباينت الآراء، فتوالت بعد ذلك الاستقالات والانشقاقات الهائلة والتي يمكن وصفها بـ “التصدع الهيكلي والتنظيمي الأعنف في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة”.
ورغم أن الصراعات التي دبت في الجسم الجهادي قد اتخذت مظاهر شتى؛ إلا أن جوهرها الحقيقي يتمثل في صراع بين قادة “فصائل الجهاد” و”الجماعة الإسلامية” حول قيادة “الكيان الجديد” الذي استوعب كل الجهاديين الموجودين في السجون تقريبا.
وهو الخلاف الذي أطلق عليه إعلاميا فيما بعد بقضية “ولاية الأسير والضرير” حيث أن قادة “الجماعة الإسلامية” وهم المشكلون لمجلس الشورى الخاص والذي كان مكونا من 12 عضوا جلهم من طلبة الجامعات كانوا يسعون للسيطرة على قيادة “الكيان الجديد” الذي كان الجميع يعلق عليه آمالا بارزة للدفع بعجلة العمل الإسلامي إلى الأمام بعد خروج القادة من سجونهم.
بينما كان قادة “تنظيم الجهاد” وباقي الجيوب الجهادية الأخرى يرون أنفسهم أنهم ذوي خبرات ومؤهلات لا تنكرها عين الإنصاف تمنح لهم سبق الامتياز والأفضلية لقيادة “القاطرة الجهادية” فعبود الزمر وعصام القمري كانا ضابطين مرموقين في الجيش كما كان أيمن الظواهري وسالم الرحال والعديد من قادة “تنظيم الجهاد” قد أتموا دراستهم الجامعية ويمتلكون خبرات تنظيمية جيدة تختلف عن الحال الذي كان عليه قادة “الجماعة الإسلامية” اليافعين الذين لم يتجاوزوا بعد عتبة الفصول الجامعية.
وما إن استشعر أعضاء شورى “الجماعة الإسلامية” محاولات وتلميحات القادة التاريخيين للجهاد لاحتواء “الكيان الجديد” حتى سارعوا بدورهم إلى إصدار قرارات وفرض وجهات نظر تعزز موقفهم وتعلي من حظوظهم في سباق نيل زعامة الجهاديين.
طرحت الجماعة الإسلامية اسم الشيخ الأزهري الضرير “عمر عبد الرحمان” بصفته واجهة دينية واجتماعية وعالم دين محترم ومحل اتفاق وقبول لدى سائر الفصائل الجهادية لقيادة الكيان الجهادي الجديد؛ لم يستسغ بعض قادة تنظيم الجهاد الأحادية في اختيار الأمير فبادروا بالتالي إلى تفجير وإثارة قضية أنه لا ولاية لضرير، والتي أثارها أول الأمر القيادي “عصام القمري” وآزره فيما بعد جميع أعضاء وقادة تنظيم الجهاد، وطرحوا بالمقابل اسم “عبود الزمر” الذي كان يومها يقبع في سجن ليمان طرة كأمير “للكيان الجديد” لكن قادة “الجماعة الإسلامية” عارضوا بدورهم وامتنعوا عن القبول بعبود الزمر تحت مسوغ أنه لا ولاية لأسير لتحتدم الردود والاتهامات على وقع اتساع رقعة الخلاف بين الجانبين، وسرعان ما افترقت السبل بكل من “الجماعة الإسلامية” و”تنظيم الجهاد” وتشرذموا في السجون على شكل “ثلاث جماعات جهادية” منفصلة وهي:
1- الجماعة الإسلامية المعروفة: بقيادة مجلس الشورى المكون من 12 عضوا والذين يطلق على من تبقى منهم حتى الآن “القادة التاريخيون للجماعة الإسلامية” وهم الذين قادوا مبادرة المراجعات، ووقف العمل المسلح أواخر التسعينات، “أسامة حافظ، عصام دربالة، علي الشريف، عبود الزمر، ناجح إبراهيم، كرم زهدي، عاصم عبد الماجد، فؤاد الدواليبي، صلاح هاشم، حمدي عبد الرحمان، طارق الزمر، علاء عبد الكريم”.
2- جماعة عبود الزمر: والتي قادها بعد الخروج من السجن “مجدي سالم، وأحمد النجار، وعادل السوداني، وأحمد سلامة مبروك، وآخرون.
3- جماعة أيمن الظواهري: وقد توحدت في بدايتها مع جماعة عبود الزمر أواخر عام 1988 م، وتشكلت قيادتها في بيشاور الباكستانية من كل من “أيمن الظواهري، وأحمد سلامة، وعبد العزيز الجمل، ومحمد الظواهري، وعادل عبد القدوس” وأمروا عليهم حينئذ الدكتور فضل أو عبد القادر عبد العزيز، وصار اسم هذه الجماعة الجديدة “جماعة الجهاد الإسلامي” واشتهرت خارج مصر باسم “الجهاد المصري” قبل أن ينفصل عبود الزمر وابن عمه طارق الزمر والعديد من القادة الآخرين عن جماعة الجهاد الإسلامي هذه ويلتحقوا بالجماعة الإسلامية في السجن.
نتعرف في قادم الأجزاء بحول الله على “مراجعات الجهاد” التي قام بها الدكتور فضل عبد القادر عبد العزيز في بداية تسعينيات القرن الماضي، وكيف ظهرت طلائع الفتح بقيادة الظواهري، والتي تعتبر النواة الأولى لقاعدة الجهاد أو تنظيم القاعدة.