لا قطع إلا على من سرق ربع دينار فصاعدا

قال الله تعالى في كتابه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، وقد نص الفقهاء في كتب الفقه أن ولي الأمر هو الموكل بتطبيق الحدود الشرعية، وبينوا طريقة تطبيقها؛ وذلك استنادا إلى نصوص الكتاب والسنة.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا) رواه البخاري (6789)، ومسلم (4494) واللفظ له.
فدل الحديث على أن ربع الدينار هو أدنى ما يوجب قطع يد السارق، فمن سرق متاعا يساوي ربع دينار فصاعدا فإنه يقطع، ولا قطع على من سرق ثلاثة دراهم إلا أن تبلغ قيمتها يوم السرقة ربع دينار؛ لأن أصل التقدير إنما هو بالدينار، وليس بالدراهم، فإذا تفاوتت قيمة الدرهم، فإنها تقاس، زيادة ونقصانا بالدينار، في وقت السرقة، فإذا بلغت ربع دينار قطعت يد السارق.
وعلى هذا يحمل حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِجَنٍّ [أي: درع] قِيمَتُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ) متفق عليه؛ أي: لأن ثلاثة دراهم تساوي في ذلك الوقت ربع دينار.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في نصاب حد السرقة وأنها مقوّمة بربع دينار:” وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ: رُبُعُ دِينَارٍ.
فَإِذَا أُخِذَ سَارِقٌ قُوِّمَتْ سَرِقَتُهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي سَرَقَهَا فِيهِ فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ رُبُعِ دِينَارٍ لَمْ يُقْطَعْ.
وَالْأَصْلُ رُبُعُ دِينَارٍ، فَلَوْ غَلَتْ الدَّرَاهِمُ حَتَّى يَكُونَ دِرْهَمَانِ بِدِينَارٍ قُطِعَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نِصْف دِرْهَمٍ، وَلَوْ رَخُصَتْ حَتَّى يَصِيرَ الدِّينَارُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، قُطِعَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا.
وَإِنَّمَا الدَّرَاهِمُ سِلْعَةٌ، كَالثِّيَابِ وَالنَّعَمِ وَغَيْرِهَا؛ فَلَوْ سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ، أَوْ مَا يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ، أَوْ مَا يَسْوَى عَشْرَ شِيَاهٍ: كَانَ يُقْطَعُ فِي الرُّبْعِ، وَقِيمَتُهُ عَشْرُ شِيَاهٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ مَا يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ، وَذَلِكَ رُبُعُ شَاةٍ: كَانَ إنَّمَا يُقْطَعُ فِي رُبُعِ الدِّينَارِ.
وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ الدِّينَارَ؛ فَالدَّرَاهِمُ عَرَضٌ مِنْ الْعُرُوضِ، لَا يُنْظَرُ إلَى رُخْصِهَا وَلَا إلَى غَلَائِهَا”. انتهى من “الأم” (6/159).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “قوله: “أو ربع دينار” وهو [أي: الدينار]: مثقال، والمثقال أربعة غرامات وربع، فيكون ربع الدينار واحد غرام، وواحد من ستة عشر، يعني ربع الربع، فإذا سرق الإنسان من الذهب ما يزن غراما وربع الربع: قُطِع؛ وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها ـ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا)، وهو في الصحيحين. وعلى هذا: فيكون هذا الحديث مخصصا لعموم قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) [المائدة: 38]، فيكون ما دون النصاب لا قطع فيه.
وأما الحديث الآخر: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم، فهذا محمول على أن ثلاثة الدراهم تساوي ربع دينار في ذلك الوقت، والدينار اثنا عشر درهما من الفضة” انتهى من “الشرح الممتع” (14/334).
والدينار يزن أربع غرامات وربع من الذهب، وربع الدينار يساوي غراما وربع الربع، وأما تحديد سعر ذلك بالنقود، فقد تبين أنه يتفاوت، يوما عن يوم حسب سعر الذهب، وإنما يقدر الثمن يوم السرقة.
وملخص جواب الفقهاء في الباب أن الدينار يساوي أربعة غرامات وربع، فإذا قبض على سارق، فإن القاضي ينظر في أسعار الذهب ذلك اليوم، فإن ثبت أن قيمة المسروق يوم الجريمة تبلغ قيمة غرام وربعَ ربعِ الغرام من الذهب ذلك اليوم، فقد استحق السارق حد القطع، وإن نقصت قيمة المسروق عن ذلك فإنه يستحق التعزير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *