| يقول “ياهو شافيط هاركابي”، مستشار الأمن القومي لرئيس وزراء الكيان الصهيوني: “لقد كان الرواد يعطون أهمية مضافة للإعلام ووسائل الاتصال، باعتبارها المرتكزات والمداميك للمشروع الصهيوني، ولهذا ما زلنا نعمل بوسائل إعلامنا الكفؤة والمرتكزة على أيديولوجيتنا للتأثير في الرأي العام وعرض قضيتنا العادلة على العالم”.. |
تنشط الحركة الصهيونية من خلال الجماعات اليهودية وتجمعات خاصة سرية، وعلنية، ومن خلال مؤسسات متعددة، هذا رغم وجود مؤسسات رسمية باسم الحركة الصهيونية العالمية، كما تشرف الحركة الصهيونية على العديد من المؤسسات الإعلامية والعديد من الإعلاميين، لترويج أفكارها.
فالحركة الصهيونية أفردت، فكرا وممارسة، أهمية خاصة لـ”منظمات الضغط والدعاية السياسية” للتأثير على الرأي العام ومواقفه، و”محورية بريطانيا الدولة العظمى التي كانت لا تغيب عنها الشمس، في المشروع الصهيوني، والتي تم توريث محوريتها للعراب الأمريكي.
لقد اعتمد منظرو الفكر الصهيوني، وقادة الحركة الصهيونية العالمية على منظمات الضغط والدعاية السياسية، وذلك لخلق تشكيلات الاجتماعية المؤيدة لدولة الاحتلال الصهيوني.
كما كانوا يركزون عليها في عملية التأثير على مواقف الأفراد والجماعات والدول، بالخصوص المخطط التي تعمل وفقه، والبرامج الممنهجة والمنسقة من العلاقات العامة والدعاية السياسية، والتي تعد أداة تغيير تقيم دولا، وتحقق أحلامها، وتنهي دولا أخرى، رغم وجودها الجغرافي والسياسي.
ولطالما عبر تيودور هرتزل الأب المؤسس للصهيونية، الصحفي اليهودي نمساوي الأصل، وغيره من القيادات الصهيونية، عن مدى الاهتمام الصهيوني بدور “جماعات الضغط” وضرورة امتلاكها الإعلام والهيمنة على مؤسساته.
ولا يخفي رؤوس الصهيونية الدور الذي لعبه الإعلام في تحقيق “الحلم اليهودي” بإنشاء “وطن قومي”، إذ يقول “ياهو شافيط هاركابي”، مستشار الأمن القومي لرئيس وزراء الكيان في السبعينات من القرن الماضي: “لقد كان الرواد يعطون أهمية مضافة للإعلام ووسائل الاتصال، باعتبارها المرتكزات والمداميك للمشروع الصهيوني، ولهذا ما زلنا نعمل بوسائل إعلامنا الكفؤة والمرتكزة على أيديولوجيتنا للتأثير في الرأي العام وعرض قضيتنا العادلة على العالم”.
كما أكد ذلك ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان، فقد عبر بوضوح عن أهمية الدور الذي لعبه الإعلام في ترويج الفكر الصهيوني وتحقيق أهدافه، ويقول بهذا الصدد: “لقد أقام الإعلام دولتنا على الخارطة، واستطاع أن يتحرك للحصول على مشروعيتها الدولية، وتكريس جدارة وجودها، قبل أن تصبح حقيقة واقعة على الأرض”.
فالحركة الصهيونية أولت للدعاية “البروباغندا” اهتماما خاصا، وأفردت لها إمكانيات أدبية وبشرية ومالية هائلة، وقد اعتبر رواد الحركة الصهيونية الدعاية “أداة تغايير تقيم دولا وتنهي دولا أخرى”، وهكذا برزت الدعاية الصهيونية كنموذج فريد، من حيث بنية الخطاب الدعائي، الذي يتغير ويتطور للمتغيرات المحيطة به، وإن كان يحتفظ دائما بجذوره ومرجعيته المرتبطة بمنابع الفكر الصهيوني، وبما في هذا الفكر من مسوغات تاريخية ودينية وسياسية وثقافية واقتصادية.
وتظهر أولى ملامح اهتمام الحركة الصهيونية بالدعاية، كفن وعلم، في الأدبيات التي شكت المراجع الأساسية للفكر التي وضعها رواد الحركة الصهيونية، ففي 1869، أي قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية بنحو 28 عاما، قال الحاخام رايشهورن، أمام تجمع يهودي في مدينة براغ: “إذا كان الذهب هو القوة الأولى في العالم، فالصحافة هي القوة الثانية، ولكن الثانية لا تعمل بالشكل المطلوب دون الأولى، من هنا علينا أن نوظف الذهب للسيطرة على الصحافة، وعلينا أن نقدم المال لمن نجد نفوسهم مفتوحة لتقبل الرشوة”، وتشير الإحصاءات إلى أن الحركة الصهيونية تمتلك ما يقرب من 1035 صحيفة ومجلة على مستوى العالم منها 254 في أميركا وحدها و158 في أوروبا و32 في أفريقيا..
وقال هرتزل عند إصدار مجلة العالم قبيل مؤتمر 1897: “لكي نقيم وطنا لليهود في فلسطين، يلزمنا الكثير من الضوضاء”.
فالصهيونية تركز على المال والإعلام كمفتاح تفتح به الأبواب الموصدة، وتطوع به النفوس الممتنعة ترغيبا وترهيبا، وما تداعيات “طوفان الأقصى” علينا ببعيد، وكيف جيش الكيان الصهيوني بماله ولوبيات ضغطه، دول الغرب قاطبة إلا قليلا منهم، والدور المحوري الذي لعبته الولايات المتحدة التي ورثت دور بريطانيا، هذا الدور الذي عبر عنه تيودور هرتزل عنه في كتابه “الدولة اليهودية” بقوله: “منذ انضمامي إلى الحركة الصهيونية وجهت نظري نحو بريطانيا، لأنني أدركت أُن بريطانيا مركز الثقل العالمي، وبريطانيا العظمى والحرة، التي تحكم ما وراء البحار، سوف تتفهم أهدافنا، والانطلاق من هنا سيخلق للأفكار الصهيونية أجنحة تحلق بها عاليا وبعيدا”.