(إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة)

روى البخاري (6243) ومسلم (2657) عن أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ).
ورواه أحمد (10920) ولفظه: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ لَهُ حَظُّهُ مِنَ الزِّنَا، فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا الْيَدَيْنِ الْبَطْشُ، وَزِنَا الرِّجْلَيْنِ الْمَشْيُ، وَزِنَا الْفَمِ الْقُبَلُ، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ الْفَرْجُ) وصححه محققو المسند على شرط مسلم.
لقد قدَّر الله المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فجميع الحوادث والأفعال والكائنات لا تقع إلا بمشيئة الله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
وجعل الله تعالى للعبد مشيئة واختيارا، وهداه إلى طريق الخير وحضه عليه، وعرفه طريق الشر ونهاه عن سلوكه.
وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه واقع: لا يجوز الاحتجاج به على رفع اللوم عمن يفعله، وهذا باتفاق المسلمين، فقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أن من علامات الساعة أن يكثر الزنا والكذب وشرب الخمر، وأن الرجل سيأتي المرأة في الطريق، والناس ينظرون إليه، وأن الآخر سيأتي أمه، فكل هذا مكتوب في اللوح المحفوظ واقع لا محالة، ومعلوم أن كل هذا من كبائر المحرمات، التي يستحق من فعلها العذاب الشديد، بل هذا هو شأن أفعال العباد جميعها، طاعاتهم، ومعاصيهم، إيمانهم، وكفرهم، كل ذلك في كتاب عند رب العالمين؛ قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) القمر:51-53 .
ومن هذا، ما ذكره السائل من أن ابن آدم كتب عليه أن يصيب شيئا من الزنا، إما الزنا المجازي وإما الزنا الحقيقي، فلا يجوز الاحتجاج بهذا الخبر على رفع اللوم عمن فعل ذلك.
فليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين، وجميع العقلاء؛ فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال، وسائر أنواع الفساد في الأرض، ويحتج بالقدر.
فنتوجه إلى السائل بهذا السؤال: لو أن أحدا ظلمك، فأخذ مالك وضربك واعتدى عليك، ثم احتج بالقدر، وأن ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ -وهو مكتوب فعلا ما دام قد وقع- هل كنت تقبل هذا الاحتجاج منه؟ أم كنت تلومه على اعتدائه وتعاقبه بما يستحقه؟
إن الجواب معلوم قطعا، مما يدل على أن الاحتجاج بالقدر على المعاصي غير صحيح ولا مقبول ببداهة العقول، وإلا تحولت الدنيا إلى فوضى .
وإنما يسوغ الاحتجاج بالقدر عند المصائب التي تحل بالإنسان كالفقر، والمرض، وفقد القريب، وتلف الزرع، وخسارة المال، ونحو ذلك؛ فهذا من تمام الرضا بالله رباً، فالاحتجاج بالقدر إنما يكون على المصائب، لا المعائب.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “منهاج السنة النبوية” (3/58): “فالاحتجاج بالقدر حال الجاهلية الذين لا علم عندهم بما يفعلون ويتركون” انتهى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *